الخلافات الأميركية-الإسبانية تعزز المصالح التجارية والدفاعية للمغرب

التعريفات الجمركية ومساهمة مدريد في موازنة "الناتو" وقاعدة روتا" العسكرية ملفات على الطاولة

أ.ف.ب.
أ.ف.ب.
بارجة حربية أميركية ترسو في روتا الإسبانية، 3 مارس 2017

الخلافات الأميركية-الإسبانية تعزز المصالح التجارية والدفاعية للمغرب

بعد صيف ساخن وحرائق غابات، دخلت إسبانيا فترة برودة في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية بسبب خلافات تجارية وسياسية وأمنية ودفاعية، تمتد من الرسوم الجمركية على الواردات الأوروبية، وصولا إلى رفض زيادة نفقات حلف شمال الأطلسي الدفاعية، وإلغاء صفقة شراء مقاتلات "إف-35"، مرورا بالاعتراف بدولة فلسطين ومأساة غزة، ورفض الموانئ الإسبانية استقبال السفن الأميركية المتجهة إلى إسرائيل، وعزم واشنطن المعاملة بالمثل، بمنع سفن تجارية إسبانية الدخول إلى موانئ أميركية.

وقد تشمل العقوبات الأميركية المفترضة، نقل قاعدة "روتا" العسكرية من جنوب إسبانيا إلى المغرب، الذي يملك علاقات جيدة سياسية واقتصادية وأمنية، مع كل من واشنطن ومدريد. وتقدر المبادلات التجارية مع الولايات المتحدة بـ8 مليارات دولار، وتصل إلى 25 مليار دولار مع إسبانيا، التي تتشارك مع المغرب استضافة نهائيات كأس العالم 2030. وتجد الرباط نفسها وسط خلاف بين حلفاء، قد يخدم مصالحها في تعزيز مركزها في البحر الأبيض المتوسط وشمال غرب أفريقيا وداخل حلف الناتو، الذي يحظى فيه المغرب بوضع الشريك المميز.

واستبعدت مصادر ديبلوماسية حدوث تدهور أو قطيعة في العلاقات الأميركية-الأيبيرية، لحاجتهما إلى بعضهما، وأهمية مضيق جبل طارق في مرور التجارة الدولية، وهو الممر الذي تراقبه المملكة المتحدة إلى جانب إسبانيا والمغرب.

خلافات بدأت من التعريفات الجمركية

ولم تخف مدريد امتعاضها من قرار الرئيس دونالد ترمب رفع التعريفات الجمركية، وتأثيره السلبي على الصادرات الإسبانية نحو الأسواق الأميركية. وأصدر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بيانا مشتركا في 21 أغسطس/آب عن اتفاقية التجارة الجديدة ، تم التوصل إليها في اسكتلندا في 27 يوليو/ تموز، بين الرئيس ترمب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. وأكد البيان اعتماد تعريفات بنسبة 15 في المئة على معظم المنتجات الأوروبية المصدرة عبر المحيط الأطلسي، مثل السيارات والأدوية وأشباه الموصلات والخشب. وشبه إعفاء على الواردات من الولايات المتحدة. وبلغت المبادلات التجارية بين مدريد وواشنطن العام المنصرم نحو 46 مليار دولار، تمثل أقل من 5 في المئة من إجمالي تجارة الاتحاد الأوروبي مع "العم سام".

سنلتزم بنسبة 2.1 في المئة فقط كسقف لمساهمتنا العسكرية داخل حلف شمال الأطلسي، فهي النسبة التي تنسجم مع قدراتنا المالية وبرامجنا الاقتصادية والاجتماعية، زيادة الإنفاق الدفاعي لا تمثل رؤيتنا للعالم

بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الإسباني

وبلغت الصادرات الإسبانية 21,5 مليار دولار، شملت زيت الزيتون ومواد غذائية أخرى بقيمة 3 مليارات دولار، وسيارات بملياري دولار، ومواد تجهيز بـ1,3 مليار دولار. واستوردت إسبانيا ما قيمته 8 مليارات دولار من الطاقة والغاز، من إجمالي واردات بقيمة 24,6 مليار دولار. وقد تستفيد إسبانيا من زيادة صادرات الغاز الأميركية إلى دول الاتحاد، بفضل موانئها المتخصصة، لكنها تسجل عجزا يقدر بثلاثة مليارات دولار.

