صدام وصالح... تحالف الثوابت في وجه المتغيرات

ملامح متشابهة لرجلين كادا أن يكونا واحدا

 اف ب
اف ب
عراقيون ويمنيون يرفعون صورتي الرئيسين صدام حسين وعلي عبد الله صالح في مطار بغداد بعد هبوط طائرة يمنية في 29 سبتمبر 2000 لتصبح ثاني طائرة تهطبط في بغداد على الرغم من العقوبات الدولية

صدام وصالح... تحالف الثوابت في وجه المتغيرات

ولد كلاهما في مكانين مختلفين، وذاقا مرارة اليتم وبؤس الطفولة، وعاشا ذات الأهوال والخطوب، حتى قتلا بطريقتين متقاربتين على يد وكلاء ذات الخصم الإيراني البعيد... إنهما الرئيسان الراحلان العراقي صدام حسين واليمني علي عبدالله صالح.

هذا ما أود أن أتناوله باختصار في هذه المجموعة من المقالات الانطباعية، الخاصة بـ"المجلة"، عن تجربة الرئيس صالح في الحياة والحكم.

القديم الجديد

خلال الأسابيع القليلة الماضية، جرت مجموعة أحداث ووقائع عابرة، رسمت ملامح وعناوين جديدة على المشهد السياسي في اليمن، أبرزها برهن على أن "الزعيم" اليمني الراحل على عبدالله صالح لا يزال حاضرا بقوة في المشهد العام لبلاده، سياسيا واجتماعيا، رغم مرور ما يقرب من سبع سنوات على رحيله قتيلا على يد جماعة الحوثيين الموالية لإيران.

بعض الجديد الذي كشفت عنه إحدى هذه الوقائع هو "المصاهرة السياسية" بين عائلة صالح ونظام حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فمن التحالف السياسي والعسكري مع صدام، خلال حربه مع إيران، مرورا بالصداقة العائلية بين عائلتيهما، وانتهاء بالمصاهرة بعد زواج نجله صخر بحفيدة نائب صدام، عزت الدوري لتتأكد حقائق، سابقة ولاحقة، تثبت أن علاقة الرئيس اليمني الراحل صالح بنظيره العراقي الراحل صدام كانت قد وصلت إلى مراحل متقدمة، وتعكس تشابها يقترب من التطابق بينهما، في ظروف الطفولة والنشأة والحياة، وتقاربا، بعد ذلك، في كثير من الملامح والاختلافات، في طريقة الوصول إلى السلطة، وتلاقيا في كثير من المبادئ والمصالح، وحتى الموت إعداما على أيدي أذرع ذات الخصم الإيراني المشترك.

استرعت انتباهي في ذلك الوقت السرعة والطريقة اللتان تطورت بهما علاقة الرجلين ببعضهما، كأن كلا منهما وجد في الآخر ضالته وما يحتاج إليه، إذ لاحظت خلال مرافقتي لصالح في زياراته الأولى لبغداد اختفاءه لساعات طوال مع صدام دون أن يكون معه أحد من كبار مرافقيه أو حراسه الشخصيين.

قطعا، لم يكن صالح "تابعا" لصدام كما روج البعض حينذاك، وإن كان تأثرهما ببعضهما بدا واضحا وجليا، لكن صالح في الواقع كان زعيما له قراره المستقل وخصوصياته واعتزازه المفرط بكرامته الشخصية، وإن ظهر حليفا قويا تلاقت مصالحه مع الرئيس العراقي في ظروف تاريخية معينة ومفهومة، نشأت علاقتهما أثناءها على أساس من الندية، استفاد الأول لمصلحة بلاده من هذا التحالف ماليا وعسكريا، وأفاد الثاني، سياسيا، من موقف اليمن المؤازر له، رسميا وشعبيا، خلال حربي الخليج الأولى والثانية، ولم تكن هذه العلاقة خصما من علاقة صالح بالزعيم البعثي العربي الآخر حافظ الأسد أو غيره من القادة العرب الآخرين.

أول لقاء بين صدام وصالح

‏لا يوجد في الوثائق التي قرأتها أو الشهادات التي استمعت إليها ما يشير إلى أول لقاء جرى بين صدام وصالح، أو أن ذلك كان قد جرى داخل العراق أو في أي بلد آخر.

