موسكو بين عهدين... كنز هائل من الأسرار

هل تغير أي شيء؟

أ.ف.ب
أ.ف.ب
منطقة قبر الزعيم السوفيتي فلاديمير لينين في الساحة الحمراء في وسط موسكو، في 10 أكتوبر 2020

موسكو بين عهدين... كنز هائل من الأسرار

اعتبر شهر ديسمبر/كانون الأول 1991 شهرا مفصيلا في حياة الاتحاد السوفياتي على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ناهيك عن الصعيد الاجتماعي، إذ أحدث انقلابا جذريا في الإمبرطورية السوفياتية .

بات أي مواطن سوفياتي أو أجنبي يدرك أن هذا الشهر كان مليئا بما لا يمكن تصديقه في بلاد "الكي جي بي" التي أرعبت كافة الجمهوريات السوفياتية .

في الخامس والعشرين من ديسمبر 1991 صعد ميخائيل غورباتشوف إلى المنبر معلنا استقالته من رئاسة الاتحاد السوفياتي .وترافق هذا الحدث المزلزل بإنزال العلم السوفياتي الأحمر للمرة الأخيرة واستبداله بالعلم الروسي في الكرملين. وتم الإعلان عن حل الاتحاد السوفياتي رسميا في السادس والعشرين من ديسمبر 1991، وتشكيل رابطة الدول المستقلة إيذانا بوضع نهاية للحرب الباردة وتفرد روسيا بالإرث السوفياتي .

كنت ككل الكثيرين من الروس والعرب والطاجيك والأوزبك والكازاخ نتمشى في وسط موسكو لا نصدق ما جرى .وما يمكن أن يجري لاحقا من أحداث دراماتيكية ستحدث بلبلة هائلة ليس في روسيا فحسب بل في العالم أجمع .

كنت ككل الكثيرين من الروس والعرب والطاجيك والأوزبك والكازاخ نتمشى في وسط موسكو لا نصدق ما جرى

وفيما سبق، وتحديدا في الثامن من ديسمبر 1991، اجتمع رؤساء روسيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء (بوريس يلتسين، وليونيد كرافتشوك، وستانيسلاف شوشكيفيتش) وأعلنوا في بلدة بيلافيجسك البلاروسية اتفاقا تاريخيا تضمّن إنهاء وجود الاتحاد السوفياتي مع إنشاء دول ديمقراطية مستقلة على أساس الاعتراف المتبادل واحترام سيادة الدول، ما نتج عنه الإعلان عن تأسيس رابطة الدول المستقلة بين روسيا وإحدى عشرة دولة من دول الاتحاد السوفياتي، وامتنعت دول البلطيق وجورجيا من الانضمام للكيان الجديد .

تدريجيا، غاب اسم الاتحاد السوفياتي وبدأت ملامح حقبة تاريخية جديدة في تلك المناطق والعالم .

الصمت كان سيد الموقف في موسكو وعواصم بلدان الاتحاد السوفياتي. حالات الترقب والصدمة والانفعال ارتسمت على وجوه الناس في الشوارع ورافقتها تساؤلات عن المصير وعن الذي ينتظرها في قادم الأيام. وثمّة جانب لافت في الحدث الجلل. فمن أصل 18 مليون عضو في الحزب الشيوعي السوفياتي و35 مليون عضو من أعضاء "الكمسمول" (اتحاد الشبيبة الشيوعية)، لم يتحرك إطلاقا أي عضو منهم جميعا باتجاه الاحتجاج على حل الاتحاد السوفياتي .

أتذكر أن الساحة الحمراء في موسكو، التي كانت مرتعا للقاء الجموع البشرية بهدف معرفة ما يجري والنقاش بشأنه، خلت تماما باستثناء بعض الجنود الذين حرسوا ضريح لينين في وسط الساحة الحمراء الشهيرة .

لم يدافع أحد من الأعضاء الشيوعيين الكثر عن نظام قيل إنه قضى على التفاوت الطبقي واتجه إلى تطبيق المساواة بين مواطنيه .

أ.ف.ب
فلاديمير بوتين، أمين مجلس الأمن الروسي آنذاك، والرئيس الروسي بوريس يلتسين خلال لقائهما في قصر الكرملين في موسكو، في 27 يوليو 1999

في السابع والعشرين من ديسمبر 1991 اتضح لي أن أعضاء الحزب و"الكمسمول" انتسبوا إليهما، بغية تحقيق مصالح شخصية أنانية وليس اقتناعا بالأفكار الطنانة والرنانة التي صهرت في بوتقة أسموها "دين الشيوعية".