على عكس ألمانيا وإيطاليا وإيرلندا التي تسجل فائضا تجاريا كبيرا، يبرر رفع الرسوم الجمركية. وتعتبر إسبانيا القوة الاقتصادية الرابعة في الاتحاد الأوروبي، بناتج إجمالي يقدر بـ1,8 تريليون دولار في نهاية عام 2025، وتحتل المرتبة 12 في ترتيب الاقتصاد العالمي. وهي تحقق أعلى معدل نمو أوروبي إلى جانب بولندا.

.أ.ف.ب
رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، يتحدث في مؤتمر صحافي عن فرض حظر تصدير السلاح إلى إسرائيل، في مقر الحكومة في مدريد 8 سبتمبر 2025

ونُقل عن رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانيشر "إننا غير متحمسين [لتطبيق] هذه القرارات، لكننا نقبل بنتائج المفاوضات التجارية". وترغب مدريد في إبقاء نوع من التوازن في علاقتها مع أميركا والصين لدواع اقتصادية وجيوسياسية، لكنها ملتزمة مواثيق الاتحاد الأوروبي، وقرارات بروكسيل، وعضويتها في حلف الأطلسي.

وتساءل كثيرون عن سبب غياب سانشيز عن قمة البيت الأبيض، التي شارك فيها قادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وحلف شمال الأطلسي، للاطلاع على مخرجات لقاء ترمب- بوتين في ألاسكا في 15 أغسطس/آب الماضي، وهل لذلك علاقة بالخلاف حول ميزانية حلف الأطلسي العسكرية؟

خلاف حول زيادة النفقات العسكرية للناتو

خلال قمة شمال حلف الأطلسي التي عقدت في لاهاي بهولندا في يونيو/حزيران وحضرها قادة 32 دولة، كان بيدرو سانشيز الرئيس الوحيد الذي رفض نسبة الـ5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، التي اقترحها الرئيس ترمب لرفع موازنة الدفاع المشترك، وتوفير غطاء دفاعي لأوكرانيا، عبر شراء أسلحة أميركية من تمويلات أوروبية. وقال سانيشيز "سنلتزم بـ2,1 في المئة فقط، كسقف مساهمتنا العسكرية داخل الحلف، لأنها نسبة توافق قدراتنا المالية، وبرامجنا الاقتصادية والاجتماعية". وأضاف "أن زيادة نفقات الدفاع، لا تمثل رؤيتنا للعالم".

رأت واشنطن في إقدام مدريد على إلغاء صفقة "إف-35" تبخيسا للقدرات العسكرية والتكنولوجية للمقاتلات الأميركية. وقال محللون عسكريون إن الولايات المتحدة غاضبة من إسبانيا التي تتجه نحو تقليص اعتمادها على أنظمة التسليح الأميركية

ومنذ عقود تعتمد إسبانيا إنفاقا ضعيفا للمشتريات العسكرية، بسبب علاقتها الجيدة مع جيرانها في التكتل الأوروبي والاتحاد المغاربي. وبلغت موازنة الدفاع العام المنصرم 1,2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ولا تُظهر إسبانيا أي رغبة في خفض الإنفاق الاجتماعي، أو زيادة الضرائب، لتمويل زيادة المشتريات العسكرية. وهناك توجس شعبي من جر إسبانيا إلى نفقات إضافية على حساب التنمية والتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية. وهو موقف غالبية الشعب في كل استطلاعات الرأي.

التخلي عن شراء "إف-35": الخلاف الكبير

في مطلع أغسطس/آب، أعلنت إسبانيا رسميا التخلي عن شراء المقاتلات الأميركية المتطورة من طراز"إف-35" الجيل الخامس "لايتنينغ 2" الشبحية، وقالت إنها تفضل التركيز على تطوير مقاتلات "يوروفايتر تايفون"، والمضي في برنامج "نظام القتال الجوي المستقبلي" (Futur Combat Air System). ونقلت صحيفة "إلباييس" عن وزارة الدفاع الإسبانية أن "هذا التحوّل يعكس التزام تعزيز الصناعات الدفاعية الأوروبية".

