باكستان أمام اختبار التوازن بعد الهجوم على إيران

أ.ف.ب
أ.ف.ب
نشطاء من منظمة شبابية محلية يلوحون بالأعلام الإيرانية ويرددون شعارات مناهضة لإسرائيل خلال احتجاج في كراتشي، باكستان في 15 يونيو

باكستان أمام اختبار التوازن بعد الهجوم على إيران

في منطقة تقف على شفا الجنون، حيث كل هجوم بطائرة مسيّرة هو همسة تنبئ بنهاية للعالم، وتحمل كل جنازة تُبث على الشاشات رسائل سياسية مشفّرة، اتخذت باكستان موقفها.

صرّح رئيس الوزراء شهباز شريف: "لإيران الحق في الدفاع عن النفس". وفي وقت لاحق من تلك الليلة، وخلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، قدّم رئيس الوزراء شريف تعازيه في الأرواح التي أُزهقت جرّاء الغارة الجوية المفاجئة التي شنّتها إسرائيل. وجدّد تأكيده على أن باكستان تقف بثبات إلى جانب حكومة وشعب إيران في مواجهة ما وصفه بـ"العدوان غير المبرر وغير المشروع".

وذكّر رئيس الوزراء الباكستاني بأن باكستان أعلنت دعمها لإيران خلال جلسة مجلس الأمن الطارئة، وندّد بحملة "الإبادة الجماعية المستمرة التي تشنّها إسرائيل ضد الفلسطينيين الشجعان"، واصفا إياها بأنها تهديد للسلم الإقليمي والدولي. وحثّ المجتمع الدولي على عدم التزام الصمت.

وجاء تصريح رئيس الوزراء الباكستاني، بعد ساعات فقط من إشعال الطائرات الحربية الإسرائيلية لسماء إيران، مستهدفة ما زُعم أنها منشآت نووية قرب نطنز وأصفهان.

وخلال ساعات فقط بعد الضربة الإسرائيلية، اندلعت الاحتجاجات في كراتشي ولاهور وبيشاور وإسلام آباد. خرجت حشود غاضبة إلى الشوارع، تلوّح بأعلام إيران وفلسطين، وتحرق رموزا إسرائيلية. فيما وجدت الأحزاب السياسية، المعتادة على التناحر، وحدة مؤقتة.

بالنسبة لكثيرين في باكستان، لم تكن هذه مجرد حرب أجنبية. بل كانت مواجهة روحية وتاريخية وأيديولوجية، امتدادا لصراع بدأ عام 1947، حين وُلدت باكستان من رحم الهوية الإسلامية ورفضت الاعتراف بدولة إسرائيل.

ومع ذلك، خلف الأبواب المغلقة، كان المسؤولون في إسلام آباد يرزحون تحت وطأة التوتر. تشترك باكستان مع إيران في حدود تمتد على 900 كيلومتر، معظمها تضاريس جبلية وعرة ومناطق خارجة عن السيطرة. وإيران ليست مجرد جار، بل شريك في رقصة معقّدة، غالبا متوترة، لكنها ضرورية من أجل البقاء المشترك.

في وقت سابق من هذا العام، أطلقت القوات الباكستانية صواريخ على مواقع إرهابية داخل الأراضي الإيرانية، ردا على سلسلة هجمات عابرة للحدود نفذتها جماعات مسلحة انطلقت من إقليم سيستان-بلوشستان الإيراني. ورد الطرفان بضربات عبر الحدود. لكن القصة الحقيقية كانت فيما حدث بعد ذلك: صمت، تلاه حوار دبلوماسي، ثم خطوات لخفض التصعيد. بعدها، عقد الجانبان محادثات لتسيير دوريات حدودية مشتركة، وتبادلا معلومات استخباراتية، واتفقا على تحجيم نشاط الجهات الفاعلة غير الحكومية.

بصفتها الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك سلاحا نوويا، تتمتع باكستان بثقل خاص في العالم الإسلامي. كلماتها تتردد أصداؤها في الرياض وأنقرة وكوالالمبور والقاهرة

وكان ذلك، من نواحٍ كثيرة، معجزة صغيرة، وأمرًا يحرص القادة العسكريون في باكستان على عدم تقويضه. وقال ضابط عسكري رفيع المستوى، فضّل عدم الكشف عن اسمه: "الاستقرار في إيران مرتبط مباشرة بالاستقرار في بلوشستان. لكننا لسنا سذّجا. نحن نعلم أن المنطقة محفوفة بالمخاطر، ولا نريد أن نُجر إلى حرب لا تخصنا".

ورغم هذا الحذر، ثمة قناعة تتشكل. فقد عقدت لجنة الأمن القومي الباكستانية، وهي منتدى نافذ يجمع بين القادة المدنيين والعسكريين، اجتماعا بعد الهجوم الإسرائيلي. وشهدت الحدود الباكستانية-الإيرانية تعزيزا للمراقبة، وتكثيفا لنشاط وحدات مكافحة الإرهاب. وتحلق الطائرات المسيّرة لمسافات أبعد وارتفاعات أعلى، في حين وُضعت وحدات الدفاع الإلكتروني في حالة تأهب قصوى. كما بات التنسيق الاستخباراتي مع طهران أكثر وضوحا.

وقال مصدر من مكتب رئيس الوزراء الباكستاني: "نحن نحاول تجنّب التصعيد". وأضاف: "لكن إذا استمر الهجوم على إيران، وواصل عدد القتلى المدنيين الارتفاع، فسيكون هناك ضغط على باكستان لاتخاذ خطوات إضافية، دبلوماسية وخطابية".

