بدت قمة السلام بشأن غزة، التي عُقدت في شرم الشيخ يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول، للوهلة الأولى وكأنها انتصار خالص للغرب. فقد اجتمع قادة من ستٍ وعشرين دولة، إلى جانب ممثلين عن خمس دول أخرى، لتأييد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والإشادة بدونالد ترمب الذي تمكّن من إنجازه. وعلى الرغم من أن مصر هي التي استضافت الحدث، فإن الرئيس الأميركي كان المتصدر للمشهد، فيما اصطف رؤساء الوزراء والرؤساء من مختلف أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا لتقديم كلمات الثناء.
ومع أن هذه كانت بلا شك لحظة ترمب، ومع الترحيب الكبير الذي أبداه الجميع بالنهاية التي طال انتظارها للحرب في غزة، فإن كثيرا من القادة الغربيين قد يعترفون في قرارة أنفسهم بأنهم خرجوا من الصراع أضعف مما كانوا عليه قبل عامين من هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ومهما بدا ترمب متألقا في نجاحه، فواقع الحال أن حرب غزة وتداعياتها في الداخل والخارج على السواء قد ألحقت بالغرب ضررا بالغا.
ابتسامات غربية في سيناء
قال ترمب خلال قمة السلام: "أعلم أن كثيرين لا يتفقون معي، لكنني الوحيد الذي يهم"، في تصريح يعكس مدى هيمنته الظاهرة على الساحة الدولية بعد نجاحه في إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر. وبالفعل، فإن لديه ما يبرر ثقته بنفسه. فعلى خلاف سلفه جو بايدن، الذي بذل جهودا مضنية على مدى أشهر لدفع إسرائيل و"حماس" نحو هدنة دائمة، والتي لم تُعمّر طويلا بعدما نقضها بنيامين نتنياهو في مارس/آذار، يبدو أن ترمب هو من تمكن من ممارسة ضغوط كافية على جميع الأطراف. وكما أشارت تقارير عديدة، يأمل ترمب أن تثمر جهوده عن فوزه بجائزة نوبل للسلام التي يسعى إليها العام المقبل.
غير أن ما يتجاوز المجد الشخصي لترمب، هو أن وقف إطلاق النار يحمل أيضا مكاسب ظاهرية للغرب. أولا، إن إنهاء الصراع من شأنه أن يُنقذ الأرواح، ويُسهم في استقرار الشرق الأوسط، ويخفف الضغط عن القادة الغربيين من شعوبهم المطالبة بمزيد من التحرك. ثانيا، من الناحية الجيوسياسية، بدا استبعاد روسيا والصين من قمة سيناء كمؤشر على تجدد المساعي الأميركية للقيادة في الشرق الأوسط على حساب موسكو وبكين. بل إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اضطر إلى إلغاء قمة "روسيا والعالم العربي"، التي كانت مقررة في التوقيت نفسه لاجتماع سيناء، في مشهد محرج له.

إلى جانب ذلك، يُعد وقف إطلاق النار انتصارا استراتيجيا لحليف ترمب، إسرائيل. فعلى الرغم من أن نتنياهو لم يُحقق هدفه المعلن بتدمير حركة "حماس"، فإنه نجح في تأمين الإفراج عن جميع الرهائن المتبقين. صحيح أن أحلام شركائه في الائتلاف اليميني باستيطان غزة لم تتحقق، ولكن الهدف الأمني الإسرائيلي طويل الأمد المتمثل في جعل القطاع خاليا من "حماس" يُعد عنصرا أساسيا في خطة السلام. والأهم من ذلك أن إنشاء قوة دولية لتحقيق الاستقرار لتتولى إدارة غزة ينقل مسؤولية أمن القطاع من إسرائيل فعليا إلى جهة خارجية صديقة، وهو ترتيب يصب في صالح إسرائيل ويُعد تحسّنا واضحا مقارنة بما كان عليه الوضع خلال الثمانية عشر عاما الماضية.
هواجس غربية طويلة الأمد
ورغم أن ترمب وإسرائيل هما من أبرز الرابحين في المعسكر الغربي، فإن الصورة الأوسع تبدو أقل إشراقا بالنسبة للغرب ككل. فحتى وإن بدا ترمب في موقع القوة، فقد كشفت الحرب عن عجز الولايات المتحدة والغرب عموما أو ترددهما في وضع حدّ للنزاع على مدى العامين الماضيين. ولم يكن ذلك بسبب غياب المحاولات، إذ بذل بايدن جهودا متكررة للتوصل إلى هدنة دائمة، لكنها انتهت جميعها بالفشل. كما حاول القادة الأوروبيون ممارسة الضغط على إسرائيل من خلال فرض عقوبات على بعض الوزراء، وتقييد تراخيص تصدير الأسلحة، والاعتراف بدولة فلسطين. غير أن رفض نتنياهو المتواصل للتهدئة أظهر محدودية نفوذ الغرب في كبح إسرائيل، ودفع كثيرين في الشرق الأوسط والجنوب العالمي إلى التشكيك في قدرة الغرب ومصداقيته كحليف.
وقد تزايدت هذه الشكوك في ظل الاتهامات الموجهة إلى الحكومات الغربية بازدواجية المعايير، إذ دعت العالم إلى إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، بينما التزمت صمتا نسبيا إزاء ما ارتكبته إسرائيل في غزة. وعلى الرغم من استبعاد الصين وروسيا من قمة سيناء، فإن كلا البلدين قد يستفيد على المدى البعيد من إعادة تقييم مكانة الغرب العالمية، وهي عملية تسارعت وتيرتها بفعل حرب غزة.
 
				             
                    
 
                 
                 
                 
                 
             
                 
             
                 
             
                 
            