تشهد أوروبا أكبر صراع منذ الحرب العالمية الثانية في أوكرانيا، ولذلك فمن غير المفاجئ أن تقدِم الحكومات الأوروبية على زيادة إنفاقها الدفاعي بشكل كبير.
ولعقود خلت بعد نهاية الحرب الباردة، استفادت الحكومات الأوروبية إلى أقصى حد مما يسمى "ثمار السلام"، فخفضت إنفاقها العسكري على نحو كبير ووجهت الأموال المتاحة إلى مجالات أخرى، مثل التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.
وشهد الإنفاق العسكري انخفاضا كبيرا لدرجة أن الكثير من الدول الأوروبية فشلت في تلبية الحد الأدنى المطلوب من الإنفاق اللازم لعضوية حلف "الناتو"، والذي يتطلب من الدول الأعضاء إنفاق ما لا يقل عن 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع. الأمر الذي أدى إلى أنه بحلول عام 2014، لم تتمكن سوى ثلاث دول أعضاء في التحالف الذي يضم 28 دولة من الوفاء بهذا الالتزام الأساسي بالإنفاق، وهذا الفشل كان سببا في زيادة الاحتكاك بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، علما أن متوسط الإنفاق الدفاعي الأميركي بلغ حوالي 3.5 في المئة.
وقد استمر عزوف الكثير من القادة الأوروبيين عن دفع حصتهم العادلة لحلف "الناتو"، على الرغم من تعهد الدول الأعضاء بتلبية هذا الشرط في قمة "الناتو" عام 2014 في ويلز، التي استضافها رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ديفيد كاميرون. وجاء هذا الالتزام ردا على غزو روسيا لشبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا في ذلك العام.
بيد أن الخلاف بين واشنطن والاتحاد الأوروبي اشتد بعد تولي دونالد ترمب منصبه في ولايته الأولى كرئيس للولايات المتحدة، حيث دأب البيت الأبيض على توبيخ حلفائه الأوروبيين لفشلهم في الوفاء بالتزاماتهم المتعلقة بالإنفاق الدفاعي.
ولم يخفِ ترمب إحباطه من امتناع بعض الدول الأوروبية عن دفع حصتها العادلة للدفاع عن أوروبا منذ دخوله البيت الأبيض في ولايته الثانية، وقد استمرت الانتقادات الموجهة إلى الزعماء الأوروبيين، علما بأن 22 دولة على الأقل من أعضاء التحالف تحقق الآن الحد الأدنى المنشود البالغ 2 في المئة.
إن فشل أوروبا في الالتزام بدفع حصتها العادلة من الإنفاق الدفاعي أثار حفيظة أعضاء بارزين في إدارة ترمب مثل نائب الرئيس جيه دي فانس الذي حذَّر في فبراير/شباط من أن أوروبا يجب أن تدفع مقابل الدفاع عن نفسها. غير أن تضافر عوامل أخرى، مثل استمرار الصراع في أوكرانيا، دفع عدة دول أوروبية إلى إعادة النظر جذريا في إنفاقها الدفاعي.