أ.ف.ب.
بارجة حربية ترسو قرب قاعدة أميركية - إسبانية في مدينة روتا جنوب إسبانيا 17 يونيو 2025

وكشفت المصادر أن موازنة الدفاع الإسبانية زادت بمقدار 10,5 مليارات يورو السنة الجارية، خصص جزء منها لشراء الـ"إف-35" الأميركية، التي تنتجها شركة "لوكهيد مارتن". إلا أن هذه الأموال أُعيد توجيهها لاقتناء أنظمة أوروبية، وابقاء مقاتلات "إيه. في.-8 بي. هاريير 2" (AV-8B Harrier II) القديمة. وتعاقد سلاح الجو الاسباني لشراء 45 مقاتلة "تايفون" جديدة، يبدأ تسليمها اعتبارا من عام 2026، على أن يتم استخدام مقاتلة الجيل الخامس عام 2040. في المقابل، قالت المصادر "إن البرنامج الجوي الأوروبي يواجه تحديات تتعلق ببطء التنفيذ وخلافات حول توزيع المهام الصناعية وحقوق الملكية الفكرية".

قاعدة "روتا" من إسبانيا إلى المغرب؟

رأت واشنطن في إقدام مدريد على إلغاء صفقة "إف-35" تبخيسا للقدرات العسكرية والتكنولوجية للمقاتلات الأميركية. وقال محللون عسكريون "إن الولايات المتحدة غاضبة من إسبانيا التي تتجه نحو تقليص اعتمادها على أنظمة التسليح الأميركية، في خطوة تميّزها عن دول أوروبية، مثل ألمانيا وفنلندا وبلجيكا وسويسرا، التي اختارت مقاتلة 'إف-35 إيه' لتحديث أساطيلها". وقالت المصادر إن واشنطن تدرس نقل قاعدتها العسكرية في روتا من جنوب إسبانيا نحو المغرب. وأضافت "أن مفاوضات تجري مع المملكة التي تحتضن مقر مناورات الأسد الأفريقي في مدينة أغادير، وقد تحتضن مقر القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا 'أفريكوم'". ولم يتسن تأكيد هذه المعلومات من الطرف المغربي.

المغرب شريك استراتيجي لا غنى عنه للولايات المتحدة، في منطقة شمال أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، وتعزيز الشراكة لن يقتصر على الجانب السياسي والديبلوماسي فحسب، بل سيتوسع ليشمل التعاون الأمني والعسكري

ريتشارد بوكان الثالث، السفير الأميركي الجديد في الرباط

لدى الولايات المتحدة 38 قاعدة في أوروبا، منها روتا الاسبانية، التي تحوي خمس مدمرات تشكل جزءا من درع صاروخية تحمي أوروبا. لكن مطالب ترمب المتكررة بدفع المزيد في مقابل دفاعها، أثارت مخاوف حقيقية حول مستقبل القاعدة العسكرية.

ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن مايكل والش من معهد أبحاث السياسة الخارجية، أن "المغرب يمكنه أن يقدم للولايات المتحدة بديلا سياسيا أقل خطورة من إسبانيا".  

وليست المرة الأولى التي يذكر المغرب كبديل لروتا وفق المصادر نفسها. وقالت الصحيفة البريطانية "إن المغرب يملك علاقات قوية مع ترمب منذ عام 2020، وقام بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهي خطوة ينظر إليها على أنها تتوافق بشكل وثيق مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، كانت الحكومة الإسبانية ذات الميول اليسارية، على علاقة متوترة مع ترمب".

وقال ريتشارد بوكان الثالث، السفير الأميركي الجديد في الرباط "إن الولايات المتحدة متمسكة بمواقفها الثابتة بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية". وأضاف في جلسة استماع في مجلسي الكونغرس (الشيوخ والنواب) لمنح الثقة، "المغرب شريك استراتيجي لا غنى عنه للولايات المتحدة، في منطقة شمال أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، وتعزيز الشراكة لن يقتصر على الجانب السياسي والديبلوماسي فحسب، بل سيتوسع ليشمل التعاون الأمني والعسكري، فضلا عن توسيع آفاق التعاون الاقتصادي ونقل التكنولوجيا".