وليس هذا تهديدا فارغا. فبصفتها الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك سلاحا نوويا، تتمتع باكستان بثقل خاص في العالم الإسلامي. كلماتها تتردد أصداؤها في الرياض وأنقرة وكوالالمبور والقاهرة، أما أفعالها، والتي غالبا ما تتسم بالحذر والغموض، فلها القدرة على تغيير مسار التيارات الدبلوماسية.

لكن هذه الحرب تهدد أيضا مصالح باكستان الاقتصادية.

خط أنابيب الغاز الإيراني-الباكستاني، وهو مشروع استراتيجي بقيمة 7.5 مليار دولار ظل معلقا لفترة طويلة، بات اليوم في مرمى النزاع. وقد صُمم لنقل الغاز الطبيعي الإيراني إلى المدن الباكستانية التي تعاني من نقص حاد في الطاقة، وبقي حلما مؤجلا لأكثر من عقد، نتيجة العقوبات الأميركية. لكن، ومع بدء مناقشات خجولة بين البلدين لإحياء المشروع، جاءت الضربات الإسرائيلية لتلحق أضرارا بالبنى التحتية النفطية والغازية الحيوية في إيران، ما ألقى بظلال جديدة من الشك على مستقبل هذا المشروع.

ومع ذلك، لا تبدو إسلام آباد مستعدة للتراجع.

تعلم الحكومة الباكستانية أنها لا تستطيع تحمّل تبعات الانخراط في حرب لا تخصّها. وتدرك أيضًا أنها لا تستطيع التزام الصمت

وقال مسؤول رفيع في وزارة الطاقة الباكستانية: "نحن نستخدم جميع القنوات الدبلوماسية، بما في ذلك طلب إعفاء من العقوبات". وأضاف: "نحن ندرس أيضا نماذج تجارية مبتكرة، مثل المقايضة أو الوساطة من طرف ثالث. لكن ما هو واضح تماما أننا بحاجة إلى الطاقة، وإيران هي المورد المنطقي والأقرب".

ويمتد هذا النهج البرغماتي إلى التجارة. ففي النصف الأول من عام 2025، شهدت باكستان وإيران زيادة متواضعة في التبادل التجاري الثنائي. تدفقت المنتجات الباكستانية، من الأرز والمنسوجات إلى الأدوات الجراحية، غربا، بينما صدّرت إيران غاز النفط المسال ومواد البناء والكيماويات. وتمّ الجزء الأكبر من هذا التبادل خارج الأطر المصرفية الرسمية، معتمدا على آليات المقايضة الحدودية عند معبر ميرجاوة–تفتان. لكن حتى هذه القنوات باتت هشّة.

وقال دبلوماسي إيراني، فضّل عدم الكشف عن هويته، من بعثة بلاده في إسلام آباد، بكل وضوح: "نحن نثق بأن باكستان تقول الحقيقة. لكن في نهاية المطاف، نحتاج إلى ما هو أكثر من الكلمات. نحتاج إلى شجاعة، حتى لو كانت صامتة".

وقد تكون الشجاعة الصامتة هي الخيار الوحيد المتاح لباكستان. فالدولة لا تزال تعاني من صدمات اقتصادية متراكمة، وضغوط تقشف فرضها صندوق النقد الدولي، ومشهد سياسي متقلّب. جيشها قوي، لكنه مثقل بالمهام، من العمليات ضد الإرهاب في خيبر بختونخوا، إلى مراقبة الحدود في غلغت-بلتستان. والطريقة التي خاضت بها القوات الباكستانية المواجهة الأخيرة مع الهند، رفعت بالفعل من معنويات الأمة الباكستانية.

 رويترز
أنصار حزب وحدة المسلمين من الشيعة الباكستانيين أثناء مشاركتهم في احتجاج مناهض لإسرائيل في أعقاب الضربات الإسرائيلية في إيران، في كراتشي، باكستان، 13 يونيو

أما القيادة المدنية، فهي تحاول الحفاظ على توازن دقيق وسط عالم من التناقضات الاستراتيجية حيث يطالب الراعي العالمي في واشنطن باكستان بالبقاء على الحياد، والصين الصاعدة تتطلب بَصمتها الاقتصادية هدوءا إقليميا.

من جهة ثانية، عندما ردّت إيران بإطلاق صواريخ على إسرائيل عقب الهجوم، دعت إسلام آباد إلى خفض التصعيد من دون أن تدين الضربة المضادة. وعندما أصدرت عواصم غربية بيانات تلقي باللوم على إيران لتأجيج الوضع الإقليمي، رفضت إسلام آباد التوقيع عليها. هذه هي معادلة التوازن الباكستاني الدقيقة، لا انحياز كاملا لأي محور، بل ثبات دائم ضد الهجوم الإسرائيلي.

وتعلم الحكومة الباكستانية أنها لا تستطيع تحمّل تبعات الانخراط في حرب لا تخصّها. وتدرك أيضًا أنها لا تستطيع التزام الصمت. وفي مكان ما بين الدبلوماسية والعناد، بين التاريخ والأمل، تصوغ إسلام آباد موقفًا ظلّت متمسكة به لعقود، لكنها نادرًا ما اضطرت إلى تأكيده بهذه العلنية، وهو أن إسرائيل معتدية، وأن إيران شقيقة، وأن العدالة، إن بقي لها معنى، يجب أن لا تكون منحازة.

font change

مقالات ذات صلة