ذات يوم، وقبل إعلان حل الاتحاد السوفياتي، ذهبت إلى فندق الرئيس، وقد كان تابعا للجنة المركزية لـ"الحزب الشيوعي السوفياتي" .وهناك التقيت بشخص مسؤول في الحزب من أوكرانيا. تبادلنا الحديث بخصوص أمور عدة وتوقفنا عند انفجار محطة تشيرنوبل. فجاة انخفض صوته وتحدث معي همسا: "هل تعلم أن غورباتشوف أمر وزير الداخلية السوفياتي بإرسال المساجين الذين بقيت لديهم سنين طويلة في السجن إلى محطة تشيرنوبل للمساعدة في إطفاء الحريق، ووعدهم بالإفراج الفوري عنهم بعد عودتهم".

أدركت بشكل عفوي الجملة التي ستلي كلامه، إذ قال" "طبعا غورباتشوف والوزير كانا يدركان أن لا أحد يمكن أن ينجو من نيران ودخان وسموم انفجار محطة تشيرنوبل". وهنا قلت له: هل تعلم أنني كنت في كييف في تلك الفترة لدراسة اللغة الروسية، وهي تبعد كما تعرف ثلاثين كيلومترا عن تشيرنوبل .

كنت أرى في محطات القطار الأمهات اللواتي يردن بأي ثمن إرسال أطفالهن إلى مناطق خارج أوكرانيا، واكتشفت أن سعر تذكرة المقعد في القطار ارتفع من 5 روبلات إلى 500 روبل!! كل هذا حدث أمام أعين عناصر الشرطة والأجهزة الأمنية الذين تقاسموا ملايين الروبلات جراء ارتفاع أسعار التذاكر بشكل جنوني!!! وانتهى المشهد، مشهد ذهول الناس مما حدث للإمبراطورية السوفياتية.

بعد الزلزال الذي حدث في عموم الاتحاد السوفياتي وخاصة في موسكو، اتجه الناس إلى بيوتهم استعدادا لاستقبال يوم آخر، لحياة جديدة توقع الكثير منهم أنها لن تكون مليئة بالوعود البراقة التي أطلقها رئيس جمهورية روسيا الاتحادية بوريس يلتسين، وخاصة ما يتعلق بالحرية والرخاء والعيش الرغيد.

موسكو التي لم تؤمن بالدموع، (وهذه الجملة مأخوذة من عنوان فيلم سوفياتي) ذرفتها يوما بعد يوم إثر ظهور التناقضات الطبقية والمافيات المؤلفة من ضباط كبار في الجيش وجهاز "الكي جي بي".

أ.ف.ب
الرئيس السابق للاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف في ندوة حول الأمن في أوروبا، وذلك بعد 25 عاماً من سقوط جدار برلين، في 8 نوفمبر 2014.

العاصمة الروسية التي كانت عاصمة قوة عظمى عالمية وذات نظام شيوعي ومركزا لقيادة حلف "وارسو" وللعالم الاشتراكي، باتت عاصمة دولة قومية (روسيا فقط) ولم تعد قطبا أيديولوجياً عالمياً .

يوما بعد يوم، أدركت أن موسكو تغيرت بشكل جذري. وأتذكر أن شوارع العاصمة الروسية خلت من المارة بعد الثانية عشرة ليلا بسبب الخوف الذي انتاب حياتهم جراء ممارسة المافيات التي انتشرت في معظم أحياء العاصمة بحثا عن كنز من المال في جيب هذا المواطن أو ذاك، وكسر أبواب البيوت بحثا عن ذهب أو ألماس أو عملة أجنبية .

باختصار، عاشت موسكو أياما عصيبة منذ بداية 1992 ولغاية 1998.

بعد مرور فترة زمنية ليست طويلة، بدأت أسأل الناس في الساحات العامة والشوارع والحدائق عن سر عدم دفاع الشيوعيين عن نظامهم السوفياتي

بعد مرور فترة زمنية ليست طويلة، بدأت أسأل الناس في الساحات العامة والشوارع والحدائق عن سر عدم دفاع الشيوعيين عن نظامهم السوفياتي. كان الجواب قاسيا: "لم نعد نطيق الحكم الشيوعي، لم يكن بمقدور أحدنا زراعة كيلوغرام واحد من البطاطا أو الخيار لأن هذا الأمر سيؤدي إلى انتشار أفكار البرجوازية بين الناس حسب النظام الشيوعي".

