بعد نحو عام على توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وكوريا الشمالية، تزداد المؤشرات إلى تغيرات جذرية في علاقات البلدين تتجاوز العودة إلى استخدام مصطلحات الحرب الباردة
بعد نحو عام على توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وكوريا الشمالية، تزداد المؤشرات إلى تغيرات جذرية في علاقات البلدين تتجاوز العودة إلى استخدام مصطلحات الحرب الباردة، نحو بناء شراكات غير مسبوقة في المجالات العسكرية والاقتصادية والثقافية وحتى السياحية.
وبعد أيام على ذرف دموع على جنود بلاده الذين قتلوا في أوكرانيا أثناء احتفالات الذكرى السنوية للاتفاقية، استقبل الرئيس كيم جونغ أون وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف منتصف الشهر الماضي في بيونغ يانغ، مشيرا إلى أن زيارة لافروف "تمثل نقطة تحول مهمة في مسار التعاون بين موسكو وبيونغ يانغ". ومن جانبها قالت وزيرة خارجية كوريا الشمالية، تشوي سون هوي، إن بلادها تدعم حق روسيا في حماية سلامة أراضيها وسيادتها، وشددت على "معارضة المؤامرات المهيمنة للإمبرياليين، واستعداد حكومة بلادنا لتنفيذ جميع بنود الحوار الدولي الجديد بجدية".
وردا على الدعم الكوري الشمالي غير المحدود قال لافروف إن مشاركة العسكريين الكوريين الشماليين في تحرير مقاطعة كورسك، تؤكد بشكل مباشر على أن العلاقات بين الدولتين تتسم بطابع "الأخوة التي لا تقهر".
وفي إشارة إلى الابتعاد أكثر عن المواقف الغربية بشأن شبه الجزيرة الكورية، حذر لافروف الولايات المتحدة وحلفاءها من "بناء تحالفات موجهة ضد أي طرف بما في ذلك روسيا وكوريا الديمقراطية". وامتدح الوزير الروسي قيادة كوريا الشمالية التي توصلت إلى استنتاجات مناسبة قبل وقت طويل من الضربات الإسرائيلية الأمريكية ضد إيران، و"لهذا السبب بالذات (أي أن هذه الاستنتاجات تم التوصل إليها في الوقت المناسب ) لم يفكر أحد في استخدام القوة ضد كوريا الديمقراطية، رغم أن البناء العسكري حولها بمشاركة الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان مستمر".
وتشهد العلاقات بين البلدين تطوراً متسارعاً في مختلف المجالات، السياسية والعسكرية والاقتصادية والتقنية، وسط حرص واضح من الجانبين على تعزيز هذا التعاون. وتكثفت الزيارات الرسمية، وباتت بيونغ يانغ وجهة رئيسية للمسؤوليين الروس. كما بدأت موسكو بالفعل في تنفيذ مشاريع داخل كوريا الشمالية، وتخطط لاستقدام عدد كبير من العمال والمهندسين الكوريين الشماليين، وبشكل خاص في قطاعي البناء والصناعة، في خطوات تشير إلى انتقال التعاون من المستوى السياسي إلى شراكة عملية على الأرض.
وفي الوقت ذاته، تبرز مؤشرات إلى احتمال زيادة كوريا الشمالية لانخراطها في الحرب الأوكرانية، ما يثير تساؤلات حول طبيعة هذا التدخل، ومدى تأثيره على مسار الحرب، وتداعياته على التوازنات الإقليمية والدولية.
من التوقيع إلى التنفيذ
وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، في 19 يونيو/حزيران 2024، اتفاقية "شراكة استراتيجية شاملة" نصّت على تقديم الدعم المتبادل في حال التعرّض لأي عدوان خارجي، وتوسيع التعاون الدفاعي والاقتصادي.
وعلى عكس كثير من الاتفاقات الروسية مع بلدان أخرى، كان لافتا أن الاتفاق لم يبق مجرّد إعلان سياسي، وبدأت مفاعيله تتبلور على الأرض، في مسارات سياسية واقتصادية وأمنية متسارعة، نقلت العلاقات بين البلدين إلى مرحلة جديدة، تتجاوز التكهنات التي رافقت توقيع الاتفاق قبل عام.
واستعادت قنوات التواصل الرسمية زخمًا غير مسبوق، وارتفعت وتيرة اللقاءات بين مسؤولي البلدين إلى مستويات لم تسجل منذ نهاية الحرب الباردة.