أفضى انهيار نظام الأسد إلى إعادة تشكيل المشهد الإقليمي. وعلى الرغم من استمرار الشكوك المشروعة حول آفاق استقرار النظام الجديد على المدى الطويل، فإن ثمة إجماعا دوليا واسعا على دعم أحمد الشرع، مع تفضيل واضح لأن تكون سوريا بلدا موحدا، تحت سلطة مركزية، بدلا من استمرار الفوضى. ولعل انسحاب إيران السريع من سوريا، في عيون الكثير من الدول الإنجاز الأهم حتى الآن، إذ يفتح نافذة أمل لتعزيز الاستقرار الإقليمي. وهكذا صعدت سوريا لتحتل مستوى مرتفع الأهمية على الأجندة العالمية، وأجندة واشنطن أيضا. وينطبق الأمر نفسه على لاعبين إقليميين رئيسيين لهما حدود مشتركة مع سوريا، وهما إسرائيل وتركيا. فكل منهما ينظر إلى التطورات في سوريا على أنها مصلحه وطنية له.
تشعر إسرائيل بالقلق من ظهور حكومة إسلامية متطرفة، ومن النفوذ التركي المفرط في سوريا. ومع أن الحكومة الإسرائيلية تعترف بالدور التركي، وتدخله الحازم في شمال سوريا، ولا سيما في المناطق الكردية، فإنها قد رسمت كما يبدو خطا أحمر تجاه الوجود العسكري التركي في أجزاء أخرى من البلاد، وتشبّهه بالتدخل الإيراني السابق، وتعترض عليه بشدة. علاوة على ذلك، لم تتوصل إسرائيل بعد إلى قرار حاسم فيما إن كانت تفضل حكومة مركزية قوية في دمشق. تشير تصريحاتها وأفعالها الأخيرة إلى أنها تفضل أن تكون سوريا بلدا ضعيفا ومجزأ، ولو أن موقف واشنطن، هو من سيشكل إلى حد ما، هذه الحسابات في نهاية المطاف. كما أن إسرائيل في ظل الظروف الحالية، ولا سيما بعد ما أظهرته من تفوق عسكري في الأشهر الأخيرة، تعتقد أنه يمكنها أن تؤدي دورا محوريا في صياغة مستقبل سوريا.
وفي المقابل ترى تركيا أن أمامها فرصة تاريخية لتثبيت استقرار حدودها مع سوريا وبشروطها الخاصة، وبما يتوافق مع تحركاتها الأخيرة، ذات الأهمية التاريخية المماثلة أيضا، تجاه الأكراد بمن فيهم "حزب العمال الكردستاني"، وتعزز في الوقت نفسه من اعتماد نظام الشرع عليها. وعلى الرغم مما أظهرته إسرائيل من تفوق عسكري وتقني، لا ترى فيه تركيا عائقا أمامها، وتجد أن اللحظة الراهنة هي فرصتها الذهبية كي تعزز مكانتها الإقليمية (وهو ما يصفه البعض بأنه سعي إلى الهيمنة الإقليمية) ويسهم الرئيس ترمب وعلاقته بأردوغان في تعزيز هذه النظرة الواعدة من المنظور التركي. يضاف إلى ذلك أن تركيا بعد أن حسنت علاقاتها في السنوات الأخيرة مع دول الخليج ومصر، فإنها ترى أن مكانتها الإقليمية المتنامية تنطوي على إمكانات إيجابية.