ترمب يراهن على مصالحة جزائرية - مغربية قبل نهاية العام

Eduardo Ramon
Eduardo Ramon

ترمب يراهن على مصالحة جزائرية - مغربية قبل نهاية العام

دخلت الولايات المتحدة على خط الخلاف الإقليمي المغربي-الجزائري، باستصدار قرار جديد من مجلس الأمن الدولي، يعتمد مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية تحت سيادة الرباط، كصيغة لإنهاء أطول نزاع في شمال أفريقيا. وإطلاق جولة حوار مباشر بين "الإخوة الأعداء" قبل نهاية العام.

وتلوح في الأفق بوادر قرب تسوية سياسية بين الجزائر والمغرب، بمبادرة من إدارة الرئيس دونالد ترمب، التي تضع كل ثقلها الدبلوماسي لتقريب وجهات نظر الفرقاء، حول قضايا ثنائية وإقليمية ودولية. في حال معالجتها، يمكن إحياء "اتحاد المغرب العربي" المتعثر، وإطلاق مسيرة التنمية والاندماج الإقليمي، في منطقة تماس بين الشمال والجنوب. وتعتبر الجزائر والمغرب أكبر قوتين اقتصاديتين وسياسيتين، في جنوب البحر الأبيض المتوسط، بمساحة تقدر بثلاثة ملايين كلم مربع، وناتج إجمالي محلي مشترك يقارب نصف تريليون دولار، وعدد سكان يصل إلى ثمانين مليون نسمة.

وساطة أميركية بمبادرة من ترمب

وتقود حاليا شخصيات من الصف الأول في الإدارة الأميركية مفاوضات سرية مع الجزائر والمغرب ، في مسعى لتحقيق اختراق سياسي في منطقة التلاقي بين أوروبا وأفريقيا، وبين المحيط الأطلسي والشرق الأوسط.

وكشف المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف: "إن فريقا دبلوماسيا يشتغل حاليا على وضع الأسس الأولية لاتفاق سلام شامل بين الرباط والجزائر، بمبادرة شخصية من الرئيس ترمب" الذي يعمل على وضع شمال أفريقيا ضمن دائرة إنهاء النزاعات وإسكات البنادق.

أ ف ب
الملك المغربي محمد السادس يلقي خطابا في الذكرى السادسة والاربعين "للمسيرة الخضراء" في 6 نوفمبر 2021

وأعلن مستشارا ترمب، جاريد كوشنر وستيف ويتكوف، في حوار تلفزيوني مع قناة "سي بي إس" الأميركية عن "قرب التوصل إلى اتفاق سلام تاريخي بين المغرب والجزائر خلال 60 يوما"، في خطوة هي الأكثر جرأة منذ عقود، في مسار الصراع السياسي بين البلدين. وسبق للمملكة العربية السعودية أن توصلت إلى مصالحة جزائرية مغربية في ثمانينات القرن الماضي، عندما تمكن الملك الراحل فهد بن عبد العزيز من عقد قمة، بين الراحلين الملك الحسن الثاني والرئيس الشاذلي بن جديد، أسفرت عن عودة العلاقات الدبلوماسية عام 1988، تلاها فتح الحدود البرية، وإنشاء "اتحاد المغرب العربي" عام 1989. وتوالت الزيارات بين مسؤولي البلدين، وانتعشت الحركة السياحية واستمرت حرية تنقل الأشخاص ورؤوس الأموال إلى عام 1994، عندما أغلقت الحدود من جديد بعد اعتداءات إرهابية على فندق أسني في مراكش، قُتل فيها سياح أسبان.

مصالحة مغربية-جزائرية قبل نهاية العام؟

ولا تستبعد مصادر مطلعة وجود شراكة مع أطراف عربية وأوروبية على رأسها الرياض وباريس، للدفع قدما نحو مصالحة جزائرية-مغربية برعاية أميركية خلال المرحلة المقبلة. وقال ستيف يتكوف في برنامج "60 دقيقة": "نعمل حاليا على ملف الجزائر والمغرب، فريقنا يعمل على ذلك، وسيكون هناك اتفاق سلام، في رأيي، خلال الستين يوما المقبلة". وشكلت هذه التصريحات بداية انفراج إعلامي بين البلدين، حيث خفت لغة العداء قليلا، وصعدت أصوات معتدلة، تدعو إلى طي صفحة خلافات الماضي، وفتح صفحة المصالح في النظام العالمي الجديد. واستعمل جاريد كوشـنر مفردات مشابهة، عندما قال لوسائل إعلام أميركية: "إن العالم تحكمه المصالح وليس المبادئ المتجاوزة".

