تزامنا مع المسألة الكردية... علويو تركيا يتطلعون لحل مسألتهم

يعرفون أن نقطة ضعفهم الرئيسة هي عدم وجود تنظيمات سياسية تمثلهم

أ.ف.ب
أ.ف.ب
أعضاء من الطائفة العلوية في تركيا يرفعون قبضاتهم خلال احتجاج للمطالبة بالاعتراف ببيوت العبادة العلوية، أمام الجمعية الوطنية التركية الكبرى في أنقرة في 8 نوفمبر 2022

تزامنا مع المسألة الكردية... علويو تركيا يتطلعون لحل مسألتهم

منذ أوائل شهر مارس/آذار المنصرم، وبعد دعوة زعيم "حزب العمال الكردستاني" عبد الله أوجلان مقاتلي حزبه إلى التخلي عن الكفاح المسلح وتفكيك ما بحوزتهم من تنظيمات وبنى عسكرية، والانخراط في عملية سلام تبتغي بناء "الدولة والمجتمع الديمقراطي" كأساس لحل المسألة الكردية في تركيا، صارت الجمعيات الدينية والتنظيمات المدنية العلوية في تركيا تنظم ذاتها وتؤطر مطالبها السياسية والدينية والخدمية، معتبرة أن "القضية العلوية" في تركيا لا تقل حساسية وأهمية عن نظيرتها الكردية. فتنظيمات كبرى مثل اتحاد الجمعيات العلوية الديمقراطية (DAD) واتحاد البكتاشية العلوية (ABF)، أعلنوا تأييدهم لدعوة أوجلان، وطالبوا الحكومة والأحزاب السياسية بأن تكون تلك فاتحة لحل جميع قضايا البلاد، وعلى رأسها "القضية العلوية"، حسب تعبيرهم.

بمستويات مختلفة، لا يصنف ولا يُعرّف العلويون في تركيا أنفسهم بوصفهم عقيدة دينية فحسب، بل بوصفهم "شعبا"، أو "جماعة متمايزة" على الأقل، ضمن الكل التركي، ذات هوية وذاكرة وأواصر تضامن وتطلعات موحدة. لكن أهم ما يعتبره العلويون سببا لتكاتفهم الداخلي و"كفاحهم" المشترك هو شعورهم المشترك بانتهاك حقوقهم واستبعادهم المستدام من مراكز السلطة والقرار، وإهمال مناطقهم وعدم الاستجابة لمطالبهم التاريخية، وفوق ذلك ارتُكب الكثير من المجازر بحقهم خلال مراحل مختلفة من تاريخ تركيا الحديث، جراء هويتهم العلوية.

يُقدر تعداد العلويين في تركيا بقرابة 15 مليون نسمة، ويتوزعون في مختلف مناطق البلاد، تحديدا في الهضاب الوسطى والجنوبية، ويتوزعون على كافة الجماعات العرقية، الأتراك والأكراد والعرب. ويشكك العلويون على الدوام بـ"حيادية الدولة" المُدعاة عبر النظام العلماني، ويصرون على أن النواة الصلبة للنظام الحاكم محتكرة بيد أبناء جماعة أهلية بذاتها "الأتراك المسلمون السُنة الأناضوليون"، ومؤسسات الدولة ومواثيقها وأنظمتها العامة تعمل حسب الإرادة العامة لتلك النواة، ما يُهمش العلويين ويُعرضهم لضغوط مستدامة، خصوصا خلال سنوات حُكم الأحزاب اليمينية/الإسلامية.

