ولد كلاهما في مكانين مختلفين، وذاقا مرارة اليتم وبؤس الطفولة، وعاشا ذات الأهوال والخطوب، حتى قتلا بطريقتين متقاربتين على يد وكلاء ذات الخصم الإيراني البعيد... إنهما الرئيسان الراحلان العراقي صدام حسين واليمني علي عبدالله صالح.
هذا ما أود أن أتناوله باختصار في هذه المجموعة من المقالات الانطباعية، الخاصة بـ"المجلة"، عن تجربة الرئيس صالح في الحياة والحكم.
القديم الجديد
خلال الأسابيع القليلة الماضية، جرت مجموعة أحداث ووقائع عابرة، رسمت ملامح وعناوين جديدة على المشهد السياسي في اليمن، أبرزها برهن على أن "الزعيم" اليمني الراحل على عبدالله صالح لا يزال حاضرا بقوة في المشهد العام لبلاده، سياسيا واجتماعيا، رغم مرور ما يقرب من سبع سنوات على رحيله قتيلا على يد جماعة الحوثيين الموالية لإيران.
بعض الجديد الذي كشفت عنه إحدى هذه الوقائع هو "المصاهرة السياسية" بين عائلة صالح ونظام حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فمن التحالف السياسي والعسكري مع صدام، خلال حربه مع إيران، مرورا بالصداقة العائلية بين عائلتيهما، وانتهاء بالمصاهرة بعد زواج نجله صخر بحفيدة نائب صدام، عزت الدوري لتتأكد حقائق، سابقة ولاحقة، تثبت أن علاقة الرئيس اليمني الراحل صالح بنظيره العراقي الراحل صدام كانت قد وصلت إلى مراحل متقدمة، وتعكس تشابها يقترب من التطابق بينهما، في ظروف الطفولة والنشأة والحياة، وتقاربا، بعد ذلك، في كثير من الملامح والاختلافات، في طريقة الوصول إلى السلطة، وتلاقيا في كثير من المبادئ والمصالح، وحتى الموت إعداما على أيدي أذرع ذات الخصم الإيراني المشترك.
استرعت انتباهي في ذلك الوقت السرعة والطريقة اللتان تطورت بهما علاقة الرجلين ببعضهما، كأن كلا منهما وجد في الآخر ضالته وما يحتاج إليه، إذ لاحظت خلال مرافقتي لصالح في زياراته الأولى لبغداد اختفاءه لساعات طوال مع صدام دون أن يكون معه أحد من كبار مرافقيه أو حراسه الشخصيين.
قطعا، لم يكن صالح "تابعا" لصدام كما روج البعض حينذاك، وإن كان تأثرهما ببعضهما بدا واضحا وجليا، لكن صالح في الواقع كان زعيما له قراره المستقل وخصوصياته واعتزازه المفرط بكرامته الشخصية، وإن ظهر حليفا قويا تلاقت مصالحه مع الرئيس العراقي في ظروف تاريخية معينة ومفهومة، نشأت علاقتهما أثناءها على أساس من الندية، استفاد الأول لمصلحة بلاده من هذا التحالف ماليا وعسكريا، وأفاد الثاني، سياسيا، من موقف اليمن المؤازر له، رسميا وشعبيا، خلال حربي الخليج الأولى والثانية، ولم تكن هذه العلاقة خصما من علاقة صالح بالزعيم البعثي العربي الآخر حافظ الأسد أو غيره من القادة العرب الآخرين.
أول لقاء بين صدام وصالح
لا يوجد في الوثائق التي قرأتها أو الشهادات التي استمعت إليها ما يشير إلى أول لقاء جرى بين صدام وصالح، أو أن ذلك كان قد جرى داخل العراق أو في أي بلد آخر.
ثمة أوجه تشابه بين الرجلين تصل إلى حد التطابق وأوجه اختلاف تكاد تجعلهما يقفان على طرفي نقيض، ففي الأولى جمعهما اليتم المبكر وقسوة الطفولة، وحتى الموت لاحقا، أما في الأوجه الثانية فكانا مختلفين في طريقة التفكير وأسلوب العمل بحكم التكوين المعرفي الذي تشبع منه صدام بما جعله يكتب روايات ومقالات وافتتاحيات للصحف، وذلك على العكس من صالح الذي كانت ثقافته سماعية ومتواضعة اكتسبها من مدارس الحياة، وحتى في الطباع الشخصية إذ كان صدام رجلا صلبا ومستبدا برأيه وبطريقته في اتخاذ القرار، وهذا بخلاف صالح الذي كان يتمتع بمرونة عالية وبرغماتية واضحة.