في بحر يافا، بين الصدف والأمواج، تطفو قطع من بلاط مزخرف مشبع بالألوان. كانت هذه الحجارة سابقا جزءا من بيوت ومطاعم، ومؤسسات ثقافية فلسطينية، هدمها الاحتلال الإسرائيلي وألقى ركامها في البحر. كل قطعة منها تحمل تاريخا حيا، وذاكرة فلسطينية ممتدة، لا يمكن تجاوزها.
من هنا يبدأ الفنان الفلسطيني محمد قندس، تجربته مع معرضه الثالث "طمم ٣"، ليعيد تشكيل الهوية الفلسطينية بطريقة مبتكرة، عبر تحويل الركام إلى أشكال فنية تحاكي الإنسان والأرض والهوية، ويستحضر الذاكرة كأنها تتجسد الآن.
من مسرح السرايا إلى معهد "قرار"، ومن إدارة المدارس إلى تنظيم المعارض الفنية، ظل قندس يتنقل بين الفعل الثقافي والاجتماعي والفني، لكنه في "طمم 3"، يقدم لغة جديدة تتحدث عن الإنسان، عن هجرته وعودته وحياته اليومية، وعن قدرة الذاكرة على الصمود. ففي ممارسته الفنية، يتحول البحر، الذي يلفظ البلاط، إلى أرشيف حي. زائر المعرض يتوقف أمام كل قطعة، يتأمل، ويطرح أسئلة، ويستعيد القصة في خياله. هكذا تتجسد الحجارة جسرا بين الماضي والحاضر والمستقبل، وما بين الوجود والتذكر، ليتخطى بذلك الفعل الجمالي الفني، إلى إعادة تعريف الهوية وإعادة ترتيب الذاكرة التي لطالما تعرضت للمحو، فهو مرآة لتاريخ طويل من الصمود والتجدد، يؤكد أن الفلسطيني موجود رغم كل أشكال الدمار، يبني بينما العدو يخرب، ويخلق الجمال في أسوأ الظروف.