يعرف العلويون أن نقطة ضعفهم الرئيسة هي عدم وجود تنظيمات سياسية تمثلهم في الحقل العام، مثل الأكراد، الذين تجاوزوا العقبات القانونية والسياسية عبر أحزاب لا تعبر صراحة عن هويتها الكردية شكليا

هكذا يقرأ العلويون المشهد التركي

يشرح الناشط السياسي أركن يلدز الواقع السياسي الراهن للعلويين في تركيا، ونوعية مطالبهم السياسية التاريخية، التي يعتقدون أن الفرصة متاحة راهنا لتحقيق بعضها على الأقل، ويضيف في حديث مطول مع "المجلة": "راهنا، وبسبب عملية السلام الجارية بين الدولة و(حزب العمال الكردستاني)، ثمة شعور عارم داخل النُخب والقواعد الاجتماعية والتنظيمات العلوية بإمكانية حل ما يعتبرونها قضيتهم. فالقضية الكردية التي صنفتها الدولة طوال قرن كامل كـ(خط أحمر)، لأنها تمس البنية الكيانية للدولة، صارت تجد في الراهن مسارات ما للحل، فلماذا لن يحدث الأمر نفسه بالنسبة لـ(المسألة العلوية)؟ خصوصا في حال حدوث ضغوط شعبية وسياسية عليها في المستقبل المنظور، بالذات في أوقات حلها للمسألة الكردية. يتراكب ذلك مع إحساس من قِبل قادة التنظيمات العلوية يقول إن الدولة التركية تتعرض لضغوط واضحة جراء التحولات الإقليمية، تدفعها للاعتقاد بأن هشاشة بنيتها الداخلية قد تكون ذات تأثير سلبي مستقبلي كبير عليها، وأنها يجب أن تتخذ مجموعة من الإجراءات الجذرية لتقوية تلك البنية، ولأجل ذلك يمكن لها أن تستجيب للمطالب العلوية".

أ.ف.ب
أعضاء من الطائفة العلوية في تركيا يحملون صور الضحايا أثناء مسيرة في أنقرة في 2 يوليو 2019، لإحياء الذكرى السادسة والعشرين لهجوم الحريق المتعمد على فندق ماديماك الذي أودى بحياة 37 شخصًا في مدينة سيواس الأناضولية.

يتابع الناشط المقرب من الجمعيات العلوية التركية أركن يلدز حديثه مع "المجلة" شارحا الأوضاع الداخلية لأبناء الطائفة قائلا: "يعرف العلويون أن نقطة ضعفهم الرئيسة هي عدم وجود تنظيمات سياسية تمثلهم في الحقل العام، مثل الأكراد، الذين تجاوزوا العقبات القانونية والسياسية عبر أحزاب لا تعبر صراحة عن هويتها الكردية شكليا، لكن (حزب ديمقراطية الشعوب) هو كذلك فعليا. بالنسبة للعلويين ثمة أواصر داخلية ورأي عام وقبول بتوجيهات قادة التنظيمات، لكن دون أي حزب سياسي معبر. لأجل ذلك يتوخون تحقيق اعتراف رسمي بهم، كطائفة دينية، سواء مثل الطائفة السُنية، أو باقي الطوائف المسيحية واليهودية في تركيا. فمعظم المؤسسات الدينية/الطائفية التي قد تحقق لهم تنظيما داخليا مستداما وشرعيا، وممولا من الدولة. فدور العبادة العلوية (جامي) وطبقة رجال الدين لديهم (دادا) ومثلها المديرية العامة لشؤونهم الدينية وأنظمة التعليم في أوساطهم، كلها جهات غير معترف بها".

تاريخيا كان العلويون أعضاء فاعلين في "حزب الشعب الجمهوري"، لاعتباره القوة السياسية العلمانية شبه الوحيدة في البلاد، وتاليا القادر على خلق نوعٍ من المساواة الظاهرية في الحياة العامة