ثمة أوجه تشابه بين الرجلين تصل إلى حد التطابق وأوجه اختلاف تكاد تجعلهما يقفان على طرفي نقيض، ففي الأولى جمعهما اليتم المبكر وقسوة الطفولة، وحتى الموت لاحقا، أما في الأوجه الثانية فكانا مختلفين في طريقة التفكير وأسلوب العمل بحكم التكوين المعرفي الذي تشبع منه صدام بما جعله يكتب روايات ومقالات وافتتاحيات للصحف، وذلك على العكس من صالح الذي كانت ثقافته سماعية ومتواضعة اكتسبها من مدارس الحياة، وحتى في الطباع الشخصية إذ كان صدام رجلا صلبا ومستبدا برأيه وبطريقته في اتخاذ القرار، وهذا بخلاف صالح الذي كان يتمتع بمرونة عالية وبرغماتية واضحة.

ثمة أوجه تشابه بين الرجلين تصل إلى حد التطابق وأوجه اختلاف تكاد تجعلهما يقفان على طرفي نقيض

عندما نشط "البعث"، العراقي والسوري، في اليمن خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي كان صالح لا يزال ضابطا عسكريا منضبطا بعيدا عن السياسة، شغوفا بالسلاح بكل أنواعه، من المسدس إلى المدفع والدبابة، بينما كانت السياسة والعمل الحزبي هما بمثابة كرات الدم الحمراء والبيضاء التي تجري في عروق صدام.
لم يكن صالح يعرف العراق ولا العراقيين بدليل سؤاله عند أول زيارة له إلى بغداد عن الرئيس أحمد حسن البكر كأنه لم يكن يدري أن شخصية مضيفه كانت قد طغت على كامل المشهد السياسي في العراق، بينما كان صدام يعرف اليمن واليمنيين جيدا بدليل افتتاحه كل لقاء مع صالح بالسؤال عن فلان وفلان، سواء من زملاء دراسته في القاهرة أو من كوادر "البعث" العراقي في اليمن مثل قاسم سلام وغيره.

 اف ب
الرئيس المصري حسني مبارك وملك الاردن حسين والرئيس العراقي صدام حسين والرئيس اليمني علي عبد الله صالح في 15 يونيو 1989 قبيل افتتاح اعمال مجلس التعاون العربي في الاسكندرية

صداقة رجلين إشكاليين مثل صدام وصالح لم تكن مرتبطة على ما بدا بمصالح مادية أو سياسية تكتيكية مرحلية أو آنية معينة ولكنها تحولت أكثر إلى تحالف تجاسر في الصمود أمام كل التحديات والمخاطر التي تسببت لكلا الرجلين وبلديهما وشعبيهما بالكثير من الخسائر الاقتصادية والأضرار الفادحة وعلى المستويين السياسي والدبلوماسي.

قنوات الاتصال

لم يكن صالح مهتما بالاعتناء في اختيار سفرائه في بغداد، وبدت مثل هذه الوظائف بالنسبة له مناصب بروتوكولية لا يحتاجها من "داخل" وزارة خارجيته بعد أن أصبحت لديه قنوات اتصاله "الخاصة" مع صدام وعائلته وحاشيته المقربة، لكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لصدام إذ اعتنى الرجل باختيار أشخاص من "داخل" مكتبه الخاص ليكونوا مبعوثيه وقنواته الموثوقة الخاصة مع صالح، وعلى رأسهم مدير مكتبه الراحل محسن خليل وكثيرا ما تبادل الرجلان بواسطة الثقاة من العائلتين الرسائل شفهيا وليس كتابيا أو عبر الهاتف الذي يسهل  اعتراض مكالماته وليس القنوات الدبلوماسية كذلك. 

