شرح جديد لتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا وأخطارها

فشل الحكومة الجديدة في القطيعة مع ماضيها سيستدعي من واشنطن الاستعداد لإعادة فرضها

رويترز
رويترز
مبنى سوق دمشق للأوراق المالية في دمشق، سوريا، 2 يونيو/حزيران 2025.

شرح جديد لتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا وأخطارها

أعادت الولايات المتحدة رسم سياستها تجاه سوريا بشكل جذري في أواخر الأسبوع الماضي. ففي 23 أيار/مايو، أصدرت إدارة مراقبة الأصول الأجنبية التابعة لوزارة الخزانة الأميركية الترخيص العام رقم 25 الخاص بسوريا، كما منحت شبكة مكافحة الجرائم المالية إعفاء استثنائيا للمصرف التجاري السوري، وأصدرت وزارة الخارجية إعفاء مؤقتا بموجب "قانون قيصر" لحماية المدنيين في سوريا. وفي الثامن والعشرين من مايو/أيار، أتبعت وزارة الخزانة هذه الخطوات بتوضيحات إضافية حول تطبيق هذه الإجراءات، عبر نشر مبادئ توجيهية جديدة. وتشكل هذه الإجراءات مجتمعة التحول الأبرز في السياسة الأميركية تجاه سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد،. حيث انتقلت واشنطن من موقف العزلة شبه الكاملة لسوريا إلى موقف الدعم الواسع للتعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار.

لفهم تداعيات هذا التخفيف، بما في ذلك الأخطار الكبيرة المرتبطة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي نتجت منه، لا بد من دراسة نطاقه وحدوده، إلى جانب الحاجة الملحة إلى مراقبة الالتزام الصارم في الأسابيع والأشهر المقبلة لضمان تحقيق الأثر المنشود.

ما لم تُتخذ إجراءات إضافية فورية، يمنح الترخيص العام رقم 25 تفويضا دائما لإجراء معاملات كانت محظورة سابقا بموجب لوائح العقوبات المفروضة على سوريا. ويُعدّ هذا تعليقا فعليا لمعظم العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة على سوريا، ولا سيما تلك الصادرة بموجب الأمر التنفيذي رقم 13582، مما يتيح إجراء معاملات في معظم قطاعات الاقتصاد السوري. ويشمل ذلك على نطاق واسع القيام باستثمارات جديدة، وتقديم خدمات مالية، والمتاجرة بالنفط أو المنتجات النفطية ذات المنشأ السوري.

ماذا يشمل التفويض الواسع للترخيص؟

بالإضافة إلى ذلك، ورغم أن هذه الخطوة لا ترقى إلى مستوى الاعتراف الديبلوماسي الكامل بالحكومة السورية الحالية، فإن الترخيص العام رقم 25 يجيز التعامل مع "حكومة سوريا... كما هي قائمة اعتبارا من 13 أيار/مايو 2025"، و"تشمل الرئيس السوري أحمد الشرع وحكومته".

التفويض الواسع الذي يمنحه الترخيص يتناقض مع النطاق المحدود للترخيصات السابقة، مثل الترخيص رقم 24، الذي تنتهي صلاحيته في 7 يوليو 2025 ما لم يُجدد، والذي لم يجز "أي معاملات تشمل كيانات عسكرية أو اسخباراتية"

الجدير بالذكر أن التفويض الواسع الذي يمنحه الترخيص العام رقم 25 لا يشمل فقط المعاملات المرتبطة بالجيش السوري وأجهزة الاستخبارات، التي يشارك في بعضها أو يقودها مقاتلون جهاديون أجانب سبق أن فرضت الولايات المتحدة عليهم عقوبات بصفتهم "إرهابيين عالميين مصنفين بشكل خاص" أو لانتمائهم إلى "منظمات إرهابية أجنبية" مصنفة، بل يشمل أيضا أي "شخص يعمل أو سبق له أن عمل، أو يدّعي أنه يعمل، بشكل مباشر أو غير مباشر، لصالح "حكومة سوريا" الجديدة أو نيابة عنها. ويبدو أن هذا التعريف الواسع يتناقض مع النطاق المحدود للترخيصات العامة السابقة، مثل الترخيص العام رقم 24، الذي من المقرر أن تنتهي صلاحيته في 7 تموز/يوليو 2025 ما لم يُجدد، والذي لم يجز "أي معاملات تشمل كيانات عسكرية أو استخباراتية".

.أ.ف.ب
سوري يحمل رزمة من آلاف الليرات السورية من البنك المركزي في دمشق، 21 مايو 2025

من اللافت أن الترخيص العام رقم 25 يتضمن ملحقا يدرج أسماء أفراد وكيانات خاضعين للعقوبات، أصبح من المسموح الآن إجراء معاملات معهم، خارج نطاق التعاملات مع "حكومة سوريا" الجديدة. ويشمل ذلك الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الداخلية السوري أنس حسن خطاب، وكلاهما لا يزال خاضعا لعقوبات من الولايات المتحدة والأمم المتحدة نظرا الى علاقاتهما مع فرع تنظيم "القاعدة" في سوريا، المعروف بـ"هيئة تحرير الشام". كما يتضمن الملحق كيانات خاضعة للعقوبات، من بينها مصرف سوريا المركزي، ووزارة النفط والثروة المعدنية السورية، ووزارة السياحة السورية. 

