ترتسم معالم مشهد إقليمي جديد منبثق من المتغيرات المتسارعة والصراعات منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتأكد تبلور معادلة قوة جديدة في الشرق الأوسط لم تعد محصورة بثلاث قوى إقليمية رئيسة: إسرائيل وتركيا وإيران (الصاعدة على حساب النظام الإقليمي العربي بعد حرب العراق في 2003)، بل أخذت تشمل قطبا عربيا ممثلا بالمملكة العربية السعودية التي أصبحت القوة الجديدة على رقعة الشطرنج الإقليمية والعالمية.
في موازاة المشاريع الأخرى لإعادة تركيب الإقليم وفق مصالح أطراف ونزعات هيمنتها، تبرز المملكة العربية السعودية بمثابة قوة توازن إقليمية وقوة ضامنة لإعادة ترتيب البيت العربي انطلاقا من بلاد الشام. بالإضافة إلى الدور التاريخي المستمر في دعم القضية الفلسطينية.
تواكب الدبلوماسية السعودية التطورات والتغيرات في سوريا ولبنان، وتقوم باحتضان الوضعين الجديدين وحمايتهما من الأخطار المحدقة وفق رؤية 2030 التي لا تقتصر على البعد التنموي الداخلي، بل ترتكز على إقليم مستقر ومزدهر بعيدا عن الصراعات الدائمة وعن "الأيديولوجيات".
حيثيات الصعود السعودي
منذ حوالي عقد من الزمن، اعتمدت المملكة العربية السعودية استراتيجية محورها "رؤية 2020-2030" والخروج من المحاور الإقليمية والمصالحة مع تركيا والتطبيع مع إيران برعاية صينية. أتاح ذلك تعزيز الدور القيادي السعودي الذي يجمع بين قوة الموقع والموارد والتاريخ، استنادا إلى مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وامتدادا للعلاقة الاستراتيجية التاريخية مع الولايات المتحدة، والشراكات مع القوى الأوروبية والآسيوية، والتعاون حول الطاقة مع روسيا وتطوير الصلات مع الصين، والهند وكوريا الجنوبية وباكستان. هكذا أتاح الدور المتوازن والجامع إقليميا والتنوع في العلاقات الدولية هامش مناورة واسعا للرياض.
في مواجهة تسلسل الأحداث منذ التطبيع السعودي-الإيراني في مارس/آذار 2023 وتداعيات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وتتماته تبين بجلاء أن الدبلوماسية السعودية واقعية وقابلة للتكيف، حيث تبقى الأولوية بالنسبة للرياض استعادة الاستقرار الإقليمي الذي يخدم مصالحها الوطنية، مع تركيزها على تنفيذ خطة التحديث والتنويع الاقتصادي (رؤية 2030). من أجل تحقيق هذا الهدف، لم تغلق الرياض الباب كليا أمام الجهود الأميركية للتطبيع المستقبلي مع إسرائيل مشترطة ربطه بتبني أفق واضح لحل الدولتين وإنصاف الفلسطينيين.