في الحرب ضد إيران

‏موقف الرئيس اليمني كان واضحا في دعم العراق خلال حربه مع إيران، إذ أرسل وحدة من جيشه للعمل في الخطوط الخلفية في مجال الإمداد والتموين لمساعدة الجيش العراقي خلال تلك الحرب خصوصا في منطقة خانقين وكان من بين قادة هذه الوحدة الفريق محمد علي المقدشي الذي أصبح بعد ذلك وزيرا للدفاع وكان موضع ثقة صالح وتربطهما علاقات صداقة ورفقة سلاح جيدة، ويعرف الكثير من أسرار وخفايا المهمة التي قامت بها تلك الوحدة خلال الحرب العراقية مع إيران.
 ‏لكن هذه المشاركة رغم رمزيتها تسببت في كثير من الانزعاج لدى طهران التي عبرت في أوقات مختلفة عن رفضها لتلك المساهمة، واحتجت بشدة على قيام صالح بمرافقة صدام ذات يوم، في زيارة لبعض الجبهات داخل الأراضي الإيرانية خلال تلك الحرب، ‏ولا بد أن ذلك كان إحدى الضغائن التي دفعت إيران في أوقات لاحقة للتدخل بشكل سلبي ضد اليمن ورئيسه من خلال دعمها التسليحي والسياسي، سرا وعلنا، لجماعة الحوثيين وتشجيعهم على التمرد ضد الدولة اليمنية.

في بداية الأسبوع الثالث من شهر يناير/كانون الثاني عام 1990 قام صالح بأول زيارة لرئيس يمني إلى الولايات المتحدة الأميركية

طائرة صدام في أميركا

‏في بداية الأسبوع الثالث من شهر يناير/كانون الثاني عام 1990 قام صالح بأول زيارة لرئيس يمني إلى الولايات المتحدة الأميركية، وذلك على الرغم من اعتراف واشنطن بالنظام الجمهوري الوليد في صنعاء في الأسبوع الأول من قيامه عام 1962. وبحق، كانت تلك الزيارة مثيرة للاهتمام من نواح عدة، أبرزها وصول رئيس دولة ما باستخدام طائرة رئيس دولة أخرى في زيارة لدولة ثالثة، وهذا ما بدا عليه الأمر عند وصول صالح إلى واشنطن مستقلا طائرة رئاسية عراقية فخمة أرسلها صدام إلى مطار الحديدة لتقل حليفه اليمني إلى الولايات المتحدة.
عند كثير من الدبلوماسيين والصحافيين وغيرهم ‏في واشنطن، كان هذا مثار استغراب بشأن دلالة ومغزى ذلك، وقد نشرت إحدى الصحف، ذات الميول نحو الحزب الديمقراطي الأميركي، خبرا مقتضبا من باب السخرية والتهكم بالإدارة الجمهورية يتحدث عن "وصول حاكم اليمن الجنرال صالح إلى الولايات المتحدة على متن طائرة مملوكة للدكتاتور العراقي صدام حسين" كما تساءل البعض عن الدرجة التي قد تكون بلغتها علاقة الصداقة والتحالف بين صدام وصالح حتى إن ذلك ذُكر، تصريحا وتلميحا، في بعض الأخبار التي تداولتها الصحف الأميركية بشأن الطائرة الرئاسية العراقية.
 أتاحت لي مرافقة صالح في هذه الزيارة فرصة لأحاديث جانبية مع طاقم الطائرة من طيارين ومضيفين، ليس عن الطائرة، ولكن عن مدى استخدام الرئيس العراقي لها، فقيل لي إنه لم يستخدم هذه الطائرة سوى مرتين واحدة عندما زار فرنسا، وكان وقتها نائبا للرئيس، والأخرى عندما سافر في زيارة إلى كوبا، وقد ذكر لي أحد الطيارين أنه عند عودة صدام بهذه الطائرة من كوبا توقفت في مطار هيثرو في العاصمة البريطانية لندن للتزود بالوقود، وأضاف الطيار أنه ذهب إلى مقصورة صدام لإبلاغه أن سلطات المطار سمحت بتوقف الطائرة في مكان يتيح له مشاهدة حركة الطيران في هذا المطار الأكثر شهرة على الصعيد العالمي، إلا أن صدام قام بإنزال ستارة النافذة في إشارة إلى عدم رغبته برؤية أي شيء في بريطانيا.

 أ ف ب
قوات عراقية تعبر نهر قارون في 22 اكتوبر 1980 اثناء الحرب العراقية – الايرانية