لا تستبعد مصادر مطلعة وجود شراكة مع أطراف عربية وأوروبية على رأسها الرياض وباريس، للدفع قدما نحو مصالحة جزائرية-مغربية برعاية أميركية خلال المرحلة المقبلة

وقال مسعد بولس، والد صهر الرئيس ترمب ومستشاره للشؤون الأفريقية، في مقابلة مع قناة "الشرق": "الجزائر والمغرب تبديان رغبة في إيجاد حلّ نهائي لقضية الصحراء المغربية". وأضاف "التقيت الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ووجدتُ ترحيبا لإعادة بناء جسور الثقة مع الشعب المغربي، ومع الملك، والحكومة، والدولة المغربية.. في النهاية البلدان شعبان شقيقان وجاران، يجمعهما تاريخ مشترك وعدد كبير من القيم والمصالح". ووصف بولس خطاب الملك محمد السادس في عيد العرش الأخير بـ"التاريخي". وقال: "نعوّل كثيرا على حكمة الملك المغربي، الذي دعا إلى حوار مفتوح وصريح مع الأشقاء على صيغة لا غالب ولا مغلوب". ويجمع مراقبون على أن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة، في تحديد مستقبل العلاقات بين المغرب والجزائر، ومجموع المنطقة المغاربية، على ضوء اجتماع مجلس الأمن الدولي للمصادقة على قرار جديد حول الصحراء، وتحديد سقف تمديد عمل بعثة الأمم المتحدة إلى الإقليم.

مناقشات مجلس الأمن الدولي لمشروع القرار الأميركي


وأظهرت مناقشات مشروع القرار الأميركي الجديد حول الصحراء، تأييد غالبية أعضاء مجلس الأمن الدولي لمبادرة الحكم الذاتي التي عرضها المغرب منذ أبريل/نيسان 2007، وتتزعم فرنسا والمملكة المتحدة هذا الطرح، مع تأييد ضمني من الصين، وعدم معارضة من روسيا. وتوالت في الأسابيع الأخيرة اعترافات مماثلة من دول أوروبية ومن أميركا اللاتينية. وهناك اعتقاد أممي بأن ملف الصحراء بات بيد الرئيس ترمب والإدارة الأميركية صاحبة القلم في هذا النزاع، وهو تفويض دولي لا تعارضه الأطراف الأخرى على الأرض، خاصة أن الجميع يدرك أن أي حل سياسي يضمن الاستقرار وإنهاء النزاع حتى لو كان ناقصا، فهو أفضل من  أي حرب مدمرة حتى لو كانت مُبررة. وهي الصيغة نفسها التي يعالج بها ترمب نزاعات وحروب أخرى حول العالم...

أ ف ب
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في مستهل زيارة الى تونس في 22 ابريل 2024

وقالت مصادر أميركية: "إن الرئيس دونالد ترمب يرمي بكل ثقله الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي من أجل تحقيق اختراق إيجابي، في نزاع شمال أفريقيا". ويعتقد محللون أن أحد أهداف خطة واشنطن هي "استعادة الحوار الجزائري المغربي المتوقف منذ 2018، وتحييد الخلافات الجانبية، وعودة العلاقات الدبلوماسية والتجارية وفتح الحدود والأجواء وإنهاء النزاع الإقليمي على طاولة المفاوضات، بتمكين سكان الصحراء من حكم ذاتي موسع تحت سيادة المغرب". 

أمام الجزائر فرصة للتقرب من الولايات المتحدة، والخروج من تيار الممانعة، وخلق نوع من التوازن في علاقتها مع روسيا

وتشير الفقرة الرابعة من مشروع القرار الأميركي أمام مجلس الأمن إلى أن "الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية هو الحلّ الأكثر جدوى لإنهاء نزاع الصحراء الغربية كإطار وحيد للمفاوضات"، ووصفه بـ"الجاد، والأكثر مصداقية لتسوية عادلة ودائمة".
ووفق تسريبات غير رسمية "تتحفظ الجزائر على صيغة السلام الأميركي" وتعتبره انتصارا لخصمها المغرب، ما قد يضعف موقعها. ويتساءل محللون حول نوع وحجم التعويض السياسي والاقتصادي الذي قد تمنحه واشنطن للجزائر، مقابل موافقتها على تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي. 