وسألتهم أيضا عن العلاقات بين الروس والقوميات الأخرى، أيضا كانت الأجوبة متشابهة وحادة: "لم يكن ثمة علاقات حقيقية مع الجمهوريات غير الروسية، فأمين عام حزب طاجيكستان أو جورجيا على سبيل المثال يجب أن يكون روسياً بالضرورة".

استمرت أسئلتي، وسألت تحديدا عن الموقف من الدين والرموز الدينية، فقالت لي شابة: "لم يكن باستطاعتي وضع صليب على رقبتي… ممنوع… ممنوع… كل شيء كان ممنوعا وخاصة فيما يتعلق بالحريات الشخصية والعامة".

وتذكرت أيضا أن السمة اللافتة في شوارع العاصمة الروسية تمثلت في انتشار السوق السوداء بشكل كبير ومكثف .وشارك في تأسيسها رجال أعمال وكبار ضباط الجيش والمؤسسة الأمنية (FSB) المعروفة سابقا بـ(KGB).

بعد مرور حوالي أربع سنوات على انهيار الاتحاد السوفياتي ونظرا لخطورة المافيات العشوائية على حياة المجتمع برز في موسكو ما سمي بالمافيا المنظمة وأساس تأسيسها نبع من كبار ضباط جهاز الاستخبارت السوفياتية المريع .

ومنذ ظهور المافيا المنظمة غابت عن شوراع موسكو مشاهد الاعتداء على فرد بعينه بغية سرقته أو رميه في الشارع ميتا .

أ.ف.ب
عقيد من الجيش السوفيتي يحمل العلم الروسي، بينما كان الآلاف من سكان موسكو يتجمعون حول المبنى لدعم الرئيس الروسي بوريس يلتسين، احتجاجاً على محاولة الانقلاب في 20 أغسطس 1991

باتت المافيا الجديدة تقصد أصحاب المخازن الكبرى والمؤسسات التجارية والمالية في القطاع الخاص بهدف الحصول شهريا على نسبة 20 في المئة من دخل وأرباح هذه المؤسسة الخاصة أو تلك والمبدأ الذي اتبعته المافيات المنظمة بسيط جدا "نحافظ على حياتك وعملك وأرباحك مقابل نسبة العشرين في المئة التي تعطينا إياها شهريا".

وهكذا عادت حياة الليل إلى موسكو لكن اللافت والمثير تمثل في انتشار مهنة الدعارة، وبالطبع تم ذلك بتنظيم دقيق وحماية شديدة من المافيات الجديدة التي رسمت الخطوط العامة والخاصة لحياة الناس .

وفي خضم الأحداث المتسارعة والمتلاحقة جرت انتخابات الرئاسة عام 1996 بين الرئيس "السكير بوريس يلتسين" كما كانو يلقبونه في روسيا وبين زعيم "الحزب الشيوعي الروسي" جينادي زيوغانوف. وكانت المفاجأة الكبرى فاز "يلتسين السكير" بسب خوف غالبية المجتمع في روسيا من عودة الحكم الشيوعي .

على أن التناقضات الطبقية في المجتمع تعمقت واتسعت، وأصبح التوتر سيد الموقف في شوارع العاصمة الروسية .

وهنا أذكر أن الملياردير اليهودي الروسي بوريس بيريزوفسكي قال لي في مقابلة خاصة أجريتها معه: "إن الأوليغارشية خافت على مصالحها، وكلفوني بالحديث مع ابنة الرئيس الروسي تاتيانا يلتسين وإقناعها بتخلي والدها عن منصب الرئاسة".

ازدادت التوترات في موسكو بشكل خاص وروسيا بشكل عام بعد إعلان الحكومة الروسية عام 1998 علنا عن عدم قدرتها على تسديد ديونها الداخلية والخارجية، ونتج عن ذلك اقتناع ابنة الرئيس بخطة الأوليغارشية المتمثلة في تنحي يلتسين عن سدة الرئاسة مقابل ضمانات بعدم ملاحقته وأسرته قضائيا بسبب الفساد .

