هل تنجح الدبلوماسية الأميركية في إنهاء الحرب في السودان؟

فرصة تاريخية بشروط عدة

أ ب
أ ب
سودانيون في الطريق إلى مخيم تين العابر في مقاطعة وادي فارا في تشاد يوم السبت 3 مايو

هل تنجح الدبلوماسية الأميركية في إنهاء الحرب في السودان؟

شهد النزاع السوداني تحولات متسارعة في الأيام الماضية، بعد تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، خلال احتفال توقيع اتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية، ورواندا في 27 يونيو/حزيران 2025 في واشنطن، برعاية أميركية وقطرية. وأشار روبيو أن الولايات المتحدة ستتوجه للتعامل مع الحرب في السودان التي اندلعت في 15 أبريل/نيسان2023 .

هذه التصريحات بثت أملاً جديدًا في إمكانية إنهاء الصراع المدمر، لكنها تتطلب تعاملا جادا مع التحديات التي واجهت جهود الوساطة السابقة، لضمان نجاحها هذه المرة.

تلت تصريحات روبيو، إعلان مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب للشؤون الإفريقية، في الثاني من يوليو/تموز2025، عن التخطيط لعقد اجتماع وزاري في واشنطن، يضم وزراء خارجية اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، مصر، والإمارات) بعد استبعاد المملكة المتحدة من المجموعة الرباعية. سبق هذا الإعلان اجتماع تمهيدي عقده نائب وزير الخارجية الأميركي كريستوفر لاندو وبولس مع سفراء هذه الدول في الثالث من يونيو 2025، ثم جاءت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب نفسه يوم الأربعاء 9 يوليو عن عزم إدارته العمل على إحلال السلام في السودان وليبيا، لتزيد من جدية هذه الإشارات.

وبينما قد يُنظر إلى هذه الخطوات، على أنها محاولة لإظهار التزام الإدارة الأميركية أمام الكونغرس، ببذل جهد أكبر في الملف السوداني، استجابة لضغط الكونغرس المستمر، لإيلاء القضية السودانية اهتمامًا أكبر، ولكنها قد تمثل أيضًا فرصة حقيقية لمعالجة الأزمة، شريطة تجاوز العقبات، التي أعاقت المحاولات السابقة، وإشراك الأطراف الإقليمية المؤثرة القادرة على التأثير على أطراف النزاع.

المملكة العربية السعودية هي لاعب محوري في إنهاء الحرب، نسبة لنفوذها الإقليمي، وجوارها المباشر مع السودان الذي يشاركها أطول حدود بحرية عبر ساحل البحر الأحمر

الطريق إلى إيقاف الحرب

بالنظر إلى التعقيدات الكثيرة التي تحيط بالملف السوداني، فإن انخراط الولايات المتحدة بتأثيرها الدولي، كوسيط جاد في معالجة الأزمة السودانية، سيكون خطوة كبيرة في اتجاه الحل، وضمان جدية المفاوضات بين الأطراف المتنازعة. ولكن نجاح ذلك مشروط بعدة عوامل منها، الحاجة إلى إشراك السعودية وقطر، بشكل فاعل في التخطيط للعملية التفاوضية وتنفيذها.

المملكة العربية السعودية هي لاعب محوري في إنهاء الحرب، نسبة لنفوذها الإقليمي، وجوارها المباشر مع السودان الذي يشاركها أطول حدود بحرية عبر ساحل البحر الأحمر. بالإضافة إلى ذلك، فقد ظهر نفوذها على الأطراف بشكل مباشر، عبر رعايتها السابقة لمنبر جدة. ولكن وفقا لتقرير "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" (CSIS) في سبتمبر 2023، فإن منبر جدة يحتاج للتطوير في عدة اتجاهات، لتفادي أية إخفاقات حاقت بجولاته السابقة، وأهمها معالجة ضعف التنسيق بين الوسطاء، والتحركات المنفردة للولايات المتحدة، والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة. كما يحتاج إلى استخدام نفوذ السعودية، عبر مجلس التعاون الخليجي، والجامعة العربية وعلاقاتها الثنائية لمعالجة قضية التدخلات الخارجية، وتوحيد الإرادة الدولية والإقليمية والعربية، باتجاه تحقيق السلام في السودان.

الرئيس دونالد ترمب (على اليمين) يضع يده على كتف وزير الخارجية ماركو روبيو (في الوسط)، بينما تنظر إليه المدعية العامة بام بوندي (على اليسار) خلال اجتماع وزاري في البيت الأبيض، الثلاثاء 8 يوليو 2025، في واشنطن

وكما يُعد إشراك قطر والتي نجحت في خلق شراكة دبلوماسية فعالة مع الولايات المتحدة في ملف الكونغو، خطوة استراتيجية وحيوية. كما أن علاقات قطر القوية مع بورتسودان، مقر الحكومة السودانية المؤقت، ستعزز من دورها كوسيط فعال، يمكنه التأثير على جميع الأطراف لتغيير نهجها بشكل إيجابي.

