الإمارات تتوسط بين الأسد وبايدن... و"لقاء" سوري – أميركي قبل أيام من هروب الأسد (3 من3)https://www.majalla.com/node/325657/%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D9%88%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF-%D9%88%D8%A8%D8%A7%D9%8A%D8%AF%D9%86-%D9%88%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A-%E2%80%93-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A3%D9%8A%D8%A7%D9%85-%D9%85%D9%86-%D9%87%D8%B1%D9%88%D8%A8
بعدما تناولت الحلقتان السابقتان، المفاوضات السورية -الاميركية في عهد ترمب ثم الحوار السري في عمان في عهد بايدن، تتناول الحلقة الثالثة والاخيرة، تعثر المفاوضات ثم دخول الامارات على الخط لتحريكها واتفاق دمشق وواشنطن على لقاء في 2 ديسمبر 2024، أي قبل ايام من هروب الاسد في 8 ديسمبر:
مرت الأسابيع الثلاثة المتفق عليها ولم يلتق الجانبان مرة أخرى وفق ما تم الاتفاق عليه في مسقط.
في الفترة التالية تكرر سقوط قذائف الهاون على القوات الأميركية المتمركزة في شمال شرقي سوريا، أرسل بريت ماكغورك رسالتين إلى مصطفى يحذره فيها من عواقب سقوط تلك القذائف، ويشير إلى أنها لم تؤد إلى أي أضرار مادية ولكنها حطمت الروح الطيبة التي سادت أثناء اجتماع مسقط السابق. لم يتلق مصطفى هذه الرسائل لأن الأسد كان قد أمره بمحو رقم ماكغورك من هاتفه الخلوي. بقيت الرسائل غير مقروءة ودون رد، أثار ذلك سخط الجانب الأميركي.
تكرر السيناريو السابق مرة أخرى. الأسد يرى أن لا فائدة من استئناف الحوار مع الأميركيين. العمانيون يرسلون مبعوثهم الخاص إلى دمشق للتوسط من جديد. الأميركيون يشعرون بأنه لا بد من رفع مستوى الحوار اعتقادا منهم أن الوفد السابق لم يكن يمتلك الصلاحيات الكافية للانخراط في حوار جدي. اقترحوا إرسال جيك سوليفان مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي على أن يرأس الوفد السوري اللواء علي مملوك. وقال مصدر مطلع: "ازداد غضب الأسد: لا علاقة لهم بمن يرأس وفدنا. وبدأت الشكوك تتسرب إلى نفسه من إصرار الأميركيين على اللواء مملوك".
الاجتماع الثاني
ومن جديد، تحدث سطان عمان إلى الأسد الذي وافق مرة ثانية على أن يذهب الوفد نفسه الذي ذهب في المرة الأولى. الأميركيون وافقوا على الاجتماع الثاني.
توجه الوفد السوري مرة ثانية إلى مسقط للاجتماع مع الأميركيين يوم 23 مايو/أيار 2023، أي بالتزامن مع حضور الأسد القمة العربية في جدة لأول مرة منذ 2012. كانوا يدركون أن "رحلتهم لا طائل منها وأن الأسد متعنت بطريقة غير مفهومة، وأن المفاوضات ستكون شكلية وأنها مجرد بادرة لطف إرضاء للعمانيين"، حسب قول أحدهم.
في بداية العام قرر الأسد فجأة عزل مملوك من منصبه رئيسا لمكتب الأمن الوطني وتعيينه مستشارا أمنيا بالقصر. وكان أحد التفسيرات أن السبب هو إصرار الأميركيين على مشاركته (مملوك) في المفاوضات
تأخر انعقاد الاجتماع الثاني في مسقط 10 ساعات عن موعده المحدد أصلا. قضاها الوفد السوري في الفندق ينتظر نقله إلى قاعة الاجتماعات السابقة. في السابعة مساء التقى الجانبان مرة ثانية. كان ماكغورك هذه المرة أقل كياسة وأكثر مجابهة. بدأ حديثه بأن قال لمصطفى: "لا داعي لأن نخوض في أي تفاصيل طالما أنتم غير موافقين على مناقشة مسألة أوستن تايس".
السفير عماد مصطفى
ومرة أخرى تجنب مصطفى الخوض في أي حديث عن تايس. طبعا كانت هناك عشرات من الأسئلة المحيرة التي تدور في ذهن مصطفى، فهو لم يكن قادرا على تلمس حقيقة اختفاء أوستن تايس، الحقيقة القاطعة الوحيدة لديهم كانت أن الأسد يرفض تماما أي حوار حول مصير تايس. وقال أحد المشاركين: "هل يعقل أن تضيع سوريا فرصة استرداد حقلي العمر وكونيكو بسبب هذا الإصرار العنيد على عدم مناقشة موضوع تايس؟ ربما هناك أشياء أخرى مجهولة ، ولكن هذا ما كان عليه واقع الحال".
دام الاجتماع ساعة وعشر دقائق وانتهى بسرعة دون أي نقاش جدي حول أي موضوع ذي شأن.