الإعفاء الموقت لـ"قانون قيصر"

يذكر أن الترخيص العام رقم 25 لا يلغي ولا يعدل الترخيصات العامة الأخرى، مثل الترخيصين العامين رقم 23 و24، اللذين لا يزالان ساريين لأغراض إنسانية محددة. ويعكس ذلك واقعا ينطوي على أخطار مستمرة، إذ إن التفويض الممنوح بموجب الترخيص العام رقم 24 يوسّع نطاق المعاملات ليشمل الحكومة التي تقودها "هيئة تحرير الشام" في سوريا، ويمتد ليطال "كيانات غير محددة مرتبطة بـ[هيئة تحرير الشام] في جميع المناطق الجغرافية في سوريا"، مما قد يتعارض مع أهداف الأمن القومي والسياسة الخارجية الأميركية.

بالتزامن مع إصدار الترخيص العام رقم 25، منحت وزارة الخارجية إعفاء مؤقتا بموجب "قانون قيصر" لحماية المدنيين في سوريا، يستثني بعض الأنشطة من العقوبات المفروضة بموجب القانون الذي استهدف نظام الأسد وحلفاءه. ومن اللافت أن الوزارة لجأت إلى استخدام الصلاحية الأضيق من بين خيارين يتيحهما القانون، فاختارت تجميد جزء من العقوبات لفترة مؤقتة مدتها 180 يوما، عوض اللجوء إلى الصلاحية الأوسع التي تخولها تعليق القانون بأكمله. وأسفر ذلك عن فترة إعفاء مؤقتة تمتد 180 يوما، تُعلّق خلالها العقوبات الثانوية الإلزامية، بما يمنح الدول الأجنبية فرصة الانخراط في جهود إعادة إعمار سوريا، مع تقليل ملموس لأخطار التعرّض للعقوبات.

على الرغم من الإعفاء الاستثنائي للمصرف التجاري السوري لجهة السماح للمؤسسات المالية الأميركية إنشاء حسابات مراسلة لهذا المصرف، وتسهيل المعاملات الدولية والتحويلات المالية، فان ذلك لا يعفيه من الالتزامات التنظيمية الأخرى، ولا يخفف العبء الرقابي على البنوك المراسلة

في هذه الأثناء، يتيح الإعفاء الاستثنائي الذي منحته شبكة مكافحة الجرائم المالية للمصرف التجاري السوري الى المؤسسات المالية الأميركية إمكان إنشاء حسابات مراسلة لهذا المصرف أو الحفاظ عليها، رغم استمرار خضوعه للعقوبات بسبب تورطه في تسهيل انتشار الأسلحة في سوريا وكوريا الشمالية.

أهمية الالتزام بقانون"باتريوت" الأميركي

ورغم أن الهدف من هذا الإعفاء هو تسهيل المعاملات الدولية، مثل المدفوعات التجارية والتحويلات المالية لدعم جهود تعافي سوريا، فإن الإرشادات الصادرة عن الشبكة لا تعفي المصرف من الالتزامات التنظيمية الأخرى، ولا تخفف العبء الرقابي المفروض على البنوك المراسلة. بل إن هذا الإعفاء يفاقم أخطار الامتثال لدى المؤسسات التي تختار إنشاء حسابات مراسلة لهذا المصرف أو الحفاظ عليها، إذ لا يعفيها من التزامات العناية الواجبة المنصوص عليها في المادة 312 من قانون "باتريوت" الأميركي. ويعني ذلك أن على هذه المؤسسات "إجراء تدقيق معزز على مثل هذا الحساب للوقاية من غسل الأموال، ورصد أي معاملات مشبوهة والإبلاغ عنها، بما يتماشى مع القوانين والأنظمة السارية".

المجلة

حظّر التعامل مع روسيا وإيران وكوريا الشمالية

يذكر أن الإجراءات الثلاثة – الترخيص العام رقم 25، والإعفاء بموجب قانون قيصر، والإرشادات الصادرة عن شبكة مكافحة الجرائم المالية – تحظر صراحة أي معاملات تعود بالنفع على روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية. كما أنها لا تنطبق على أي من أفراد نظام الأسد أو المتعاونين معه، أو المنظمات الإرهابية، أو منتهكي حقوق الإنسان، أو مجرمي الحرب، أو المتورطين في الاتجار بالمخدرات الخاضعين حاليا لعقوبات أميركية، ما لم يكونوا يتصرفون، أو يدّعون أنهم يتصرفون، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، نيابة عن "حكومة سوريا".

