لطالما عبرت الرواية عن واقع المجتمع، ولا سيما عن الطبقتين الوسطى والفقيرة، وبين هذه وتلك يمثل المثقف بمواقفه وأفكاره وطموحاته ورؤيته المغايرة للمتعارف عليه والسائد، وقد ظهرت أخيرا روايات تعكس صورة مغايرة للمثقف، وتسعى إلى تجاوز النمط السائد عنه، أي ذلك المتعالي على المجتمع، وتجعله شريكا للناس في حركتهم وهمومهم أو واحدا من بين الجموع يسعى لأن يجد له مكانا ودورا بينهم. ربما لم تسع هذه الروايات إلى تقديم نموذج مثالي أو شكل من أشكال البطل لذلك المثقف، لكنها طرحت صورا من صوره، نتوقف عند كل واحدة منها لنرى كيف جاء تمثيل المثقف فيها على اختلاف مواضيعها وأفكارها بل وأجيال كتابها.
بين الأجيال
رواية "نور كموج البحر" للناقد والروائي محمود عبد الشكور (ينتمي الى جيل الثمانينات)، تدور حول زهدي، كاتب من جيل الستينات يكتشف إصابته بمرض في عينه يكون سببا في استعادته تفاصيل حياته القديمة من جديد، يتعرف الى شابة تقرأ أعماله ويتغير من خلالها نمط حياته، ويطلعنا على جانب من أحوال المثقفين بين زمانه وهذه الأيام.
وفي حين تتمحور رواية "مجانين أم كلثوم" للروائي شريف صالح (ينتمي الى جيل التسعينات) حول أم كلثوم وتعرض أجزاء من حكايتها وسيرتها، إلا أن البطل الرئيس للعمل هو جلال عبد الفتاح، مثقف ومخرج مسرحي مصري تربطه علاقة حب في البداية بزوجته المثقفة وسام، جمع بينهما مصادفة حب أم كلثوم، ويرسم شريف صالح بذكاء ذلك الفارق بين النموذجين ربما لأول مرة في الرواية العربية، حيث يأتي الرجل هذه المرة مقهورا مغلوبا على أمره، وتتمكن الزوجة من فرض سيطرتها بل واستغلال نفوذها ومكانتها لا سيما بعد أن أصبحت أستاذة جامعية بالتحكم في العلاقة وتغيير مسارها.
أما رواية "الهروب إلى الظل" للروائي فريد عبد العظيم، الذي ينتمي إلى جيل الشباب، فتدور حول بهيج داود، مثقف مصري يعود إلى جيل الستينات أيضا، ولكنه يعثر فجأة على حبيبة في سنه الكبيرة هذه، فيبدأ بمخاطبتها وكتابة رسائل إليها يحدثها فيها عن التغيرات التي طرأت على حياته، ويصادف أن يتعرف الى مجموعة قراء شباب يدخلون حياته ويغيرون عالمه، ويسترجع معهم تاريخه وكتابته وذكرياته.
الحب والثورة وأشياء أخرى
هكذا يحضر الحب في الروايات الثلاث، وإن بنسب وطرق مختلفة. ففي الوقت الذي نتعرف فيه لى بداية علاقة الحب بين جلال ووسام في "مجانين أم كلثوم"، ثم زواجهما، وما يحدث بعد ذلك في علاقتهما من اضطرابات ومشكلات تتنهي بهما إلى الانفصال تماما، يراهن الستيني العجوز زهدي على الحب بعد أن يغير حياته تعرفه الى ابنة صديقه القديم كرمة، ويشعر أن اقترابه منها وعلاقتهما ممكنة حيث تفتح له آفاقا جديدة في الحياة، في الوقت الذي لا يزال بهيج داود يبعث برسائله إلى حبيبته العجوز وهي في مثل سنه، ولكنها تركته فجأة فأخذ يكتب لها تلك الرسائل التي يحكي فيها ما حدث معه بين ماضيه وحاضره، ورغبته في كتابة رواية جديدة عن طبيب عاش في فترة الستينات ومات أثناء اعتقاله هو فريد حداد .