باراك في بيروت... الاقتصاد والنفط وترسيم الحدود السورية؟

الاستثمارات النفطية في لبنان تنتظر الضوء الأخضر الأميركي

.أ.ف.ب
.أ.ف.ب
المبعوث الأميركي توماس بارك، بعد اجتماعه مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، بيروت 19 يونيو 2025

باراك في بيروت... الاقتصاد والنفط وترسيم الحدود السورية؟

لن تقتصر مهمة الموفد الأميركي إلى سوريا توماس باراك في لبنان على متابعة ما تطالب واشنطن بتنفيذه في السياسة والأمن، لا سيما حصر السلاح بيد الدولة. بل إن لدوره أبعادا اقتصادية تتمثل في سعيه الى ترسيم الحدود اللبنانية-السورية وإيجاد حل لملف مزارع شبعا. وهو سيستكمل ما كان بدأه الموفد الأميركي السابق إلى لبنان آموس هوكشتاين في موضوع الحدود وضرورة الترسيم الكامل لحدود لبنان الشمالية والشرقية من بحرية وبرية، ولحدوده الجنوبية البرية، حيث تم الترسيم البحري مع إسرائيل في 27 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2022، من خلال الاتفاق الذي وقع آنذاك.

تتجه الأنظار الى بيروت اليوم حيث سيلتقي السفير باراك المسؤولين اللبنانيين لتسلّم الردّ الرسمي على الورقة الأميركية، ومتابعة الأفكار التي سبق أن عرضها معهم، من أمنية واقتصادية وصولا إلى الاستقرار اللبناني المنشود. كما أن ترتيب الحدود اللبنانية من كل جوانبها، هو المطلب الذي لطالما شدّدت عليه واشنطن عبر جميع موفديها الذين تعاقبوا على تسلم الملف اللبناني. والاستقرار هو الشرط لجذب الاستثمارات لا سيما في قطاع النفط والغاز، تنقيبا واستخراجا وتسويقا.

ولدى توقيع الاتفاق البحري بين لبنان وإسرائيل، قال هوكشتاين إن ذلك يُعد إنجازا مهما حيث يفتح الباب أمام لبنان للاستفادة من موارده الطبيعية. كذلك لفت الى إن السلام في الجنوب لا يخدم فقط أمن إسرائيل ولبنان، بل هو مفتاح التقدم الاقتصادي، وإن أي تصعيد يعرقل الاستثمارات الأجنبية في لبنان خصوصا في قطاع الطاقة، وأكد آنذاك أن الاتفاق البري ممكن، ملمحا الى أن الشركات لا تستثمر في مناطق على شفير الحرب. وبعد إنجازه ملف الترسيم البحري، طرح هوكشتاين في بيروت مبادرة للتفاهم على الترسيم البري بين الطرفين، لكنها لم تستكمل.

يرتقب أن تبدأ سوريا تلزيمات للتنقيب عن مصادر النفط والغاز، ويفترض بالحدود البحرية والبرية مع لبنان أن تكون مرسمة وواضحة

وبعد تسلم باراك مهمته السورية، بدأ يهتم بالجزء اللبناني من هذه المهمة، وباستكمال المطالب الأميركية من لبنان، ومتابعتها سياسيا واقتصاديا. وينطلق في ذلك من رؤية بلاده بأن ترسيم حدود واضحة، وتسوية النزاعات، هما جزء من رؤية أوسع لتحقيق الاستقرار الإقليمي، وبأن لدى لبنان فرصة ليكون مركزا للطاقة في شرق المتوسط.

فضلا عن أنه مع انطلاق الدعم الأميركي لبناء سوريا، فإن هناك ما يتصل بالرغبة السورية للاستثمار في البحر السوري الملاصق للبحر اللبناني شمالا. ويرتقب أن تقوم سوريا بتلزيمات للتنقيب عن مصادر الطاقة في سياق الاستثمارات في سوريا، ويفترض بالحدود البحرية والبرية مع لبنان أن تكون مرسمة وواضحة.

ودعا باراك المسؤولين اللبنانيين في زيارته الأولى لبيروت في 19 يونيو/حزيران الماضي إلى توطيد العلاقات اللبنانية-السورية وتأمين حسن جوار وحل الملفات العالقة كافة. وأكد بيان السفارة الأميركية في بيروت هذه الدعوة، إذ أورد أن "رؤية الرئيس دونالد ترمب تتمثل في نسيج جديد للبنان وسوريا يعيشان في سلام أحدهما مع الآخر. كلا البلدين مستعدان وراغبان، وقادران على أن يكونا مثالا للتجارة المزدهرة بدلا من الفوضى المفروضة من الخارج".

ترسيم الحدود ركيزة الاقتصاد والاستثمارات

إذن، حدود لبنان مع إسرائيل، وكذلك مع سوريا، أساسية في تطلعات باراك حول لبنان، وربط ذلك بالاستقرار والازدهار الاقتصادي والاستثمارات. ويرى باراك "أن الاتفاقات السلمية مع اسرائيل باتت ضرورية لكل من لبنان وسوريا". وبالتالي، من دون ترتيب وضع الحدود اللبنانية، كونها رابطا مثلثا مهما، لبنانيا-سوريا-إسرائيليا، لا يمكن نظريته ان تتحقق.

