مخاوف مصر والسودان تتصاعد بعد تدشين سد النهضة الإثيوبي

الاحترار العالمي وموجات الجفاف يزيدان صعوبة الحصول على المياه في شمال افريقيا

.أ.ف.ب
.أ.ف.ب
علم أثيوبيا أمام سد النهضة، في حفل افتتاح السد في منطقة جوبا 9 سبتمبر 2025

مخاوف مصر والسودان تتصاعد بعد تدشين سد النهضة الإثيوبي

دشنت إثيوبيا سدها الكهرمائي الضخم، وهو المشروع الذي أثار جدلا واسعا لسنوات، إذ يعد بأن يحقق فوائد اقتصادية لهذا البلد الذي ليس له منفذ على البحر وشرق أفريقيا، لكنه في الوقت نفسه ينذر بتراجع إمدادات المياه وما يترتب على ذلك من تداعيات اقتصادية وخيمة على مصر والسودان.

وخلال حفل الافتتاح، كرر رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد تفاؤله بأن يمهد المشروع الطريق للازدهار في المنطقة، وأكد أن الدول الواقعة أسفل مجرى النهر لن تتضرر منه. غير أن الاحتفال لا يعدو أن يكون سوى تجسيد لإصرار إثيوبيا على المضي قدما في مواجهة عدم اليقين الذي يحيط بالتأثير الكامل لسد النهضة الإثيوبي الكبير على دول شرق أفريقيا أو مصر والسودان.

يعد سد النهضة الإثيوبي الكبير من أكبر السدود الكهرمائية في العالم، وقد استغرق إنجازه 14 عاما، وكلف بناؤه نحو 5 مليارات دولار، وذلك استثمار ضخم لهذا البلد الفقير في القرن الأفريقي الذي ينظر إليه بمثابة مصدر فخر وطني.

غير أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب قال أخيرا إن بلاده مولت المشروع إلى حد كبير، وهو ادعاء نفته إثيوبيا بشدة. وقالت فكرتي تامير، نائبة مدير مكتب تنسيق سد النهضة الإثيوبي الكبير، إن السد بُني "دون أي مساعدة أجنبية".

لا يزال من غير الواضح مقدار الضرر الذي يمكن أن يلحقه السد بمصر والسودان. ويقول الخبراء إن الدولتين الواقعتين أسفل النهر قد تعانيان من نقص خطير في المياه في موسم الجفاف، لكن لم يتحقق هذا السيناريو حتى الآن

يعيش نصف سكان إثيوبيا، أي ما يقارب 60 مليون نسمة، بدون كهرباء وفقا للبنك الدولي. وتعاني الدول المجاورة، مثل كينيا والسودان وتنزانيا، من نقص متفاوت في الطاقة الكهربائية، وتجد صعوبة بالتالي في تنمية اقتصاداتها.

وتسعى إثيوبيا لتحقيق إيرادات تبلغ 427 مليون دولار من صادرات الطاقة الكهربائية إلى الدول المجاورة في السنة المالية الحالية، غير أن دول شرق أفريقيا، ولا سيما تلك التي ليس لها منفذ على البحر، تعاني من تخلف شديد، وسيكلفها بناء البنية التحتية وتجديدها مليارات الدولارات. وقد يؤدي ذلك إلى مواجهة صعوبة في الاستفادة الكاملة من سعة سد النهضة البالغة 5150 ميغاواط. ففي غياب البنية التحتية اللازمة، ستظل أنحاء واسعة من إثيوبيا وشرق أفريقيا على الأرجح من دون كهرباء في الأمد القريب إلى المتوسط.

.أ.ف.ب
رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد، يتحدث خلال افتتاح سد النهضة، منطقة جوبا 9 سبتمبر 2025

لا يزال من غير الواضح مقدار الضرر الذي يمكن أن يلحقه السد بمصر والسودان. ويقول الخبراء إن الدولتين الواقعتين أسفل النهر قد تعانيان من نقص خطير في المياه في موسم الجفاف. لكن هذا السيناريو لم يتحقق حتى الآن، على الرغم من أن إثيوبيا كانت تملأ خزان سدها في السنوات الخمس الماضية. بيد أن هذا الاحتمال يظل قائما ما دام لم يتم التوصل إلى اتفاق لتنظيم تدفق المياه عبر الحدود من إثيوبيا.

وقد دعت مصر والسودان مرات عديدة إلى إبرام مثل هذا الاتفاق الثلاثي في السنوات العشر الماضية، لكن إثيوبيا تجاهلت مطلبهما على نحو متكرر.