لا تفضي هذه الإجراءات تلقائيا إلى رفع التجميد عن الأصول المحتجزة بموجب العقوبات السابقة على سوريا

كذلك، لا تفضي هذه الإجراءات تلقائيا إلى رفع التجميد عن الأصول المحتجزة بموجب العقوبات السابقة على سوريا، ولا تلغي ضوابط التصدير أو القيود الأخرى المنصوص عليها في قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان، ولا تغير بأي شكل من الأشكال، تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب. كما أنها لا تلغي التصنيفات الصادرة في حق منظمات مختلفة تمارس سلطات حكم في سوريا، مثل "هيئة تحرير الشام".

سيشكّل ضمان الامتثال لهذه الإجراءات تحديا بالغا، إذ إن الشركات التي تراهن على موجة التخفيف الأخيرة للعقوبات والإعفاءات الاستثنائية ستواجه صعوبات كبيرة في التأكد من أن معاملاتها لا تصب في مصلحة أطراف مستبعدة، كالجماعات الإرهابية غير المرتبطة بالحكومة أو الدول المعادية.

أ.ف.ب.

ويفاقم هذه التحديات استمرار ضعف الشفافية في الحكومة الانتقالية والاقتصاد السوري، مما يعقّد جهود إنفاذ القوانين، إلى جانب تنامي خطر التهرب من العقوبات عبر شبكات مالية غير واضحة المعالم. كما أن التنسيق مع شركاء دوليين تختلف أطرهم التنظيمية وأولوياتهم السياسية، سيزيد بدوره تعقيد المشهد.

ماذا عن المصارف والجرائم المالية؟

يشكّل هذا الثلاثي من الإجراءات – الترخيص العام رقم 25، والإعفاء بموجب قانون قيصر، والإعفاء الاستثنائي من شبكة مكافحة الجرائم المالية في ما يتعلق بالمصرف التجاري السوري – بداية فصل جديد في مسار سوريا، قد تتصدر فيه جهود التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار المشهد. غير أن نجاح هذا المسار يبقى رهنا بتوفر رقابة صارمة، وتعاون دولي فعّال، والتزام جاد من الحكومة السورية الجديدة بالاستقرار والإصلاح، وقطع الصلة بشكل حاسم مع ماضيها الإرهابي. وعلى الولايات المتحدة أن تعبّر بوضوح في هذا السياق عن المعايير التي تُعتبر مؤشرا الى نجاح الحكومة السورية الجديدة، وأن تحدد الخطوات المستقبلية التي قد تفتح المجال لمزيد من تخفيف العقوبات، أو حتى إلغاء النظام التنظيمي الذي يدعمها بالكامل.

فرصة ثمينة لدعم تعافي سوريا

لقد أُتيحت للحكومة السورية الجديدة فرصة ثمينة. إذ يعكس التحول في السياسة الأميركية استعداد إدارة ترمب وبعض أعضاء الكونغرس لدعم تعافي سوريا، شرط أن يستند هذا التعافي إلى الإصلاح لا القمع. ومع ذلك، لا يزال الرئيس السوري، خاضعا لعقوبات أميركية وأممية نتيجة قيادته حركة جهادية، كما تظل وزارات رئيسة متورطة مع جماعات إرهابية مدرجة على قوائم العقوبات. أما مصرف سوريا المركزي، الذي شكّل لفترة طويلة قناة للتمويل غير المشروع ونشاطات انتشار الأسلحة، فلا يزال بعيدا عن مسار إعادة التأهيل. وتُعد هذه المؤشرات بمثابة إشارات تحذيرية جدية، تتطلب رقابة صارمة من الولايات المتحدة وهيئات الرقابة الدولية، مثل مجموعة العمل المالي.

المجلة

لتفادي تمكين جهات خبيثة من الاستفادة تحت غطاء التعافي الاقتصادي، يتعين على الولايات المتحدة وضع معايير واضحة تنظم استمرار تخفيف العقوبات، وتحدد العواقب في حال التراجع عن الإصلاحات.

إقرأ ايضا: الاتجاهات الأساسية لإعادة إعمار سوريا الجديدة

ويشمل ذلك تطوير آليات امتثال قوية وشفافة، وتعزيز التنسيق الدولي، مع التأكيد أن تخفيف العقوبات يظل مشروطا وقابلا للإلغاء إذا توقفت الإصلاحات أو استمرت الانتهاكات. فالطموح نحو سوريا مزدهرة وآمنة يبقى هدفا مشروعا يستحق السعي الحثيث لتحقيقه، غير أن فشل الحكومة الجديدة في القطيعة مع ماضيها الإرهابي والوفاء بالتزاماتها سيستدعي من واشنطن الاستعداد لإعادة فرض العقوبات بالكامل. فسياسة دعم التعافي لا يمكن أن تتحوّل إلى حصانة من المساءلة.

font change

مقالات ذات صلة