استغرقت فترة إقناع يلتسين بالأمر مدة سنتين. وهنا كشف لي بيريزوفسكي أن كبار الرأسماليين في روسيا يثقون بشخص اسمه فلاديمير بوتين، وقال لي: "إنه مطيع وينفذ ما يُطلب منه".

وبحضور بطريرك موسكو وعموم موسكو كضامن للاتفاق بين يلتسين وبوتين، أعلن الرئيس يلتسين استقالته من منصبه كرئيس لجمهورية روسيا الاتحادية، وتسلم بوتين مهامه بالوكالة ابتداء من أول يناير/كانون الثاني 2000، وصولا إلى تسلمه الرئاسة رسميا في السادس والعشرين من مارس/آذار عام 2000 بعد انتخابات رئاسية قيل عنها إنها كانت مضمونة النتائج سلفا .

الآلة الإعلامية للكرملين صوّرت بوتين وكأنه المنقذ للشعب الروسي من مآسيه التي عاشها جراء حكم المافيات والأثرياء الجدد، كما صورته بأنه المنقذ لروسيا من خطر "الإرهابيين الشيشان" الذين سمعوا تهديدا مباشرا من بوتين الذي قال جهارا وحرفيا: "سنضع رأس أي إرهابي في المرحاض إذا لم يكف عن محاربة الدولة الأم روسيا الاتحادية".

الحياة العامة في روسيا تبدلت باتجاه اقتصاد السوق (مع وجود هيمنة الدولة على قطاعات استراتيجية كالنفط والغاز والألماس والذهب والقمح... إلخ). ولوحظت وفرة في السلع مقارنة بفترة الاتحاد السوفياتي، وظهرت إلى العلن مراكز التسوق الضخمة، ناهيك عن بروز رجال الأعمال والأثرياء الروس الجدد .

في الوقت نفسه برز تفاوت اجتماعي صارخ، أحياء فخمة مقابل الضواحي الفقيرة .

برز تفاوت اجتماعي صارخ، أحياء فخمة مقابل الضواحي الفقيرة

أما البنية التحتية فتوسعت بشكل كبير مع تحديث لافت وملحوظ لوسائل النقل والمباني. وبدأ الروس بالتعرف على ناطحات سحاب أبرزها "موسكو سيتي" مقارنة بعمارات الفترة الستالينية وأبرزها مبنى وزارة الخارجية الروسية وجامعة موسكو. وأبقت فترة بوتين الرئاسية الأولى والثانية الممتدة حتى مارس 2008 على الرموز السوفياتية (تماثيل لينين على سبيل المثال لا الحصر).

وبات جليا أن ثمة تزاوجا بين التراث الإمبراطوري السوفياتي والعمران الرأسمالي الحديث .

اتسمت فترتا بوتين الرئاسية (2000-2008) بالفجوة العميقة بين فئات المجتمع الروسي مع ظهور طبقة الأوليغارشية الثرية جدا وفقراء كثر، إضافة إلى عودة الرقابة الأمنية على وسائل الإعلام الخاصة (قنوات تلفزيونية وإذاعية وجرائد)، وصولا إلى إغلاقها جميعا مع نهاية الفترة الرئاسية الثانية لفلاديمير بوتين الذي أسس حزب "روسيا الموحدة" مسيطرا تدريجيا على غالبية مقاعد البرلمان الروسي (الدوما) وبات من السهل على الرئيس تمرير أي قانون داخل "الدوما"، وخفتت بسب ذلك أصوات المعارضة الشيوعية في تحالف خفي بينها وبين سيد الكرملين .

وأطبق بوتين الحصار على رموز المعارضة اليمينية إذ زج ببعض زعمائها في السجن واغتال جهازه الأمني البعض الآخر بهدف التخلص من عبء تذكيره الدائم من قبل الأوليغارشية بأنها كانت وراء وصول بوتين إلى الكرملين .

خارجيا، وبعد معاقبته لجورجيا إثر سيطرة قواته عام 2008 على أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، اعتبُرت تلك الحرب أول حرب أوروبية في القرن الحادي والعشرين. وبموافقة بوتين تم الإعلان عن استقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جورجيا.

