بعدما تناولت الحلقة الأولى، المفاوضات السورية -الاميركية في عهد ترمب، تركز الحلقة الثانية على انطلاق الحوار السري في مسقط عاصمة عمان، في عهد بايدن، ومفاجأة الوفد الاميركي بعرض الانسحاب من مواقع شرق الفرات مقابل معلومات عن الصحافي استون تايس:
وفي 2021، تجددت وساطة مدير جهاز الأمن اللبناني عباس إبراهيم بطلب أميركي لمعرفة مصير الصحافي الأميركي أستون تايس. وقال إبراهيم لـ "المجلة": "كان هناك طلب أن يتم تشكيل وفد لزيارة سوريا، إذ كانت السيدة ديبرا تايس، والدة أوستن، تضغط على الإدارة الأميركية لتحريك هذا الملف، وعَقدتْ جلسة مع الرئيس بايدن، وبعد هذه الجلسة وعدها الرئيس وأعطى أمرا أمامها لكل مستشاريه لكي يعملوا بأقصى ما يستطيعون لحل هذا الموضوع". الأمر الذي فاجأ إبراهيم أن "الأسد رفض استقبال الوفد الأميركي".
في 2022 تسارع قطار التطبيع العربي مع دمشق وأعيدت إلى الجامعة العربية وحضر الأسد القمة العربية في جدة منتصف 2023. ويقول مصدر قريب من دمشق، إن إدارة بايدن، كانت تريد "فتح نوع من التواصل مع النظام، فأولا، كانت الولايات المتحدة تدرك أن وجود قواتها العسكرية حول حقول النفط والغاز في منطقة الشمال الشرقي لسوريا أمر لا يمكن استمراره دون أفق مفتوح لإنهاء هذا الوجود، ولكنها ترغب في ضمانات من الطرف السوري بأن انسحاب قواتها من هناك لن يؤدي إلى دخول "الحرس الثوري" وميليشيات "الحشد الشعبي" الموالية لإيران إلى تلك المنطقة. وثانيا، كانت الإدارة الأميركية تتعرض لضغوط كبيرة من أسر المفقودين الأميركيين في سوريا للبحث عنهم، والتحقق من مصيرهم، وربما إطلاق سراحهم في صفقة تبادل ما مع النظام السوري، فهي مقتنعة أنهم في قبضته رغم إنكار النظام الدائم لذلك".
ورغم علم واشنطن بأن النظام لم يقدم معلومات عن مصير تايس، فإن تجارب سابقة كانت قد بينت أن النظام كان ينكر بكل قوة وجود محتجزين أجانب لديه، ثم يعود فيتراجع عن روايته وينخرط في صفقة من صفقات التبادل، فهي لعبة يلعبها النظام أملا في تحقيق القدر الأعظم من المكاسب من صفقة التبادل، ما أبقى على اهتمام أميركا بفتح أقنية حوار مع دمشق ولو في السر، حسب قول مسؤول غربي.
مر وقت قبل أن تقرر إدارة الرئيس بايدن أن تعاود التواصل مع دمشق. في عام 2022 أرسل كارستنس معاونه إلى نيويورك ليقابل السفير بسام صباغ. حاول إقناعه بفائدة التعاون في عدة ملفات، رفع صباغ الأمر إلى دمشق، فجاءه التوجيه بـ"عدم التعاون".
صباغ الذي كان يريد فتح الأقنية "وجد موقف الأسد غريبا وغير مفهوم" لكنه اكتفى بنقل الرسائل. أما وزير الخارجية فيصل مقداد، فكان "يريد استغلال هذه الفرصة لفتح الأقنية مع بلد في حجم وأهمية الولايات المتحدة. ولكن بشار الأسد ارتأى غير ذلك، وتم صرف النظر عن الموضوع"، حسب تقرير كتب عن التفاصيل.
القناة العمانية... وفدا التفاوض
في أواخر عام 2022 اتصل سلطان عمان هيثم بن طارق، بالأسد وتحدث معه مطولا حول رغبة الأميركيين في فتح قناة للحوار، وشرح أهمية "إبقاء باب الحوار مفتوحا حتى بين الدول المتناحرة سياسيا، ورغم أن عقلية بشار الأسد التي كانت تتسم بالعناد الشديد وضيق الأفق لم تكن مرتاحة إلى إجراء أي حوار مع الأميركيين، فقد كان من الصعب على الأسد أن يرفض طلبا لسلطان عمان، فوجد نفسه مضطرا للموافقة".
أبلغ سلطان عمان الطرف الأميركي بموافقة السوريين على اللقاء معهم سرا في مسقط، واتفق الجانبان عبر الوساطة العمانية على أن يحدد كل جانب النقاط التي يرغب في مناقشتها في جدول الأعمال دون أن يحق للطرف الآخر الاعتراض عليها. ولم يبق إلا الاتفاق على أعضاء الوفدين.