‏وخلال زيارة صالح لولاية كاليفورنيا اختفى أحد أفراد طاقم الطائرة طالبا اللجوء السياسي في الولايات المتحدة، وكان ذلك أمرا محرجا للجميع، لليمنيين والعراقيين وحتى للمضيفين الأميركيين على حد سواء.
‏طاف صالح بهذه الطائرة بعد واشنطن في ثلاث ولايات أميركية هي نيويورك وكاليفورنيا وتكساس.
كان الهدف الرئيس لهذه الزيارة كما بدا لي هو طمأنة الجانب الأميركي إلى أن الوحدة اليمنية التي كان يجري العمل على إعلانها هي من أجل إعادة ترتيب البيت اليمني من الداخل ولا تستهدف أحدا سواء في الإقليم أو العالم، فقد طلب صالح من الأميركيين دعم هذا المشروع والتعاون في تشجيع دول الإقليم على دعم فكرة قيام كيان يمني موحد، وإعطائها التأييد السياسي الذي تريده في ذلك الوقت، ‏وربما أن تلك كانت فكرة الرئيس العراقي الذي سمعته يقول لصالح إن "هذا هو الوقت الأنسب والفرصة الذهبية الأفضل لقيام الوحدة اليمنية، دون تدخل أو اعتراض من أحد، بعد أن هجعت كل جيوش العالم" على حد تعبيره عقب انتهاء الحرب الباردة، وانشغال كل بلد بإعادة تموضع مكانه في النظام الأحادي القطب الجديد، وعلى رأسه الولايات المتحدة.

الرئيس العراقي كان شديد الحماس لقيام الوحدة اليمنية، بينما كانت لدى صالح خشية ومخاوف كبيرة من احتمال (تحفظ) المملكة العربية السعودية على هذا المشروع

حفر الباطن

أكاد أزعم أن صالح لم يرد أن تتطور علاقته بحليفه العراقي الجديد على حساب صلاته بالسعودية، الحليف التقليدي الأقرب إلى اليمن جوارا ومجتمعا وقبليا، لكن السياسة لم تكن، عبر التاريخ، أمنيات وأهواء وأمزجة، بل لعبة تحكمها مصالح وقواعد غير محددة مسبقا.
‏ما أمكن ملاحظته بوضوح هو أن الرئيس العراقي كان شديد الحماس لقيام الوحدة اليمنية، بينما كانت لدى صالح خشية ومخاوف كبيرة من احتمال "تحفظ" الرياض على هذا المشروع، ولهذا طلب صالح حينذاك من الرئيس العراقي وقادة عرب آخرين المساعدة في طمأنة السعودية بخصوص ذلك.
خلال انعقاد قمة دول "مجلس التعاون العربي" في العاصمة الأردنية عمان في فبراير/شباط 1990 طلب صالح ذلك صراحة من كل من الرئيس العراقي والعاهل الأردني حسين والرئيس المصري حسني مبارك. وعلى الفور توجه صالح في اليوم التالي إلى حفر الباطن حيث كان الملك فهد بن عبدالعزيز حينها يزورها. طلب صالح من مجموعة أشخاص محدودة مرافقته، كنت ضمنها إلى جانب الدكتور عبد الكريم الإرياني وزير الخارجية الأسبق والشيخ مجاهد أبو شوارب المقرب من "البعث" العراقي والشيخ حمود عاطف والزميلين عبده بورجي ومحمد شنيف، وطبيبه الخاص، ومصور تلفزيوني.
كان اللقاء بين الملك فهد بن عبدالعزيز والرئيس صالح ثنائيا مغلقا طال أكثر مما كان متوقعا. ما حدث أنه عند خروجهما، كانت هناك عيون مفتوحة وابتسامات عريضة على وجهيهما. أشار إلي صالح بأن أطلب تصريحا من الملك فهد بن عبد العزيز بشأن رأيه في الوحدة اليمنية، وحينها أجاب بأنه يؤيد الوحدة اليمنية دون أي تحفظ على الإطلاق، فكررت ذات السؤال عليه لتكون إجابته: "أؤيد الوحدة اليمنية بلا حدود". وخلال رحلة العودة إلى صنعاء استدعاني الرئيس صالح إلى مقصورته في الطائرة للإشادة بما قال إنه "تصريح تاريخي حصلت عليه".