أ ف ب
العلمان الاميركي والمغربي وقربهما خريطة المغرب حسبما تبنتها وزارة الخارجية الاميركية في 12 ديسمبر 2020

وسبق للرئيس ترمب أن اعترف رسميا بمغربية الصحراء خلال ولايته الأولى في ديسمبر/كانون الأول عام 2020، في إطار اتفاقيات السلام الإبراهيمية مع إسرائيل. وتعمل واشنطن على إقناع بقية الحلفاء والأصدقاء بأهمية تسوية قضية الصحراء عبر منح الحكم الذاتي للصحراويين، تحت سيادة المملكة المغربية. وسارت الإدارات المتعاقبة من الديمقراطيين والجمهوريين على نفس التوجه، واعتبار الرباط حليفا استراتيجيا في البحر الأبيض المتوسط والمنطقة العربية والقارة الأفريقية. وقالت مصادر مطلعة: "إن واشنطن تحاول إقناع الجزائر بمصلحتها في إنهاء خلافها مع المغرب، بعد تراجع  النفوذ الأوروبي في المنطقة المغاربية، وانهزام فريقها المُمانع في الشرق الأوسط الذي تدعمه إيران، وبرودة علاقتها مع روسيا بسبب أزمة مالي..". وقال الوزير الجزائري الأسبق نور الدين بوكروح: "إن مسار قضية الصحراء يتجه نحو تسوية تصب في مصلحة المغرب".  

هامش مناورة ضعيف وتبدل في الموقف الروسي 


ويقول محللون: "أمام الجزائر فرصة للتقرب من الولايات المتحدة، والخروج من تيار الممانعة، وخلق نوع من التوازن في علاقتها مع روسيا، التي تبدو أكثر انشغالا بحضورها في منطقة الساحل، ورغبتها في تطوير علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الرباط". وخلال زيارة وزير الخارجية ناصر بوريطة إلى موسكو مطلع الشهر الجاري، وقع مع نظيره الروسي اتفاقية للصيد البحري، تشمل السواحل الصحراوية. وهي إشارة روسية إلى أن المصالح قبل  المبادئ. وقال سيرغي لافروف إن "مقترح الحكم الذاتي المغربي صيغة (مقبولة) لتقرير المصير في الصحراء". وأضاف في ندوة صحافية: "إن مشكل الحدود بين الجزائر ومالي من مخلفات الاستعمار".  ولا تنظر الجزائر بعين الرضا لوجود القوات الروسية "أفريكا كوربس" (Africa Corps) التي خلفت "فاغنر"، على حدودها الجنوبية مع دولة مالي. 
 

سباق التسلح يزعج الأوروبيين


وقال المبعوث الأممي للصحراء الغربية ستيفن ديميستورا في حوار مع  المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية ((ISPI: "إن الجزائر والمغرب هما الطرفان الأساسيان في مشكل الصحراء، وكل حل لهذا النزاع يجب أن يمر عبر تفاهم بين البلدين الجارين وكل تأخر في التسوية يزيد من مخاطر اندلاع حرب إقيلمية بين أكبر قوتين في المنطقة". 

تتوجس دول أوروبية عدة من سباق التسلح بين المغرب والجزائر خاصة أسبانيا القريبة

ومن جهته قال معهد السلام في استكهولم: "إن المنطقة المغاربية تنفق على التسلح بمعدلات تفوق قدراتها الاقتصادية". 
وتتوجس دول أوروبية عدة من سباق التسلح بين المغرب والجزائر خاصة أسبانيا القريبة. حيث خصص البلدان نحو 40 مليار دولار في موازنة 2025 لشراء معدات حربية وأسلحة متطورة، وطائرات وصواريخ وأنظمة دفاع ورادارات ومسيرات وسفن وغواصات ومدرعات تفوق حاجياتها الداخلية والمحلية المعتادة. 
وبقدر تنامي المخاوف من أي احتكاك قد يشعل المنطقة برمتها، في حرب قد تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى الساحل الأفريقي، يزيد الضغط الخارجي باتجاه تسخير الموارد المالية صوب التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وخلق انسجام إقليمي يسمح بتدفق الاستثمارات، ويُعزز "منافع السلام" لصالح الشعوب عوض خصومات الماضي. بالإضافة إلى الاستقرار وتدفق الاستثمارات، ووقف الهجرة السرية نحو أوروبا، والحد من الاستقطاب الخارجي الذي تغذيه الخلافات الإقليمية، التي تمتد جنوبا نحو دول الساحل الأفريقي، حيث تنتشر الحركات الجهادية، والجماعات المسلحة الانفصالية والإجرامية. وهو مُبرر تسلل قوى خارجية، ما دفع واشنطن إلى التحرك للحد من التوسع العسكري الروسي، واستغلال الصين للموارد الطبيعية الغنية المحلية. 
تدرك الإدارة الأميركية أنه دون تخفيف التوتر في المنطقة المغاربية بين الجزائر والمغرب سيكون من الصعب تسوية الملف الليبي والتحكم في الانفلات الأمني والتسلل الخارجي في مجموع المنطقة.

font change