تستأثر الزراعة بنسبة هائلة تبلغ 85 في المئة من استهلاك المياه في مصر. ويعني ذلك أن سد النهضة يمكن أن يؤثر على المحاصيل، ومن ثم على أسعار المواد الغذائية في البلاد، في حال حدوث جفاف

وفي حين انغمس السودان في اضطرابات سياسية وحرب أهلية مستمرة منذ سنوات، فإن مصر ظلت المعارض الرئيس لسد النهضة. وبما أنها الدولة العربية الأكثر اكتظاظا بالسكان فإنها تواجه أشد الضرر من تبعاته.

حصة مصر والعجز المائي

يقع سد النهضة على النيل الأزرق، وهو الرافد الذي يوفر أكثر من 85 في المئة من مياه نهر النيل التي تمر عبر السودان ومصر. وتحصل مصر على 97 في المئة من مياهها، من النيل. ويخشى الخبراء أن تتعرض هذه الحصة للخطر، فيما تعاني مصر بالفعل من عجز سنوي في المياه. ويبلغ خط الفقر المائي 1000 متر مكعب للفرد سنويا، في حين لا يتجاوز نصيب الفرد في مصر حاليا نصف هذه الكمية تقريبا.

.أ.ف.ب
بحيرة سد النهضة في منطقة جوبا الأثيوبية، 19 فبراير 2022

ومع تفاقم الاحترار العالمي، ازدادت موجات الجفاف التي تضرب عددا من الدول الأفريقية مثل المغرب وتونس وكينيا والصومال، فضلا عن مناطق أخرى من العالم. وذلك يجعل الحصول على المياه أمرا أشد صعوبة في كل أنحاء العالم.

الأخطار على الزراعة في مصر

تستأثر الزراعة بنسبة هائلة تبلغ 85 في المئة من استهلاك المياه في مصر. ويعني ذلك أن سد النهضة يمكن أن يؤثر على المحاصيل، ومن ثم على أسعار المواد الغذائية في البلاد، في حال حدوث جفاف. وتشكل المنتجات الزراعية جزءا رئيسا من صادرات مصر، التي بلغت 4.6 مليارات دولار في عام 2024 من إجمالي 40.8 مليار دولار من الصادرات غير النفطية.

وقد يؤدي تراجع مياه الري إلى انخفاض الصادرات الزراعية، فيما تحاول الحكومة خفض عجزها التجاري الذي يتجاوز 4 مليارات دولار. وعانت مصر من أزمة سيولة استمرت عامين بسبب الحرب في أوكرانيا.

يوفر السد العالي لمصر مخزونا مائيا يشكل هامش أمان، ولجأت الحكومة المصرية في السنوات الأخيرة إلى إجراءات لترشيد الاستهلاك، شملت تحديث أساليب الري وتوسيع التحلية

كما أدى تراجع رسوم عبور السفن التجارية قناة السويس نتيجة هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، ونقص الغاز، إلى تفاقم مشكلاتها في السنوات القليلة الماضية.

.أ.ف.ب
احتفال بمناسبة افتتاح سد النهضة في منطقة جوبا، 9 سبتمبر 2025

غير أن التوصل إلى صفقات عقارية في عامي 2024 و2025 ساهم في إنعاش الاقتصاد المصري قليلا. وتبذل الحكومة منذ ذلك الحين جهودا حثيثة لتعزيز الصناعة والصادرات تفاديا لحدوث أزمة مالية أخرى.

إجراءات للحد من الأخطار

في كل الأحوال، لا يُتوقع أن يكون تأثير سد النهضة على حصة مصر من المياه كبيرا، حتى في حال حدوث جفاف، إذ توفر مخزونات المياه في السد العالي للبلاد هامش أمان.

وفي السنوات الأخيرة، لجأت الحكومة إلى إجراءات لترشيد استهلاك المياه، من بينها استخدام تقنيات ري حديثة، وإنشاء محطات لتحلية المياه، وحظر زراعة المحاصيل التي تحتاج إلى ري مكثف.

ويقول الخبراء إن هذه المشروعات، التي أضافت مليارات الدولارات إلى الإنفاق العام في مصر في السنوات المنصرمة، قد ساهمت في تقليل حدة نقص المياه الناجم عن سد النهضة. ولكن كيف ستكون حال البلاد إذا ضربها الجفاف وخفض سد النهضة تدفق المياه؟

font change