رفعت البلدان الأوروبية في الشهور الأخيرة وتيرة استعداداتها لاحتمال مواجهة مفتوحة مع روسيا. وفي حين تكثفت الجهود الأوروبية منذ نهاية العام الماضي لتغطية النقص الحاصل في دعم أوكرانيا عسكريا، وتهيئة الأوضاع وتأمين القدرات للدفاع عن الجناح الشرقي لـ"الناتو" وبخاصة بلدان البلطيق من دون دعم أميركي تحسبا لعودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الحكم، فإن الهجمات بمسيرات (درونز) على بولندا ورومانيا وبعدها على الدنمارك ومطارات في ألمانيا وبلدان أخرى، كشفت عدم استعداد أوروبا للمواجهة. ودفعت التحذيرات الاستخباراتية- حول استعدادات روسيا لغزو بلدان أوروبية في غضون ثماني سنوات على الأكثر- بروكسل إلى تبني مخططات جديدة للدفاع تنطلق من دعم أوكرانيا عسكريا لتمكينها من الصمود في وجه آلة الحرب الروسية كحائط صد أولي عن أمن أوروبا، وتقديم دعم اقتصادي إضافي لأوكرانيا لضمان عدم انهيار الدولة وتعزيز الصناعات الدفاعية فيها.
وفي الوقت ذاته، تعمل أوروبا على تجفيف مصادر تمويل الحرب الروسية على أوكرانيا عبر سلاح تشديد العقوبات وحرمان الاقتصاد الروسي من مصادر دخله الأساسية، وتشديد الخناق على عمليات الالتفاف على العقوبات السابقة سواء عبر الاستيراد الموازي من دول تربطها علاقات جيدة مع روسيا أو "أسطول الظل" لتصدير النفط الروسي. وتزامنا مع الخطوات السابقة تعمل أوروبا بمسارين الأول إقناع الرئيس ترمب بمواصلة دعم أوكرانيا أو إنهاء الحرب من دون أن تحقق روسيا نصرا عسكريا كبيرا يفتح شهيتها لاحقا لتوجيه ضربات لبلدان البلطيق أو مولدوفا. والثاني، ضخ استثمارات كبيرة في الصناعات الدفاعية وتأهيل جيوشها وبناها التحتية لتكون جاهزة لحرب هجينة مع روسيا، وزيادة حجم التنسيق الدفاعي بين مختلف بلدان الاتحاد الأوروبي لتعويض احتمال تراجع التزام الولايات المتحدة بأمن القارة العجوز.
وفي قمتهم الأخيرة في الشهر الماضي، ناقش قادة الاتحاد الأوروبي، جملة من القضايا المرتبطة بدعم أوكرانيا. فإلى جانب حزمة العقوبات التاسعة عشرة، وإمكانية استخدام الأصول الروسية المجمّدة، تناول القادة سبل تكثيف الدعم العسكري لكييف قبل حلول فصل الشتاء، تحسبا لتصعيد روسي متوقّع يستهدف البنية التحتية الأوكرانية.
وشكّل تراجع الرئيس ترمب عن اقتراح عقد قمة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في بودابست، فرصة سانحة لبلدان الاتحاد الأوروبي لتعزيز موقفها ودفع مبادرة جديدة لإنهاء الحرب. بيد أن التباين في مواقف الدول الأوروبية، والتبعات القانونية والسياسية لاستخدام الأصول الروسية المجمّدة، فضلا عن محدودية القدرات الأوروبية في توفير الدعم العسكري اللازم لأوكرانيا في ظل توقف المساعدات الأميركية، تساؤلات حول واقعية الخطة الأوروبية الجديدة، ومدى إمكانية تنفيذها في وقت تواصل فيه موسكو تمسّكها بشروطها لوقف الحرب، وتحتفظ قواتها بأفضلية ميدانية في النقاط الساخنة على الجبهات.
إضعاف روسيا ودعم أوكرانيا
تراهن أوروبا في خيارها الاقتصادي حيال الملف الأوكراني على مسار مزدوج يجمع بين إضعاف آلة الحرب الروسية وتأمين دعم مالي مستدام لأوكرانيا. وفي هذا الإطار، اعتمد الاتحاد الأوروبي في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي حزمته التاسعة عشرة من العقوبات على موسكو، مركّزا على قطاعي الطاقة والتمويل.
وبموجب هذه الحزمة، تسعى دول الاتحاد إلى قطع إمدادات الغاز الروسي بشكل تدريجي، وهو مسار ترغب المفوضية الأوروبية في إنجازه في وقت مبكر من 1 يناير/كانون الثاني 2027. كما تضمنت العقوبات إدراج 117 سفينة إضافية يُشتبه في انتمائها إلى ما يُعرف بـ"أسطول الظل" الذي تستخدمه موسكو للالتفاف على القيود النفطية، ما رفع عدد السفن الخاضعة للعقوبات إلى 558 سفينة يُحظر عليها الرسو في موانئ الاتحاد الأوروبي.
وتشمل الحزمة أيضا إجراءات ضد عدد من المصارف الروسية وشركات إدارة العملات المشفّرة، فضلا عن شركات في دول أخرى، ولا سيما الصين، يُعتقد أنها تسهم في التحايل على العقوبات السابقة. كما فُرضت قيود أكثر صرامة على تحركات الدبلوماسيين الروس داخل الاتحاد الأوروبي.