ولعل أحد أبرز العوائق التي اعترضت جهود تحقيق السلام في السودان، هو الدعم السياسي الذي حظيت به "قوات الدعم السريع" من بعض الأطراف المدنية، وفي مقدمتها تحالف "تقدم"، والذي تحول ليعرف الآن باسم "صمود" بقيادة رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك. لعب هذا التحالف دورا جوهريا في تعزيز طموحات "قوات الدعم السريع" لاستعادة الشراكة في السلطة والسيطرة على مسار البلاد.

بعد استقالته في يناير 2022 انتقل حمدوك للإقامة في الإمارات العربية المتحدة. ثم قدم تحالفه غطاء مدنيا لدعم طموحات "قوات الدعم السريع" بترديد وترويج سردياتها السياسية، ثم ظهر ذلك بوضوح في توقيعه لاتفاق مع قائد الميليشيا حميدتي في أديس أبابا مطلع يناير 2024. هذا الاتفاق عرقل جهود هيئة "إيقاد" لتنظيم لقاء مباشر بين قائدي الطرفين المتحاربين في جيبوتي، حيث اعتذر حميدتي عن الحضور لأسباب تقنية على حد قوله، مفضلا التوجه إلى أديس بابا، لتوقيع اتفاق الشراكة مع حمدوك، وهي خطوة كشفت عن تحالف ظل مستترا لأشهر. لاحقا، تجسد هذا التحالف في دعم إعلامي وسياسي مستمر لـ "قوات الدعم السريع"، بلغ ذروته في تشكيل إدارة مدنية موازية في ولاية الجزيرة، عقب سيطرة القوات عليها في ديسمبر 2023، مع ترشيح شخصيات منتمية لتحالف "تقدم"، في دلالة واضحة على عمق هذا التواطؤ السياسي.

إلى جانب ذلك، ساهمت حملة منظمة لتشويه الحقائق، حول الصراع السوداني في خلق (متاهة معرفية) أعاقت التحليل السليم للأزمة السودانية. هذه الحملة، التي شارك فيها سياسيون مثل حمدوك،  سعت إلى تصوير الجيش السوداني كمتحالف مع جماعات إسلامية متطرفة مثل "حماس"، إيران، "القاعدة"، و"داعش"، بهدف حشد الدعم الغربي، خاصة من الولايات المتحدة، عبر استحضار مخاوف "الإسلام السياسي".

هذه الروايات تتجاهل تماما تعريف الإرهاب الذي ينطبق على الانتهاكات الجسيمة، التي ترتكبها "قوات الدعم السريع"، والتي صنفتها الولايات المتحدة، بشكل رسمي على أنها تمثل جريمة "الإبادة الجماعية" في 7 يناير 2025.

غياب تشخيص دقيق للصراع، يجعل أية حلول مقترحة مشوبة بالخلل، ويتطلب تفكيك هذه المتاهة النظر إلى الوقائع كما هي، بدلا من الترويج لسرديات تخدم مصالح سياسية داخلية أو خارجية

بدا واضحا استغلال تحالف "تقدم" السخط الشعبي ضد النظام الإسلامي، الذي أطيح به في ثورة 2019 لتبرير تماهيه مع خطاب "قوات الدعم السريع". هذه "المتاهة المعرفية" عمقت تعقيد الأزمة، إذ جعلت من الصعب التوصل إلى توافق حول طبيعة الصراع، الذي بدأ كمحاولة انقلابية من "قوات الدعم السريع" بحصار قاعدة مروي الجوية في13 أبريل 2023، وتصاعد في 15 أبريل. تصوير هذا الصراع، على أنه نضال ضد الإسلاميين أو امتداد لمطالب الهامش السوداني، بإصلاح اللامساواة الهيكلية، أدى إلى إطالة أمد الحرب، وتفاقم الأزمة الإنسانية. فغياب تشخيص دقيق للصراع، يجعل أية حلول مقترحة مشوبة بالخلل، ويتطلب تفكيك هذه المتاهة النظر إلى الوقائع كما هي، بدلا من الترويج لسرديات، تخدم مصالح سياسية داخلية أو خارجية، والتزامًا بالحقائق لفهم الصراع ومعالجته بفعالية.

أ ب
يتحدث الرئيس دونالد ترمب مع قادة أفارقة، خلال غداء في قاعة الطعام الرسمية بالبيت الأبيض، الأربعاء 9 يوليو 2025، في واشنطن

ولتحقيق تقدم ملموس في جهود السلام بالسودان، يتعين على المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة واللجنة الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، مصر، والإمارات) بالإضافة إلى قطر، معالجة أوجه القصور في المحاولات السابقة. ويتطلب ذلك أيضا مكافحة التشويه الإعلامي، عبر توثيق الحقائق حول جذور الصراع.

المؤتمر الرباعي المقرر في واشنطن، بضغوط الكونغرس الأميركي، يمكن أن يوفر فرصة تاريخية، لإنهاء حرب أودت بحياة الآلاف وشردت الملايين، شريطة التركيز على جذور الصراع،  وتصحيح الروايات المغلوطة، لضمان سلام مستدام يعيد الاستقرار للسودان، ويحفظ كرامة شعبه.

font change