"بومغارتنر" هي الرواية الأخيرة للكاتب الأميركي بول أوستر الصادرة في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2023، قبل ستة أشهر من رحيله في 30 أبريل/ نيسان 2024 وقد نقلها إلى العربية بترجمة بارعة د. سعد البازعي، وصدرت عن "دار كلمات" في المملكة العربية السعودية. يستند عنوان الرواية إلى اسم الشخصية المحورية في تخييل متنها السردي، وهو أستاذ جامعي مرموق في وظيفته الرفيعة ذات العلاقة بتدريس الفسلفة في جامعة "برينستون"، وفي آن هو مؤلف وباحث ضمن مجال تاريخ الأفكار.
تبدأ الرواية بسلسة حوادث لا تخلو من غرابة ولعنة: تتعرض يد بومغارتنر للحرق إثر إمساكه بمقلاة نسيها ملتهبة على الموقد، وهي نفسها المقلاة التي اشتراها أول مرة عندما رأى آنا في متجر الخردوات في العشرين من عمره قبل أن تصير زوجته لاحقا. بعدها يتلقى مكالمة من ابنة عاملة النظافة تخبره بأن والدها قطع للتو إصبعين من يده بسبب سوء استعمال منشار كهربائي، فضلا عن رنين زر الباب الذي يفتحه ويلفي السيدة مولي تحمل له كتبا يطلبها ولن يقرأها أبدا، يطلبها كذريعة ليتملى جسدها مستبقيا إياها على العتبة ما أمكن ضمن لعبة إيقاد الرغبة، ثم يسقط بومغارتنر من درج القبو الذي ينجم عنه إتلاف ركبته، وحينما يتعافى من وعكة ركبته، يعمل على فكرة جديدة بعد انتهائه من كتابه الصغير حول كيركيغارد، إذ يشرع في كتابة مؤلف مؤسس على متلازمة الأطراف الوهمية، أو القرين الشبح كأنه استلهمها من فقدان السيد فلوريس إصبعيه بسبب المنشار الكهربائي، لكن قياسا إلى فقدان بومغارتنر لزوجته، الشبيه بفقدانه لذراعيه وساقيه معا.
ما يكابده بومغارتنر على نحو مزدوج، هو قسوة الشيخوخة (71 سنة) في اشتباك محتدم مع العزلة، شبح الموت من جهة أولى، ومن جهة ثانية فقدانه لزوجته التي تركت فراغا طارئا في حياته كما ثقب أسود.
ذهابا وإيابا
عبر خمسة مقاطع كبرى ذهابا، ذات ترقيم للوحدات السردية المركزية، تشطرها أربعة نصوص موازية إيابا، ذات عنونة بالتعاقب: فرانكي بويل- احتراق عفوي- حكم بالسجن مدى الحياة- ذئاب ستانيسلاف، تستطرد وقائع الرواية في الدوران حول أثر فقدان الزوجة آنا، الراحلة منذ عشر سنوات إثر غرقها المفاجئ في الشاطئ. وبذا، ففاعلية الذاكرة هي الحجر الحارق الذي تحتكم إليه آلية السرد والتخييل في آن، مع الإمعان في تأمل معضلة الحاضر، وبالذات مجابهة قلق الموت الفادح.