يختصر الباحث يلدز مطالب العلويين في ثلاثة مستويات، تتمحور كلها حول ضرورة مساواة الجماعات الدينية والطائفية في البلاد، مثلما يطالب الأكراد بالمساواة القومية والعرقية: "الاعتراف بدور العبادة العلوية (جامي) هو جوهر مطالب أبناء الطائفة العلوية، لأن حدوث ذلك سيوفر بنية تضامن داخلي لأبناء الطائفة، سيخلق تنظيمات موضوعية ومرجعيات اجتماعية قادرة على ضبط أبناء الطائفة، الأجيال الأصغر خصوصا، فهؤلاء لا يمارسون أي نشاطات دينية، بسبب الوضع الملتبس لدور العبادة، خصوصا في المُدن الكبرى من البلاد. لا تعترف الدولة بتلك الدور أماكن للعبادة، بل بوصفها مؤسسات (ثقافية روحية مدنية)، ولأجل ذلك لا تحظى بأية رعاية مالية أو تنظيمية من قِبلها، كما هي عشرات آلاف المساجد والجوامع والعاملين في البلاد. لا يفصل العلويون ذلك عن مطلب إلغاء دروس التربية الدينية في المدراس. فهذه الأخيرة (إسلامية سُنية) ما يعرض أبناءهم لنوع من الإدماج الديني الفوقي. لأجل ذلك يرى العلويون أن البنية التربوية/المدرسية إما أن تصبح علمانية تماما، أي خالية من أية نزعات دينية/طائفية في مناهج التربية الدينية والتاريخ والأدب، أو أن تحوي تلك المناهج توازنا طائفيا فيما تعلمه للطلبة. ومع الأمرين يتطلعون لإلغاء مكتب (الشؤون العلوية) في وزارة الثقافة التركية، لأنها تعمل كمؤسسة كبرى لـ(تمييع) الوضع العلوي كطائفة دينية، ليكونوا مجرد جماعة ثقافية، يحتكر التفسير الرسمي لتاريخ وعقائد أبناء الطائفة العلوية، غير تدخله المباشر في كل تفاصيل دور العبادة والتنظيمات العلوية. لا يعتبر العلويون تلك المطالب مجرد دعوات دينية، بل عتبة لخلق مساواة في المجال الديني/الطائفي، لتحقيق أشكال من المساواة السياسية والتنموية والرمزية والاجتماعية".

صراع سياسي على العلويين

يتطلع العلويون إلى اللجنة البرلمانية المُشكلة حديثا بغرض تهيئة الظروف لعملية السلام بين الدولة و"حزب العمال الكردستاني"، لأن تكون منبرا لطرح مطالبهم السابقة. ويجدون أن ممثليهم في مختلف الأحزاب السياسية في اللجنة سيطرحون تلك التطلعات. لكن منافسة واضحة على مطالب العلويين ظهرت أثناء نقاشات اللجنة البرلمانية، دلت على وجود مزاحمة بين الأحزاب للاستحواذ على أصوات العلويين خلال هذه المواجهة السياسية المرتقبة في تركيا.  

غيتي
مجموعة علوية معارضة ترشق الشرطة بالحجارة، بسبب التخطيط لبناء مسجد وبيت جمعة معا، مما أدّى إلى احتجاجات في أنقرة، 8 سبتمبر 2013

تاريخيا كان العلويون أعضاء فاعلين في "حزب الشعب الجمهوري"، لاعتباره القوة السياسية العلمانية شبه الوحيدة في البلاد، وتاليا القادر على خلق نوعٍ من المساواة الظاهرية في الحياة العامة. لكن الشعب الجمهوري لم يعد محل ثقة العلويين في البلاد، بنفس الدرجة التي كان عليها سابقا، لأسباب كثيرة، على رأسها زيادة الميول "اليمينية" داخله، بغية منافسة "حزب العدالة والتنمية"، ولأنه يتقصد التركيز على "علمانية مجردة"، يتحاشى بسببها أي نقاش واضح بشأن "المسألة العلوية". لأجل ذلك بدأت آراء القواعد الاجتماعية العلوية تنجذب لباقي القوى السياسية، وعلى رأسها "حزب ديمقراطية الشعوب" (المؤيد للأكراد)، لأنه أكثر وضوحا في التعبير عن تطلعات الجماعات الأهلية في تركيا.