ما لا يمكن إنكاره هو أنه بقدر ما أدى غزو الكويت بعد ذلك إلى انقسام داخل النظام العربي فقد حدث خلاف مماثل يشبهه داخل مجلس الرئاسة اليمنية بعد أقل من عام على قيام الوحدة

لم يكن هناك شك في أن صالح رجل بارع ومدهش في الإقناع وربط الخيوط ببعضها، و"التشبيك" بين الطرق المتقاطعة لأن تؤدي إلى بعض ما يريده على الأقل، فمصالح اليمن وأمنه واستقراره أمر استراتيجي بالنسبة لصنعاء كما هو كذلك أيضا بالنسبة للرياض سواء في وجود حليف مثل صدام أو من قبله جمال عبدالناصر.
ما لا يمكن إنكاره هو أنه بقدر ما أدى غزو الكويت بعد ذلك إلى انقسام داخل النظام العربي فقد حدث خلاف مماثل يشبهه داخل مجلس الرئاسة اليمنية بعد أقل من عام على قيام الوحدة التي كانت في هذا الوقت لا تزال غضة العود، فقد أوسع ذلك الغزو من شقة الخلاف والتنازع الحاصل بين الرئيس اليمني ونائبه علي سالم البيض أكثر على خلفية الصلاحيات والشراكة في اتخاذ القرار وغير ذلك مما يجب تركه للتاريخ وللباحثين عن الحقيقة.

الأموال العراقية في اليمن

كان هناك مصدران لتلك الأموال، الأول هو الدعم المالي الذي كان يقدمه صدام للقيادة القطرية لحزب "البعث-فرع اليمن"، والثاني هي مجموعة التبرعات التي كان اليمنيون قد دفعوها لإسناد العراق قبل الغزو الأميركي عام 2003 ويبدو أن صدام أراد وضع تلك التبرعات تحت تصرف القيادة القطرية لحزب "البعث" في اليمن.
وعندما حضرت السيدة فيوليت يوسف زوجة طارق عزيز وأحد أبنائها إلى صنعاء للبحث في مصير تلك الأموال التقت رئيس الوزراء وزير الخارجية اليمني الأسبق الإرياني، وجرى التواصل مع دكتور قاسم سلام عضو القيادة القومية لحزب "البعث العربي الاشتراكي" ومسؤول القيادة القطرية للحزب، وقد أفاد سلام بأن الرئيس صالح استحوذ على تلك الأموال، ربما بإيعاز من الرئيس العراقي خشية ضياعها في خضم الأحداث التي كانت تعصف بالمنطقة، وما علمته بعد ذلك أن صالح أمر بشراء بعض المنازل في صنعاء للعائلات البعثية التي نزحت إلى اليمن وبمنحها مخصصات إعاشة مالية شهرية.

محطة عبور

قبيل وخلال الغزو الأميركي للعراق عام 2003 نزح إلى اليمن عدد غير قليل من قادة الصفين الثاني والثالث في الجيش والاستخبارات وحزب "البعث" العراقي ممن لم يكونوا مدرجين على قوائم المطلوبين لدى سلطات الاحتلال الأميركي، ولا أدري إن كان ذلك تم بإغماض عين من قبل الأميركيين أم باتفاق ضمني وغير معلن مع صالح.
جاء أغلب هؤلاء إلى اليمن عبر العاصمة الأردنية عمان، وفضل معظمهم صنعاء لتكون محطتهم للعبور إلى مناطق لجوء في الغرب أكثر أمنا واستقرارا من الناحيتين القانونية والمعيشية، وقد كان لهم ذلك بالفعل عن طريق منظمة الهجرة الدولية، وكان من بينهم كفاءات وأكاديميون في مختلف المجالات استوعبتهم المؤسسات الغربية وأفادت من خبراتهم.

أ ف ب
الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بعد اعتقاله في 13 ديسمبر 2003

من اعتقال صدام حتى إعدامه

أكاد بحكم معرفتي النسبية لعلاقة الرجلين أدعي أنني ربما عشت عن بعد من خارج البلاد معاناة صالح، وذلك عند اعتقال صدام، وكلما كنت أرى مشاهد الاعتقال التي بثها الجيش الأميركي كنت أتخيل ملامح وجه صالح وتقطيبه حاجبيه، وكيف يمكن أن ترى عيناه ما يحدث لحليفه العراقي، لا بد أنه تأثر كثيرا وإن لم يبد ذلك للعلن، وأظن أنه تماسك بعض الشيء حيث حاول الانشغال بهمومه الداخلية عن متابعة مجريات المحاكمة المهينة التي جرت لصاحبه صدام، أما إعدام الأخير فجر عيد الأضحي الذي احتفل فيه رئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي، بزفاف نجله أحمد فقد تأكدت أنه نال منه نفسيا وأحزنه وأغضبه بشدة حتى آخر يوم من حياته.

font change