استبعاد موانئ إسبانية من طريق التجارة الأميركية

تزامن خلاف التسليح الجوي ومستقبل القواعد العسكرية، مع خلاف بحري هذه المرة، بعد أن قررت الولايات المتحدة استبعاد موانئ إسبانية من طريق الملاحة التجارية الأميركية الإستراتيجية، التي تربطها بموانئ آسيوية في اليابان وكوريا الجنوبية والصين والهند والشرق الأوسط. وتم استبدال ميناء الجزيرة الخضراء الإسباني، بميناء طنجة المتوسط على بعد 9 أميال إلى الجنوب في المياه المغربية. وبحسب وسائل إعلام أميركية "صنف ميناء طنجة المتوسط كمركز محوري للملاحة البحرية الأميركية بين الغرب والشرق". ويجري الكونغرس الأميركي عبر لجنة الشحن البحري تحقيقا فيديراليا حول ظروف وخلفيات رفض ميناء الجزيرة الخضراء، السماح باستقبال عدد من السفن الأميركية، وتزويدها المياه والطاقة، من بينها "ميرسك دنفر" و"ميرسك سلتر".

رويترز
سيارات مصنعة في المغرب استعدادا لتصديرها إلى الخارج، في ميناء طنجة، 6 يونيو 2024

واعتبرت واشنطن أن رفض استقبال سفن شحن لحساب مؤسسات أميركية استراتيجية عمل غير مقبول، من دولة عضو في حلف شمال الأطلسي. ومن المتوقع نشر نتائج التحقيق قبل نهاية السنة الجارية. ويعتبر طريق الشحن البحري الأميركي جزءا من برنامج الأمن البحري، الذي يدعم القدرات اللوجستية العسكرية في أوقات الأزمات. وفي حال ثبوت أي انتهاكات، قد تواجه إسبانيا غرامات مالية، إلى جانب قيود محتملة على دخول بعض السفن الإسبانية للموانئ الأميركية. وفي حال تطبيق مثل هذه القرارات قد تتضرر التجارة كثيرا، وترتفع تكلفة الشحن وأخطار التأمين على البضائع الإسبانية المتجهة الى الأسواق الأميركية.

عدم الرضا على التعاون التكنولوجي مع الصين

لم تنظر واشنطن بعين الرضا لتعاقد الحكومة الإسبانية مع شركة "هواوي" الصينية لتزويدها خوادم حواسيب (servers)، لمنصة متخصصة في اعتراض الاتصالات الفضائية. وترى الإدارة الأميركية في التقارب مع الصين في هذه المجالات الاستراتيجية، تهديدا لاختراق قاعدة بيانات المنظومة الأمنية الأوروبية "سيتل" (SITEL). وهو موضوع له حساسية بالغة، على الرغم من أن قيمته السوقية تقدر ببضعة عشرات ملايين الدولارات فقط. وهذه نقطة خلافية، تخفي معارضة أميركية للتوسع الصيني في إسبانيا بعد إنشاء مصانع لتركيب السيارات الكهربائية في مقاطعة كاتالونيا شمال البلاد لإنتاج علامات "تشيري" و"جيلي".

يرى مراقبون إن علاقات البلدين تمر بمرحلة فتور غير مسبوقة، والحكومة الاسبانية الاشتراكية اليوم من بين أشد المخالفين لتوجهات الإدارة الأميركية، خصوصا في قضايا الشرق الأوسط والرسوم الجمركية

وكانت زيارة سانشيز للصين قبل أشهر، اعتبرت خطوة غير مرحب بها أميركيا، لكنها سعت من جانب آخر إلى إبعاد مدريد عن "الكماشة الترمبية"، ومحاولة لعب دور الوسيط التجاري بين الاتحاد الأوروبي والصين في مجال التعريفات الجمركية، ردا على التعريفات الأميركية.

الفتور الأكبر منذ ربع قرن

يقول مراقبون إن علاقات البلدين تمر بمرحلة فتور غير مسبوقة، منذ أن كانت مدريد أحد أكثر المتحمسين الأوروبيين لغزو العراق عام 2003، بينما الحكومة الاشتراكية اليوم من بين أشد المخالفين لتوجهات الإدارة الأميركية، خصوصا في قضايا الشرق الأوسط، والرسوم الجمركية.