القيادي "العلوي" البارز في "حزب ديمقراطية الشعوب" المؤيد للأكراد جلال فرات، اختصر رؤية حزبه للمسألة العلوية قائلا: "الطائفة العلوية تأمل من اللجنة البرلمانية المكونة راهنا بغية تسهيل عملية السلام بين الدولة والعمال الكردستاني أن تعترف بهم على أساس المواطنة المتساوية، وحزبنا يتعامل مع مشاكل الشعب على أنها مشاكله المباشرة، أيا كانوا. نحن نؤيد العلويين حينما يطالبون بالاعتراف بدورهم الدينية كأماكن عبادة، وأن تتوقف سياسات الدمج واسعة النطاق ضد العلويين، بالذات عبر الدروس والدورات الدينية الإلزامية. هناك عقلية دولة تسعى إلى خلق علويين حسب مقاسها ومطالبها، وهذا ما قد يخلق ردود فعل قوية".

تهافت أحزاب سياسية تركية لطرح القضية العلوية في البلاد، دفع "حزب الشعب الجمهوري" إلى صياغة رؤية أكثر وضوحا حول العلويين

مقترح زعيم "حزب الحركة القومية التركية"، دولت بهجلي، بتعيين نائب كردي وآخر علوي لرئيس الجمهورية التركية أثار نقاشا واسعا في الأوساط العامة في البلاد، بالذات العلوية. زعيم "حزب النصر القومي" رد على بهجلي ببيان كشف حجم الانقسام السياسي الداخلي بشأن العلويين في البلاد: "إذا سُن قانون كهذا، سنواجه المادة 10 من الدستور الحالي، التي تنص على أن الجميع متساوون أمام الدستور. وفي حال صدوره، ما هي العرقية أو الطائفة التي سينتمي إليها رئيس مجلس الأمة التركي الكبير، ووزير الداخلية، ووزير الخارجية، ورئيس الأركان العامة، ورئيس جهاز الاستخبارات الوطني؟ ألا يعني حدوث هذا قبول تركيا بالنموذج اللبناني؟".

أ.ف.ب
ضريح حاجي بكتاش ولي، مؤسس الطريقة البكتاشية الإسلامية في القرن الرابع عشر، في 13 ديسمبر 2004 في حجيبكتاش، وسط تركيا.

تهافت باقي الأحزاب السياسية التركية لطرح القضية العلوية في البلاد، دفع "حزب الشعب الجمهوري" إلى صياغة رؤية أكثر وضوحا حول العلويين، طرحها البرلماني عن الحزب مراد أمير في اجتماع اللجنة البرلمانية الخاصة بتسهيل عملية السلام بين الدولة و"العمال الكردستاني". إذ قال البرلماني حسب محاضر جلسات اللجنة التي اطلعت عليها وسائل الاعلام تفصيلا: "التنوع الاجتماعي والثقافي والديني في بلدنا هو ثراؤنا. والعلمانية ضمانة هذا الثراء. من الضروري أن يتمتع الجميع بالحق في حرية الضمير والمعتقد والعقيدة الدينية، وأن يُحترم مبدأ حرية العبادة. يجب وضع حدٍّ للتفاوتات والانتهاكات التي يواجهها مواطنونا العلويون، وخاصة في المجال العام، ولتجاهل معتقداتهم ومطالبهم. يجب إغلاق مكتب العلويين التابع لوزارة الثقافة.. نحن بحاجة إلى إصلاحات عملية، وليس مجرد مؤسسات شكلية. يجب مثلا مواجهة المجازر التي استهدفت العلويين، واتخاذ موقف علني بشأن المواطنين الذين قُتلوا، واعتبار هذه المجازر جرائم ضد الإنسانية، وإلغاء قانون التقادم للملاحقات القضائية المتعلقة بها. يجب أن تُعهد إدارة المراكز الدينية والتاريخية المهمة، مثل محفل حاجي بكتاش ولي، إلى المؤسسات العلوية أو هيئاتها العليا المُخصصة أو الحكومات المحلية. بناء على طلبات مواطنينا العلويين، يجب تطبيق قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. يجب سن لوائح قانونية بشأن دور العبادة لضمان حرية التعبير للجميع دون تمييز، ولإنشاء نظام تكون فيه الدولة محايدة تجاه المعتقدات الدينية".

font change