بين إيران 2025 ومصر 1967

لا يشي الوضع في إيران اليوم بمسار إصلاحي

باربرا جيبسون
باربرا جيبسون

بين إيران 2025 ومصر 1967

"إنني على استعداد لتحمل المسؤولية كاملة. وقد اتخذت قرارًا أرجوكم أن تساعدوني عليه. قررت أن أتنحى تمامًا ونهائيًا عن أي منصب رسمي وأي دور سياسي". هذا ما قاله الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر فيما سُمي خطاب التنحي عقب انتهاء الحرب التي شنتها إسرائيل على مصر وسوريا والأردن في يونيو/حزيران 1967.

لم يحدث، ولا يُتوقع أن يحدث، مثل ذلك في إيران بعد أن أُوقفت الحرب التي شنتها إسرائيل عليها. اعترف عبد الناصر وأركان نظامه بالهزيمة، وإن سموها نكسة. ولكن علي خامنئي وأركان نظامه لم ولن يعترفوا بهزيمة أو بمسؤولية عن جر إيران إلى حرب كان ممكنًا تجنبها، بل على العكس أعلنوا النصر واحتفلوا به.

نهايتان متباينتان لحربين وقعت كلتاهما في يونيو/حزيران، وبدأ كل منهما بهجوم إسرائيلي مباغت أحدث خسائر كبيرة. في 1967 دُمَر معظم الطائرات العسكرية المصرية وهي رابضة في حظائرها. وفي 2025 أُغتيل معظم القادة العسكريين الإيرانيين وهم نائمون في مضاجعهم. ولكن الطريقة التي تصرف بها كل من النظامين في نهاية الحرب ترتبط بالاختلاف في طبيعة كل منهما.

كان في مصر نظام رئاسي تمحور حول الرئيس الذي تمكَّن من تحقيق شعبية واسعة عبر سياسات اجتماعية خلقت طبقة وسطى مؤيدة له، مما أدى إلى ضمور المعارضة التي واجهت نظام حكمه في بدايته عقب ثورة 1952. فقد حُلت الأحزاب القديمة الليبرالية واليسارية وانفض الناس عنها تدريجيًا، وحوصرت جماعة "الإخوان" بعد أن اصطدمت بنظام الحكم، وضُبط آخر تنظيم سعى إلى إحيائها "تنظيم سيد قطب" واعتُقل مؤسسوه ومعظم أعضائه عام 1965. ولم يعد ثمة وسيط سياسي أو اجتماعي بين الرئيس والشعب. وألهبت خطب عبد الناصر الحماسية حماس قطاع واسع من الشعب. ولذا لم يكن للخلاف الذي ازداد منذ مطلع عقد الستينات، بين عبد الناصر وقائد الجيش عبد الحكيم عامر أثر ملموس في نظام الحكم الذي ظل قويًا ومسيطرًا حتى فوجئ بالضربة الإسرائيلية التي لم يُحسب حسابها يوم 5 يونيو 1967. ولذا كان في إمكان عبد الناصر– في خطاب التنحي- تحديد من يخلفه إذ كلف زكريا محيي الدين المؤيد للتقارب مع الغرب بتولي الرئاسة. وظهرت قوة شعبية عبد الناصر فور إلقائه خطاب التنحي. فقد خرجت مظاهرات واسعة ترفض تنحيه وتطالبه بالاستمرار وإزالة آثار العدوان الإسرائيلي. وليس معروفًا حتى الآن، وقد لا يُعرف أبدًا، هل كان لأجهزة النظام دور في توسيع تلك المظاهرات. ولكن القدر المتيقن أن الجماهير الغفيرة التي ملأت شوارع القاهرة أعطت نظام عبد الناصر نفسًا جديدًا قوَّى عزيمته ومكَّنه من التراجع عن التنحي في خطاب وجهَّه إلى مجلس الأمة (البرلمان). لم يكن ذلك الخطاب أقل عاطفية من خطاب التنحي، إذ قال عبد الناصر فيه: "إن الكلمات تضيع وسط زحام من المشاعر... لكن صوت جماهير شعبنا بالنسبة لي أمر لا يُرد. ولذا فقد استقر رأيي على أن أبقى في مكاني وفي الموضع الذي يريد الشعب مني أن أبقى فيه". واستخدم في ذلك الخطاب للمرة الأولى تعبير النكسة بدل الهزيمة، وصار شائعًا بعد ذلك.