أ.ف.ب.
الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل المبعوث الأميركي توماس باراك في قصر بعبدا، بيروت، في 19 يونيو 2025

بالنسبة إلى لبنان، لا ينفصل الاستقرار والنهوض الاقتصادي والاستثمارات، لا سيما في مجال الطاقة، عن الأمن ونزع سلاح الميليشيات الذي أكده باراك في بيروت.

الترسيم سيجد حلا بعيدا من الأيديولوجيات

وأوضحت الخبيرة في شؤون الطاقة لوري هاتايان في لقاء مع "المجلة"، أن هوكشتاين "عمل على تحييد الحل لمنطقة مزارع شبعا إلى حين الانتهاء من ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. وقد تم الترسيم في عام 2022، وبقيت نقطة ما يعرف بـB1 كموضوع خلاف، على أن تحل لدى ترسيم الخط البري، والآن، كون الأميركيين وسطاء بين لبنان وإسرائيل، من السهل مقاربة هذا الخلاف، حتى أن موضوع مزارع شبعا سيجد حلا، كذلك الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل التي تتمثل بـ13 نقطة خلافية، 7 منها جرى التفاهم حولها قبل اندلاع الحرب على غزة وحرب الإسناد من لبنان. وهناك منطقة عسكرية إسرائيلية فقط سيجري التفاهم حولها أثناء الترسيم البري".

الترسيم البحري بين لبنان وسوريا سيسهل استقطاب الشركات النفطية للاستثمار. وهذا ما كان يعوّل عليه هوكشتاين، وسيستكمل باراك هذا التوجه، للمساعدة في بناء مساحة من التعاون الأمني والاقتصادي والاستثماري بين البلدين

لوري هاتايان، خبيرة في شؤون الطاقة

ومن المرجح أيضا أن يأتي الأميركيون بخبراء حيث سيتم التوصل إلى حل وفقا للقانون الدولي والخرائط الموجودة. ولن تكون هناك أطماع لأن العلاقات تسير بصورة ندية وبحسب مبدأ الاحترام المتبادل لسيادة الدولتين على كامل أراضيهما وبحرهما. وهناك خرائط فرنسية سلمت إلى لبنان، كما أن لدى بريطانيا خرائط، ومعلوم أن لدى البريطانيين خبرات عميقة في الترسيم.

وأشارت هاتايان إلى أن "الترسيم البحري بين لبنان وسوريا سيسهل استقطاب الشركات النفطية للاستثمار. وهذا أيضا ما كان يعوّل عليه هوكشتاين في مهمته، إذ كانت لديه علاقات قوية مع الشركات المعنية بالتنقيب واستخراج النفط والغاز. وسيستكمل باراك هذا التوجه، حيث سيساعد في بناء مساحة من التعاون الأمني والاقتصادي والاستثماري بين البلدين".

.أ.ب
حقل غاز تديره شركة "توتال" الفرنسية بالقرب من الحدود البحرية الإسرائيلية، 16 أغسطس 2023

وأكدت أن كل الأفكار لحل مسألة الحدود تطرح من منظار الفائدة الاقتصادية والاستثمارية. ولهذا السبب، فإن من يقود التوصل الى حل من الجانب الأميركي هم في الاساس من رجال الأعمال الكبار، أصدقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وتطرح الأفكار وفقا لقاعدة المصلحة المتبادلة، أي بذهنية التفاوض الاقتصادي بعيدا من الأيديولوجيات السياسية.

النفط اللبناني ينتظر الضوء الأخضر الأميركي

وقالت هاتايان في ما يتعلق بالتنقيب في البحر اللبناني، "إن الشركات الوحيدة التي تقدمت فعليا للتنقيب هي الأوروبية والروسية. ووقعت الحكومة اللبنانية في البداية عقدين في البلوكين 4 و9، مع شركة "توتال" الفرنسية، و"آني" الإيطالية، و"نوڤاتاك" الروسية، حيث دخلت الثلاث في شراكة في هذين البلوكين. وجاءت نتيجة أول حفر في البلوك الرابع في عام 2020 سلبية. وفي عام 2022، وُقع الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل. ثم حصل نوع من التفاهم حول خروج "نوڤاتاك" من الموضوع، وحلت محلها شركة "قطر للطاقة"، حيث أرادت الشركات الثلاث، "توتال" و"آني" و"قطر للطاقة"، العمل في التنقيب. وتخلت عن البلوك الرابع، وأعادته إلى الدولة، وينتظر لبنان ما إذا كانت الشركات ترغب في أن تكمل أو توقف عملها".

