خميس صنعاء الدامي... خرق أمني كبير وضربة موجعة للحوثيين

أ ف ب
أ ف ب
رئيس الحكومة التابعة للحوثيين في اليمن احمد الرهوي في 20 اكتوبر

خميس صنعاء الدامي... خرق أمني كبير وضربة موجعة للحوثيين

بمعلومة محددة وغارة واحدة، تمكنت إسرائيل من الإجهاز على رئيس حكومة الحوثيين (غير المعترف بها) ونحو عشرة من وزرائه بالإضافة إلى قادة آخرين، وذلك في حصيلة أولية مرشحة للارتفاع بالنظر إلى إصابة عدد آخر من المسؤولين بجروح بليغة.

اغتيال جماعي في وضح النهار لحكومة مفترضة بأكملها أربك جماعة الحوثيين، وبرهن على انكشاف أمني غير مسبوق للجماعة في المواجهة الدائرة بينها وإسرائيل.

ورغم ضخامة الحدث فإنه لم يتبين للوهلة الأولى بسبب القبضة الحديدية التي تفرضها الجماعة على صنعاء وسياسة التعتيم المشددة التي تنتهجها على نشر وتداول المعلومات ولكن سرعان ما تسربت أخبار هذه "المذبحة" عن طريق مصادر طبية وعائلات ضحاياها التي تساءلت عن غياب رجالها ومصيرهم بعد الضربة الإسرائيلية، وبمرور الساعات اتضح حجم وفداحة الخسارة التي منيت بها الجماعة.

أف ب
يمنيون يرفعون لافتات اثناء تجمع للتضامن مع الفلسطينيين وادانة الولايات المتحدة واسرائيل في صنعاء في 29 اغسطس

عصر يوم الخميس الماضي انقضَّت مقاتلات إسرائيلية متطورة وشنت نحو عشر غارات جوية حيث ألقت بنحو 40 صاروخا على ما قال الجيش الإسرائيلي إنها مواقع عسكرية وتموينية تابعة لجماعة الحوثيين الموالية لإيران في داخل ومحيط مجمع دار الرئاسة اليمنية الذي تسيطر عليه الجماعة جنوب العاصمة صنعاء.

‏الهجوم وفقا لخبراء ومحللين عسكريين جاء ردا على إطلاق الحوثيين صاروخا بالستيا متطورا ومتعدد الرؤوس على وسط إسرائيل أحدث تحولا في طبيعة ونوعية الصدام بين إسرائيل وإيران بواسطة الحوثيين ونقل هذا الصدام من مجرد فعل ورد فعل إلى مواجهة استراتيجية خطيرة جديدة، ذات أبعاد عسكرية لا محدودة وبعيدة المدى.

اتهمت تل أبيب إيران بتحويل مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن إلى معمل لاختبار صواريخها المطورة بتقنيات عالية

اتهمت تل أبيب إيران بتحويل مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن إلى معمل لاختبار صواريخها المطورة بتقنيات عالية. وهذا أمر مؤكد بلا جدال، لكن الجديد فيه هذه المرة أنه يشهد اختبار فاعلية صاروخ من نوع مختلف، ذي قدرة تدميرية هائلة، وربما قادر على التمويه وخداع الدفاعات الإسرائيلية، الأمر الذي ينذر بإمكان عودة الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران ما لم تجر إعادة طرح خطورة البرنامج الصاروخي لطهران على نحو مماثل لبرنامجها النووي الذي تقول إسرائيل والولايات المتحدة إنهما تمكنتا من تدميره والحد من قدرة إيران على إعادة بنائه لسنوات عديدة قادمة، وكانت إيران قد أكدت مرارا على أن برنامجها الصاروخي ملف غير قابل للنقاش خلال أي تسوية مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