الإمارات العربية تدخل
انقطعت جميع قنوات الاتصال بين الولايات المتحدة وسوريا بعد فشل الاجتماع الثاني. وظلت سبل التواصل منقطعة حتى يناير/كانون الثاني 2024. في ذلك الشهر أبلغ الأسد المقداد أن الإمارات طلبت توسطا من الأميركيين، وأنها ألحت كثيرا في رفع مستوى الوفد التفاوضي السوري وإرسال اللواء علي مملوك مع السفير مصطفى وغيرهما من الضباط إلى أبوظبي حيث سيأتي جيك ساليفان مع بريت ماكغورك وجوشوا غيلتزر.
أعلم الأسد المقداد أنه قد وافق على عقد اجتماع ثالث من حيث المبدأ، وأنه سيرفع مستوى تمثيل الوفد التفاوضي، ولكن لديه مشكلة واحدة، هي أنه لا يريد إرسال اللواء علي مملوك. لقد بدأ إلحاح الأميركيين في إرسال اللواء مملوك يثير حفيظته، بل وحتى ريبته. أعلم الأسد وزير خارجيته أنه سيرسل وفدا جديدا للتفاوض مع الأميركيين، غير أنه لا داعي لاستعجال الموضوع. ونقل عنه قوله: "المهم أن نبلغ أبوظبي بموافقتنا على الاقتراح، وسنتريث في تحديد الموعد الجديد".
بريت ماكغورك، منسق البيت الأبيض الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتحدث خلال الدورة السابعة عشرة لحوار المنامة في العاصمة البحرينية المنامة، في 21 نوفمبر 2021
في بداية العام قرر الأسد فجأة عزل مملوك من منصبه رئيسا لمكتب الأمن الوطني وتعيينه مستشارا أمنيا بالقصر. وكان أحد التفسيرات أن السبب هو إصرار الأميركيين على مشاركته (مملوك) في المفاوضات.
في سبتمبر/أيلول 2024، تدخلت عمان ثانية لاستئناف الحوار بين واشنطن ودمشق. اللافت، أن الأسد أعفى مملوك من منصبه بشكل مفاجئ وأعطاه أياما لتسليم مكتبه وأرسله إلى منزله. وقال مصدر: "حتى اليوم لا يعرف مملوك سبب التغير المفاجئ من قبل الأسد تجاهه. هل لهذا علاقة بإلحاح الأميركيين على ترؤسه للوفد السوري؟ أم إن هناك أمورا أخرى لا يعرفها إلا الأسد نفسه؟ هل سبب إخراجه جواز سفر فلسطيني لعائلته من الرئيس محمود عباس علاقة بذلك؟".
وتزامن هذا مع انطلاق عملية إسرائيل ضد "حزب الله" التي أسفرت عن اغتيال قادته بمن فيهم زعيم "الحزب" حسن نصرالله.
طلب الأسد من المقداد أن يرفع إليه اقتراحا بتشكيل وفد على مستوى أعلى. تشاور المقداد مع معاونيه ووجدوا أن الاقتراح الأنسب هو أن يتشكل الوفد من نائبه الجديد بسام صباغ وعضوية مصطفى، وأن يتم إبلاغ الجانب الأميركي بذلك.
قوات أميركية تسير دوريات في حقول نفط قرب الحدود الشمالية الشرقية لسوريا مع تركيا في ريف القحطانية، شمال شرق محافظة الحسكة، في 3 سبتمبر 2024
كان دور صباغ صاعدا في الخارجية وكانت هناك توقعات بأنه سيتبوأ قريبا منصب وزير الخارجية وهذا ما حصل بالفعل. وكانت لديه علاقة مع المقداد على عكس علاقات سلفه الجعفري، فيما كانت تربطه صلة قوية بمصطفى. رفع المقداد الاقتراح إلى الأسد فوافق عليه. ووجه وزارة الخارجية بأن تتواصل مع الأميركيين عبر الوسطاء طبعا لتحديد مكان وزمان الاجتماع القادم.
في 23 سبتمبر شكل الأسد وزارة جديدة عين فيها صباغ وزيرا للخارجية. وفي 26 نوفمبر/تشرين الثاني وجه صباغ، وزير الخارجية الجديد، تعليماته إلى مندوب سوريا في الأمم المتحدة السفير قصي الضحاك ليلتقي مع ستيفن غيلين فيتفق معه على مكان وتاريخ الاجتماع المقبل.
اتفق غيلين مع السفير الضحاك على اللقاء في مقر البعثة السورية في نيويورك في 2 ديسمبر. وفي 27 نوفمبر أطلقت "إدارة العمليات العسكرية" بقيادة "هيئة تحرير الشام" برئاسة أحمد الشرع عملية "ردع العدوان" ودخلت بعد يومين حلب، بالتزامن مع زيارة سرية كان يقوم بها الأسد إلى موسكو لحضور حفل تخرج ابنه حافظ في جامعة روسية.
في 2 ديسمبر، لم يأت ستيفن غيلين للاجتماع مع السفير الضحاك، ولم يتصل به لتأجيل الموعد أو إلغائه. وبذلك انتهى الفصل الأخير من قصة الحوار الأميركي مع نظام الأسد.
وفي 8 ديسمبر دخلت "إدارة العمليات" بقيادة "هيئة تحرير الشام" دمشق العاصمة، وفي 14 مايو/أيار التقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في الرياض، برعاية ووساطة سعودية، معلنا رفع العقوبات عن سوريا واستعادة العلاقات الثنائية.