وأضافت: "حاليا، هناك جولة تراخيص ثالثة مفتوحة وتمتد حتى نوفمبر/تشرين الثاني من السنة الجارية، لكي تقدم الشركات عروضها. ويبدو أن هناك ترقبا لبنانيا لاهتمام الشركات الأميركية وما إذا كانت ستقدم عروضا وتدخل على خط التنقيب. إلا أن هذا الأمر يحتاج لأن يكون لديها غطاء سياسي، يستند إلى نظر الإدارة الأميركية بحوافز الاستثمارات، المرتبطة بدورها بمعادلة تلازم مساري إعادة الإعمار ونزع السلاح، وسيطرة الدولة على الأرض والأمن والحدود، التي تعمل الولايات المتحدة وفقها".

الشركات الأميركية لن تستثمر في لبنان من دون ضوء أخضر سياسي، ومن دون تسليم السلاح، والتأكيد للمستثمرين أن استثماراتهم لن تكون تحت مرمى النيران والأخطار

لوري هاتايان، خبيرة في شؤون الطاقة

وبالتالي، إذا أرادت الشركات الأميركية أن تستثمر في لبنان فإن عليها انتظار الضوء الأخضر من الإدارة السياسية. وأضافت هاتايان أنه من الآن حتى نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، إذا عملت الدولة اللبنانية على تسليم سلاح "حزب الله"، والتأكيد للمستثمرين أن استثماراتهم لن تكون تحت مرمى النيران والأخطار، فإن ذلك سيكون الحافز الأقوى للاستثمار. ومن المعروف أنه منذ تفجير مقر المارينز في بيروت عام 1982، أدرك الأميركيون مدى الخطر المحدق بهم. حتى الطيران الأميركي لا يأتي إلى لبنان حتى الساعة. وتريد واشنطن أن تثق أن لبنان هو محط أنظار المستثمرين عبر الاستقرار والشروط الواجبة لتأمينه.

.أ.ب
لبناني مؤيد لبقاء السلاح بيد "حزب الله"، بيروت 6 يوليو 2025

وتشير هاتايان الى أن الشركات الأميركية التي تستثمر في الطاقة موجودة في المنطقة. هناك شركة "شيفرون" الموجودة في أكبر الحقول الإسرائيلية، حقل ليڤايتين. كما أنها موجودة في حقل تامار، وحقل أڤرودي، لتطويرهما وللإنتاج. وهناك شركة "إكسون موبيل" الأميركية الموجودة في مصر وقبرص، كما أن "شيفرون" موجودة في هاتين الدولتين أيضا. ويمكن الشركات الأميركية أن تكون حاضرة في لبنان بصورة غير مباشرة عبر تأمين خدمات في مجال التنقيب والاستخراج، عندما يصبح لدى لبنان قطاع نفط وغاز قيد العمل.

مرحلة مفصلية تنتظرها الشركات النفطية

وأكدت أيضا أن المرحلة الممتدة حتى نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بالغة الأهمية، من حيث ضرورة أن يستقطب لبنان الشركات، وأن تستطيع الحكومة ووزارة الطاقة أن تعقد لقاءات مع هذه الشركات لتتعرف إلى اهتماماتها ومتطلباتها.

وأوضحت هاتايان"أن الدولة تسعى جاهدة لفصل مساري الإعمار وحصرية السلاح، لكن لم تسجل استجابة دولية في هذا المجال. فالاقتصاد العالمي يرزح تحت ضغوط كبيرة، لا سيما في أوروبا، حيث المطلوب زيادة الإنفاق على التسلح، وأي زيادة في ذلك الإطار ستكون على حساب المساعدات التي تخصصها أوروبا للخارج. لذا، فإن أولوية الأوروبيين هي أين ستُصرف الأموال، ولن يساهموا في الإعمار في أماكن لا تزال معرضة للدمار والهدم، خوفا من تجدد أي نوع من أنواع الحرب. ينطبق هذا أيضا على توجهات الدول العربية، التي تولي أولوية لاستثمار أموالها في الداخل، لا سيما في بناء اقتصاد بعيد من النفط والغاز".

.أ.ف.ب

وخلصت هاتايان الى انه "في حال غياب خطة سياسية-أمنية-اقتصادية واضحة في لبنان، لن تكون هناك استثمارات لا أميركية ولا غيرها، في وقت يبرز المسؤولون السوريون خطة واضحة، ويوفون بوعودهم في التنفيذ، ويقدمون كل الإشارات الإيجابية التي يريدها الغرب. لذا فإن أولوية الاستثمارات الدولية هي لسوريا بسبب وضوحها السياسي مع الغرب والإيفاء بوعودها في التعامل معه. في وقت يتحدث لبنان عن حصرية السلاح، لكنه لا ينفذ. إنما إذا سار في مزيد من التأخير، فسيكون ذلك مضيعة لمزيد من الفرص الاستثمارية الموجودة حتى الآن. وإذا فقد الفرص فسيكون وضع لبنان صعبا للغاية وسيبقى التعامل الدولي معه اقتصاديا محصورا بالمساعدات الإنسانية فقط، وليس بالمساعدات والاستثمارات التي من شأنها تكبير حجم الاقتصاد وزيادة الأرباح".

font change

مقالات ذات صلة