حرب الصورة


المشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي كانت وحدها كفيلة بالتعبير عن استخدام إسرائيل للصورة كوسيلة للحرب النفسية وإحداث الصدمة والرعب، فبعد أن كانت إسرائيل تقوم بتنفيذ هجماتها أثناء الليل بصواريخ متفجرة تخلق سحبا ضخمة من النيران والدخان في سماء محافظة الحديدة، فعلت بصواريخ وذخائر مختلفة ما هو أسوأ من ذلك في وضح النهار عصر الخميس الماضي وبأكثر من كتلة نيران هائلة روّعت أكثر من مليون مدني من سكان صنعاء، وانتشرت صورها في كل وسائل الإعلام المحلية والدولية، غير أن الهجوم الاستثنائي العسكري الإسرائيلي النوعي الأخير على العاصمة اليمنية بدا كأنه مؤشر على دخول خطة عسكرية واستخباراتية إسرائيلية حيز التنفيذ لاستهداف قادة جماعة الحوثيين، وفقا لما ذكره سابقا مسؤولون إسرائيليون سياسيون وعسكريون تصريحا لا تلميحا بأن ما فعلته تل أبيب في جنوب لبنان وإيران سوف يتكرر في اليمن، وأن انتظار تنفيذ ذلك لن يكون أكثر من وقت، ذلك أمر معلوم بحكم الإعلان عنه أو توقع رد الفعل الإسرائيلي المفترض على ما ترى فيه أنه رسائل إيرانية مهربة ينقلها ساعي البريد الحوثي من طهران عبر اليمن إلى قلب إسرائيل.

رويترز
رئيس الحكومة التابعة للحوثيين احمد الرهوي متوسطا النائب الاول لرئيس الوزراء محمد مفتاح وممثل حركة "حماس" في اليمن معاذ ابو شمالة اثناء زيارة الى مكتب الحركة في صنعاء في 19 اغسطس 2024

 بعد بدء اجتماع لما يفترض أنها حكومة الأمر الواقع (الصورية) في الداخل الخاضع لسيطرة جماعة الحوثيين برئاسة أحمد غالب الرهوي المنحدر من محافظة أبْيَن في جنوب البلاد، تداولت مصادر محلية متطابقة نبأ مصرع الرجل وعدد من أعضاء حكومته الشكلية في الغارات الجوية التي نفذتها مقاتلات إسرائيلية على منزل ربما كان الرجل يستخدمه لإدارة شؤون حكومته الافتراضية التي كانت تعمل بتوجيهات من وراء ستار لمسرح عرائس يحركه "الحرس الثوري" في إيران بواسطة ما يرى كثيرون أنها دمى صنعها الحوثيون للتواري خلفها.

إقرار حوثي


وفي أول اعتراف رسمي بخسائرها جراء الغارات الجوية الإسرائيلية قالت جماعة الحوثيين رسميا، مساء السبت الماضي، بمقتل الرهوي وعدد من وزراء "حكومة التغيير والبناء" إلى جانب إصابة آخرين بجروح متوسطة وخطيرة، دون الإفصاح عن هوية "الوزراء" الذين لقوا مصرعهم في هجوم "العدو الصهيوني" الذي توعدت الجماعة بأنه لن يمر دون رد فعل.

ما هي وظيفة "حكومات" الحوثيين؟ 


لا دور فعليا لمثل هكذا حكومة في إدارة الشأن العام لمناطق سيطرة الجماعة على أي مستوى سياسي أو اقتصادي أو عسكري وأمني سوى تمثيل غطاء شكلي وظاهري لنوع من القيادة يعمل تحت الأرض، تم تصميمه من قبل إيران ليبدو نموذجا مختلفا عن ذلك أخرجته في لبنان والذي حاولت أن تجعل منه جزءا من الدولة، وإن كان عصى معطِّلة لإدارة عجلة الدولة، بينما أرادت أن تجعل منه في اليمن الدولة أو نسخة مزيفة من الدولة، يرفع علم وشعارات الجمهورية، ويستخدم نفس مقارها ووسائل إعلامها وحتى بزات جيشها العسكرية للتغطية على روح سلالية طائفية "إمامية" للجماعة لم تعد قادرة أو ليست راغبة في إخفاء نفسها وهويتها في طبيعة السلطة التي تمثلها ومكوناتها الفاعلة التي تديرها وأدائها التنفيذي الذي يترجم عقيدتها المذهبية غير المشروعة وغير المنسجمة مع ثوابت الدولة الوطنية والمجتمع اليمني المتنوع والمتعايش.

ماذا يعنيه الهجوم الإسرائيلي؟


استهدف الهجوم الدائرة الأوسع المحيطة بالقيادة الفعلية للجماعة الحوثية، ما قد يشير إلى اقتراب إسرائيل من معرفة الحلقة الضيقة حول مركز وقلب هذه الدائرة وهو زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي إن لم تكن قد حددتها بالفعل، ولا يستبعد محللون أن إسرائيل تخطط لقطف رأسه في نهاية المطاف على غرار ما فعلته عقب حوادث "البيجر" مع زعيم "حزب الله" اللبناني حسن نصرالله وخليفته هاشم صفي الدين، ولم تشأ القضاء على خليفتهما نعيم قاسم لتبقي، بالتأكيد، على "حزب الله" فزاعة تبرر استمرار حربها في جنوب لبنان.

