كان ستيف جوبز يقول: "ابدأ بخطوات صغيرة، ولكن فكّرْ بهدف كبير". تعكس هذه الفلسفة، إلى حد ما، النهج المتبع خلال المحادثات الأميركية-الروسية الأخيرة في الرياض، حيث حاول الجانبان الحفاظ على الزخم الهش في العلاقات الثنائية، من خلال الإشارة– بشكل غير متوقع– إلى القطب الشمالي كمنطقة محتملة للتعاون الاقتصادي، ما أثار دهشة المراقبين. وبطبيعة الحال، فإن أي احتمال لأي تقدم حقيقي يتجاوز الإيماءات الرمزية، لا يزال– على خلفية الحرب الدائرة في أوكرانيا والخلافات الرئيسة الأخرى– بعيدا إلى حد كبير. ومع ذلك، بالنسبة لكل من موسكو وواشنطن، يبدو الحفاظ على المسار نحو تطبيع العلاقات بين البلدين أمرا بالغ الأهمية، حتى لو كان ذلك يعني اللجوء إلى الأمنيات بدل الواقع.
بيد أن قضية القطب الشمالي لم تظهر من العدم. فقد بدا جليا أن المفاوضين الأميركيين والروس سعوا منذ البداية إلى الفصل بين العلاقات الثنائية عموما والمسار الأوكراني خصوصا. وليس من قبيل المصادفة أن يضم فلاديمير بوتين إلى فريق التفاوض كيريل ديمترييف، الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي، والذي يبدو أن مهمته تنحصر في تقديم شرح حيوي وواضح لفوائد عودة الاستثمار والتعاون الاقتصادي لرجل الأعمال دونالد ترمب.
يبدو اهتمام موسكو بالتعاون المحتمل مع واشنطن في القطب الشمالي منطقيا، نظرا لرغبة ترمب الجامحة في السيطرة على غرينلاند والحد من أنشطة الصين في المنطقة. ولا سيما مع وجود أمثلة إيجابية على التعاون في الماضي، مثل التعاون بين شركة "روسنفت" الروسية وشركتي "إكسون موبيل" و"جنرال إلكتريك" الأميركيتين. وقد أثمر العمل المشترك في عام 2014 عن اكتشاف حقل في بحر كارا باحتياطي 130 مليون طن من النفط و422 مليار متر مكعب من الغاز، إلا أن الشركات الأميركية اضطرت إلى الانسحاب من المشروع بسبب العقوبات.
ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أن الكرملين اختار طرح هذا الموضوع علنا خلال زيارة بوتين إلى مورمانسك، التي تزامنت مع زيارة نائب الرئيس الأميركي، جيه دي فانس، إلى غرينلاند. وخلال مشاركته في منتدى "القطب الشمالي-أرض الحوار" دعا الرئيس الروسي إلى التعاون مع الولايات المتحدة في القطب الشمالي، وبشكل أساسي دعم مطالبات واشنطن بغرينلاند. وأشار في الوقت نفسه إلى أن روسيا ليست معنية بقضية انتماء غرينلاند، لكن موسكو قلقة من أن دول "الناتو" تعتبر القطب الشمالي منطقة صراعات محتملة، وتتدرب على استخدام القوات في ظل هذه الظروف، وقال الرئيس الروسي إن هذا يتم على وجه الخصوص من قبل "مجندي" الحلف من فنلندا والسويد.