استمد العهد السوري الجديد، برئاسة أحمد الشرع، شرعيته من ثلاثة مصادر أساسية، تمثلت أولا بدوره في انهيار نظام الأسد، بعد استعصاء طويل ودامٍ ومدمر دام 14 عاما، إذ اعتبر من قبل معظم السوريين بمثابة المخلص من نظام وراثي واستبدادي حكم البلد أكثر من نصف قرن. ثانيا، عدم استغلاله قوته العسكرية في لحظة الانهيار الكبيرة تلك بأخذ البلد نحو معارك دامية ومدمرة للانتقام من نظام الأسد بمؤسساته وتشكيلاته ومواليه.
ثالثا، كبح النزوع نحو انفجار الصراعات الهوياتية الثأرية وفقا للهويات الأولية الدينية والإثنية والعشائرية في البلد، مع الحديث بلغة التحول إلى الدولة، والميل إلى التسامح، حتى مع بعض رموز معروفة بمشاركتها الإجرام بحق السوريين مباشرة أو بشكل غير مباشر.
ومعلوم أن العاملين الأخيرين كانا ضمن خشية أكثر المتفائلين، بالنظر لمظلوميات عمرها خمسة عقود، منها الـ14 سنة الماضية، التي تم فيها تشريد نصف السوريين من بيوتهم ومن بلدهم، وقتل مئات ألوف منهم، مع تدمير عمرانهم.
المهم أن العوامل الثلاثة المذكورة لعبت دورا كبيرا في تعزيز قبول أغلبية السوريين بالرئيس السوري الجديد، للمرحلة الانتقالية، ومنحه نوعا من الإجماع لم يحظ به أي رئيس سابق لسوريا، وقد أسهم في تكريس ذلك القبول العربي والدولي (وضمنه الأميركي) بالقيادة الجديدة، واحتضانها، وتقديم الدعم لها.
بيد أن مشكلة القيادة الانتقالية الجديدة، أنها لم تقرأ بطريقة صحيحة، ولم تستثمر بطريقة جيدة، العوامل الثلاثة المذكورة، إذ إن معنى العامل الأول يستوجب التأكيد للسوريين أن ثمة عهدا جديدا يقطع مع نظام الفساد والاستبداد، ويتأسس على المشاركة السياسية، واستعادة دولة المؤسسات والقانون، وتأكيد حقوق السوريين كمواطنين أحرار ومتساوين.
ما تقدم لا يعدّ تطلّبا زائدا، فمن المفهوم استحالة تحول سوريا إلى بلد مثل السويد، أو ماليزيا، او سنغافورا، مثلا، في ظرف أشهر أو عدة سنوات، وإنما المطلوب تأكيد السير في ذلك الاتجاه، بتأكيد التحول إلى دولة مؤسسات وقانون لجميع المواطنين، وليس لجماعة معينة، تبعا للشعار الخاطئ والمتسرع: "من يحرر يقرر"، علما أن معظم السوريين المنكوبين كانوا دفعوا ثمنا باهظا للثورة السورية، بطريقة أو بأخرى، طوال 14 عاما، وما حصل يوم 8/12/24، أتى تتويجا لمسار التضحيات والمعاناة والبطولات التي بذلها السوريون، على امتداد الجغرافيا السورية، بحيث تضافر العامل الذاتي مع العامل الموضوعي، بتوفر البعدين الدولي والإقليمي للتغيير في سوريا.