دلالة أخرى


واحدة من دلالات ما حدث، نهار الخميس الماضي، هي أن عامل شح المعلومات لدى إسرائيل وعنصر البعد الجغرافي، اللذين كانت جماعة الحوثيين تعتقد أنهما يفيدانها في الاتقاء أو الحد من أضرار الهجمات الإسرائيلية، لم يعودا كذلك بل سقطا تماما، بدليل وصول إسرائيل إلى "منزل" تجتمع فيه حكومة الجماعة وليس قصرا أو منشأة عامة يمكن تحديدها بواسطة الأقمار الاصطناعية، وذلك بعد حصولها على معلومات استخبارية مؤكدة عن المكان الذي استهدفته المقاتلات الإسرائيلية بعد انطلاقها في وقت معين وتحليقها لزمن محدد وتنفيذ مهمتها كما هو مخطط لها، ما يعني أن البعد الجغرافي لم يعد مشكلة إذا توفرت المعلومات الدقيقة عن الهدف المطلوب

إسرائيل ليست معنية بالصراع في الداخل اليمني بين الحوثيين ومناهضيهم اليمنيين قدر اهتمامها بالحد من قدرات الجماعة على إيذائها بذريعة نصرة الفلسطينيين في قطاع غزة

فضلا عن مصادرها المتنوعة وقدراتها التكنولوجية في التجسس والرصد والتعقب، لا يستبعد أن تكون إسرائيل قد درست تجارب حروب كثيرة في اليمن والعالم العربي كان أساسها إغراء المال لطلابه الكثر خصوصا في بلدان فقيرة كاليمن أو على غرار ما فعلته ولا تزال في بلدان أخرى كإيران وسوريا والعراق ولبنان.

ما هي أهداف إسرائيل في اليمن؟ 


السيناريو الإسرائيلي في اليمن قد لا يكون بالضرورة متطابقا تماما مع ما حدث في لبنان من حيث الأدوات والوسائل، لكن هدفه واحد، ووسيلته وآليته المشتركة هي التخلص من سلاح إيران الذي اعترف وزير دفاعها عزيز نصير زاده، صراحة قبل أيام، بأنه قائم على "بنى تحتية" في دول عدة.

رويترز
يمنيون قرب محطة وقود في صنعاء غداة تعرضها للقصف الاسرائيلي في 25 اغسطس

إسرائيل ليست معنية بالصراع في الداخل اليمني بين الحوثيين ومناهضيهم اليمنيين قدر اهتمامها بالحد من قدرات الجماعة على إيذائها بذريعة نصرة الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث يبدو أن تل أبيب لا تريد أن تبقي لصواريخ إيران الحوثية شاغلا لها عن السير نحو ضم واحتلال القطاع، ولكن لا مناص أمامها من توسيع نطاق ردها على الحوثيين كلما يتطلب الأمر ذلك، ومن جهتهم لا يكترث الحوثيون بأي رد فعل لإسرائيل مهما بلغت قوته طالما أنه يستهدف مقدرات اليمنيين ولا يصل إلى الجماعة مباشرة.

سياسة الاغتيالات


وغني عن القول إنه حتى هذه السياسة لن تجدي نفعا مع جماعة "جهادية" مسلحة كالحوثيين ما لم تترافق مع عمل بري ميداني، فهذه الجماعة، بحسب بحاثة في شؤونها، لن تتضرر بشدة من خسارة بعض قادتها، قادرة على إعادة بناء هرمها القيادي من داخلها.

بُعد سياسي آخر


على الرغم من عدم وجود رابط بين الهجوم الإسرائيلي على صنعاء والتطورات السياسية التي شهدتها قبله بنحو 24 ساعة، فإن نجاح جماعة الحوثيين في منع احتفال حزب "المؤتمر الشعبي العام" (جناح الداخل) بذكرى تأسيسه والضغط على لجنته العامة لفصل نجل مؤسسه، أحمد علي عبدالله صالح، يجعل جماعة الحوثيين في مرمى واحد أمام خصومها في الداخل والخارج وإن اختلفت حسابات وأهداف هؤلاء الخصوم.

font change