لا يشي الوضع في إيران اليوم بمسار إصلاحي مماثل أو قريب مما حدث في مصر 1967

ولكن المهم أن الاعتراف بالنكسة أو الهزيمة فرض الشروع في إصلاح جزئي محدود بدأ بإجراءات لتصفية من أُطلق عليهم مراكز قوى قُصد بها بعض أجهزة الأمن التي كانت قد تغولت، وإحالة من اتُهموا بأنهم تسببوا في النكسة على القضاء لمحاكمتهم. كما سهَّل انتحار عبد الحكيم عامر، أو قتله حسب روايات شائعة، القضاء على مجموعته التي كانت مصدر قلق لعبد الناصر ونظامه في تلك اللحظة الفاصلة.

وفي ذلك السياق وجَّه عبد الناصر بيانًا إلى الأمة في 30 مارس/آذار 1968 التزم فيه بإحداث تغيير يضمن مشاركة شعبية أوسع والإعداد لدستور جديد تأخر إصداره حتى سبتمبر/أيلول 1971 بعد رحيل عبد الناصر وتولي أنور السادات الرئاسة. واقترن إصداره بخطوات أخرى نحو إصلاح نظام الحكم، وخاصةً على صعيد الإفراج عن معتقلين سياسيين والحد من القيود على الحريات العامة والممارسة السياسية.

أ.ف.ب
الملك حسين ملك الأردن والرئيس المصري جمال عبد الناصر، وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات خلال اجتماع قادة الدول العربية في القاهرة، في 27 سبتمبر 1970

لا يشي الوضع في إيران اليوم بمسار إصلاحي مماثل أو قريب مما حدث في مصر لسببين. الأول لأن نظام الحكم فيها عقائدي مغلق. والنظم العقائدية بطابعها عصية على الإصلاح لأن قادتها وأركانها يعتقدون في أن الحق معهم دائمًا، وأنهم مصيبون طول الوقت. هذا هو حال النظم العقائدية على وجه العموم وأيًا ما كانت عقيدتها. ويزداد انغلاق النظام العقائدي على نفسه واستعصاء الإصلاح فيه حين تكون عقيدته دينية. وهذا يفسر ما ورد في أول خطاب ألقاه المرشد الأعلى علي خامنئي بعد الحرب، وأكد فيه أن إيران انتصرت، وأن الولايات المتحدة تدخلت لإنقاذ إسرائيل التي كادت أن تُسحق كما قال. ونظام "منتصر" على هذا النحو لا يجد سببًا يدفعه إلى الشروع في إصلاحات.

من طبائع نظم الحكم بوجه عام أن النظام الذي يضعف أو يُضعف يكون أشد قلقًا من أي إصلاح في داخله رغم حاجته إلى هذا الإصلاح

أما السبب الثاني فهو أن نظام الحكم الضعيف يخشى أن يؤدي أي إصلاح فيه مهما يكن محدودًا إلى سقوطه. وهذه نقطة اختلاف جوهرية بين إيران 2025 ومصر 1967. لم يكن سقوط النظام مطروحًا بأي حال في مصر 1967، بخلاف إيران 2025. إذ يُثار سؤال كبير عما يمكن أن يترتب على الخسائر الضخمة التي ترتبت على الضربات الإسرائيلية والضربة الأميركية. فقد أظهرت الحرب، ضمن ما أوضحته، أن هذا النظام ليس مسيطرًا تمامًا على البلاد، وأنه مخترق بشدة، وأن أجهزته الأمنية لم تستطع رصد خلايا مسلحة شاركت في الحرب من الداخل باستخدام طائرات مسيرة صغيرة.

كما أن المجتمع الإيراني منقسم بشأن الموقف تجاه نظام الحكم، بخلاف الحال في مصر 1967. وتوجد معارضة إيرانية في الخارج يمكن نظريًا أن يبزغ منها بديل إذا حدثت احتجاجات مجتمعية أقوى مما حصل في السنوات الماضية.

رويترز
المرشد الإيراني علي خامنئي يلقي كلمة خلال إحياء الذكرى 36 لوفاة مرشد الثورة السابق روح الله الخميني، جنوب طهران، إيران في 4 يونيو

ومن طبائع نظم الحكم بوجه عام أن النظام الذي يضعف أو يُضعف يكون أشد قلقًا من أي إصلاح في داخله رغم حاجته إلى هذا الإصلاح، وأكثر ميلاً إلى التصلب والسعي لإعطاء انطباع بأنه قوي شديد البأس.

ولذا لا يُتوقع أن يقدم نظام الحكم في إيران على خطوات إصلاحية بخلاف ما فعله النظام المصري عقب حرب 1967.

font change

مقالات ذات صلة