كان موت زياد تراجيديا تشبه الكارثة، كأنه زلزال أو فيضان أو تسونامي. موت ضخم وقع على البلد الذي دخل منذ سنوات في موت سريري، قبل الحرب وبعدها، قبل الانهيار وبعده، بحيث لم يعد يمكن تعيين اللحظة التي بدأ فيها لبنان ينطفئ أو يدخل في موته السري والسريري، ولكنه وهو ينطفئ وهو يموت تبقى له القدرة على الحياة والاحتفال والضجيج، كما لو أن موته مؤقت أو أن موته فريد لا هو موت كامل ولا هو حياة كاملة. وبين الاثنين تدور دورة كاملة من الأمل والانكسار، ومن الفعل ورد الفعل.
لكن المسألة ليست إذا مات البلد أو لم يمت، وماذا يعني موت البلد أو عدم موته، المسألة أنه يجب أن يوجد أشخاص يرفضون أن يقولوا إن البلد قد مات، أشخاص يجب أن تكون لديهم مصلحة سياسية في القول إن البلد لم يمت، وهذا أولا إعادة اعتبار للسياسة أو أن السياسة تبدأ مجددا من هنا. وأما إعادة إنتاج الانقسام حول زياد والبحث عن معاني لهذا الانقسام، وعن منتصر ومهزوم وعن غالب ومغلوب، فهو انعدام السياسة بعينه.
وهنا ثمة شيء غريب وشيء جوهري وأصيل وهو أن البلد وأمام أي حدث يشبهه كموت زياد يقف ويقول أنا موجود، ليتحول هذا الموت إلى فعل حياة حقيقية لبلد كاد يختفي ويتحول إلى ركام وحطام سياسي واقتصادي وإنساني.
ومفردة البلد هنا التي لا تجد معناها الفعلي إلا في قاموس زياد الرحباني تصلح لأن تكون مفردة تأسيسية تعوض عن الوطن المفقود والدولة المتآكلة وتتوافق مع اللحظة المأزقية الراهنة ومع لحظة موت زياد كحدث يعيد إنتاج معنى للبنان في لحظة افتقاد المعنى، وبالتالي يشكل هذا الموت مخرجا سياسيا ممكنا من المأزق في حال وجد من يلتقط الإشارة ومن هو مستعد إلى المبادرة، في إعادة اعتبار فعلية للسياسة أي لإمكان فعل شيء لوقف التدهور، أو ببساطة لتسجيل موقف حيال ما يجري وحيال ما وصلت إليه الأمور، وحيال الفراغ الحاصل.