بسبب ما ذكرناه أعلاه، نمت الروح القومية بين غالبية سكان العاصمة الروسية بشكل جلي وواضح إثر تحقيق بوتين انتصارا في حربه مع جورجيا، وعلى أثر إعلانه اتفاقية السلام مع جمهورية الشيشان المنضوية داخل قوام روسيا الاتحادية عام 2009.

رويترز
محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية، 26 أبريل 2006

الجدير بالذكر أنه تم الاتفاق بين ديمتري مدفيديف وفلاديمير بوتين على إجراء الانتخابات الرئاسية عام 2008 بحيث يفوز فيها مدفيديف الذي تسلم الرئاسة وعين بوتين رئيسا للوزراء. ونص الاتفاق على أن مدفيديف لن يرشح نفسه للرئاسة عام 2012، الأمر الذي مهد الطريق لتسلم بوتين منصب الرئاسة منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا .وبدا لقب القيصر يتردد كثيرا داخل روسيا وخارجها .وللعلم، فإن الرئيس الروسي لديه طموح بأن يستمر في رئاسة روسيا الاتحادية حتى 2034، وبعد ذلك لن يحق له الترشح للانتخابات الرئاسية .

نموذج الرجل القوي الذي لا يقهر أي بوتين، والمرسوم من قبل الآلة الإعلامية للكرملين، تكرر في الرابع والعشرين من فبراير/شباط 2022 حيث غزت روسيا أوكرانيا .وعرفتُ من مصادر عليا بوجود خطة تتضمن استيلاء الجيش الروسي على العاصمة كييف بغية قلب نظام الحكم والإطاحة بزيلينسكي وتعيين رئيس مؤقت بدلا منه بحيث يكون مواليا لروسيا. لكن هذه الخطة لم تنجح في حرب وُصفت بأنها الأعنف في القرن الحادي والعشرين .

في تلك الأثناء عمّت الكثير من المدن الروسية احتجاجات ومظاهرات واسعة رفضا للحرب، لكنها قُمعت بشكل رهيب ومخيف، وتمكن الرئيس بوتين من إقناع غالبية شعبه بأنه يخوض حربا ليس ضد أوكرانيا فحسب وإنما ضد الغرب أيضا، مع وعود من السلطة الروسية بالانتصار على أوروبا الداعمة لأوكرانيا، وتحديدا بعد السيطرة على غالبية مناطق إقليم دونباس .

وبالرغم من غلاء وارتفاع الأسعار في العاصمة الروسية، وبالرغم من الخسائر الكبيرة بين صفوف الجيش الروسي، فإن الآلة الإعلامية للكرملين أقنعت المواطن الروسي بأن زعيمه بوتين سيحقق له الانتصار على أوكرانيا وداعميها الغربيين، لذا لا تجد صوتا معارضا بشكل علني في شوارع العاصمة الروسية التي تحسنت بنيتها التحتية بشكل كبير وانتعشت الروح القومية مع سيطرة الروس على القرم عام 2014.

انتعشت الروح القومية مع سيطرة الروس على القرم عام 2014

يُذكر أن سلطة الكرملين تقول للمواطنين الروس إن دول الغرب تحاول إضعاف قدرات روسيا الاقتصادية والعسكرية، وتحديدا بعد سيطرة الجيش الروسي على معظم إقليم دونباس، بينما لا تزال الحرب مستمرة حتى يومنا هذا .

وماذا بعد؟ سألتُ أحد الأصدقاء القريب من مراكز صنع القرار في روسيا، فأجاب قائلا: "ثق تماما بأنه لن يتغير أي شيء في حياتنا وسياستنا الداخلية والخارجية حتى عام 2034 أي نهاية حكم بوتين، إلا إذا اتخذ قرار بإزاحته من واجهة الحكم كما تم مع الزعيمين أندروبوف وستالين اللذين تعرضا للسم وفارقا الحياة فورا… لا توجد لدينا أحزاب معارضة... لا توجد احتجاجات أو مظاهرات... الجميع هنا تحت الرقابة".

انتهى لقائي مع صديقي واتجهتُ إلى إحدى محطات مترو الأنفاق الذي يزداد توسعا وازدهارا لأنه تابع للأجهزة السيادية في الدولة الروسية، واخترت آخر محطة في الوجهة التي حددتها أملا في التعرف على أناس جدد ومن خلالهم على وقائع قد تكون مخفية. والعاصمة موسكو كنز هائل من الأسرار.

font change