أ.ف.ب.
بكرات الألمنيوم في مصنع بمدينة سستاو في إقيليم الباسك، إسبانيا 7 أبريل 2025

وعلى الرغم من سعي الاشتراكيين الإسبان الحفاظ على التقارب التاريخي مع الولايات المتحدة، وجعل هذا التقليد جزءا من الهوية الجيوسياسية لبلدهم منذ نهاية الحرب الباردة عام 1991، فإن الائتلاف السياسي المكون من الاشتراكيين والانفصاليين الكاتالونيين والباسكيين، واليسار المتطرف، والشيوعيين المعادين لأميركا "يجعل معارضة توجهات الرئيس ترمب تحظى بشعبية كبيرة في إسبانيا"، وفق مصادر إعلام محلية. "لدى إسبانيا حكومة ائتلافية، تضم أقصى اليسار المتطرف المناهض التاريخي للسياسة الأميركية، بما فيها حرب أوكرانيا حاليا".

اليسار الاسباني ضد الإمبريالية الأميركية

في حديث مع صحيفة "لوموند" الفرنسية، قال المؤرخ الاسباني بنوا بيليستراندي "لقد ساعد رد الفعل المعارض للرئيس ترمب في تعزيز موقع الحكومة الاشتراكية، بعد أن كانت في وضع سياسي هش للغاية، تمكنت من إعادة تشكيل التحالف غير المتجانس".

وأضاف "هناك معارضة في الائتلاف الحكومي ضد زيادة الانفاق الدفاعي، على حساب البرامج الاجتماعية، ومناهضة تعميق العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة، وبقية أعضاء حلف الأطلسي". ويبدو هامش المناورة ضعيف أمام رئيس الحكومة، الذي بدوره لا يتفق مع جيرانه الأوروبيين حول طبيعة التهديد الروسي على طول الحدود الشرقية. وهي وجهة نظر تتقاسمها الأحزاب الاشتراكية واليسارية في مجموع أوروبا، بسبب الماضي المشترك ضد ما تسميه "الإمبريالية الأميركية"، وفقا للمؤرخ الاسباني.

جذور الأزمة كانت في البحر

الحقيقة أن الفتور في العلاقات بدأ قبل عودة ترمب إلى السلطة. وقالت وسائل إعلام  إسبانية "إن جذور الأزمة تعود إلى نوفمبر/تشرين ثاني 2024، عندما رفضت الحكومة السماح لسفن حاويات أميركية بالتوقف في الجزيرة الخضراء، بسبب الاشتباه في نقلها مواد عسكرية لإسرائيل". وقد بررت الحكومة الإسبانية قرارها بالسيادة الوطنية، مما دفع لجنة الملاحة البحرية الفيديرالية الأميركية إلى فتح تحقيق في "الممارسات الإسبانية" واتخاذ قرار استبعادها من برنامج الاتفاقية الاستراتيجية للأمن البحري للولايات المتحدة (MSP)، وهو برنامج يضمن توفير أسطول تجاري تحت تصرف البنتاغون في أوقات الأزمات. وتنقل شركات مثل "ميرسك"، شحنات عسكرية ومدنية وإمدادات صناعية، وتتوقف بانتظام في قواعد أميركية أو حليفة لحلف شمال الأطلسي.

وكتبت صحيفة "إيه. بي. سي." اليمينية أن "الولايات المتحدة أصبحت تفضل ميناء طنجة المتوسط على ميناء الجزيرة الخضراء، كنقطة محورية في التجارة العالمية"، وقالت "إن المغرب تحول في السنوات الأخيرة إلى أحد أبرز الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة في العالم العربي وأفريقيا، باتفاق من الحزبين الجمهوري والديمقراطي". هذا التمييز لصالح بلد يقل اقتصاده عشر مرات عن الاقتصاد الاسباني، يغيظ أحزاب أقصى اليمين المتطرف، التي ترى في دول الجنوب تهديدا وجوديا لأوروبا البيضاء، التي طردت الموريسكيين من الأندلس نحو المغرب عام 1492.

font change