خيارات أوروبا في مواجهة روسيا ودعم أوكرانيا

الرهان على الخيار السياسي

أ ب
أ ب
جنود من اللواء الأول للحرس الوطني الأوكراني يجرون تدريبات قتالية في شمال أوكرانيا، الجمعة 3 نوفمبر 2024

خيارات أوروبا في مواجهة روسيا ودعم أوكرانيا

رفعت البلدان الأوروبية في الشهور الأخيرة وتيرة استعداداتها لاحتمال مواجهة مفتوحة مع روسيا. وفي حين تكثفت الجهود الأوروبية منذ نهاية العام الماضي لتغطية النقص الحاصل في دعم أوكرانيا عسكريا، وتهيئة الأوضاع وتأمين القدرات للدفاع عن الجناح الشرقي لـ"الناتو" وبخاصة بلدان البلطيق من دون دعم أميركي تحسبا لعودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الحكم، فإن الهجمات بمسيرات (درونز) على بولندا ورومانيا وبعدها على الدنمارك ومطارات في ألمانيا وبلدان أخرى، كشفت عدم استعداد أوروبا للمواجهة. ودفعت التحذيرات الاستخباراتية- حول استعدادات روسيا لغزو بلدان أوروبية في غضون ثماني سنوات على الأكثر- بروكسل إلى تبني مخططات جديدة للدفاع تنطلق من دعم أوكرانيا عسكريا لتمكينها من الصمود في وجه آلة الحرب الروسية كحائط صد أولي عن أمن أوروبا، وتقديم دعم اقتصادي إضافي لأوكرانيا لضمان عدم انهيار الدولة وتعزيز الصناعات الدفاعية فيها.

وفي الوقت ذاته، تعمل أوروبا على تجفيف مصادر تمويل الحرب الروسية على أوكرانيا عبر سلاح تشديد العقوبات وحرمان الاقتصاد الروسي من مصادر دخله الأساسية، وتشديد الخناق على عمليات الالتفاف على العقوبات السابقة سواء عبر الاستيراد الموازي من دول تربطها علاقات جيدة مع روسيا أو "أسطول الظل" لتصدير النفط الروسي. وتزامنا مع الخطوات السابقة تعمل أوروبا بمسارين الأول إقناع الرئيس ترمب بمواصلة دعم أوكرانيا أو إنهاء الحرب من دون أن تحقق روسيا نصرا عسكريا كبيرا يفتح شهيتها لاحقا لتوجيه ضربات لبلدان البلطيق أو مولدوفا. والثاني، ضخ استثمارات كبيرة في الصناعات الدفاعية وتأهيل جيوشها وبناها التحتية لتكون جاهزة لحرب هجينة مع روسيا، وزيادة حجم التنسيق الدفاعي بين مختلف بلدان الاتحاد الأوروبي لتعويض احتمال تراجع التزام الولايات المتحدة بأمن القارة العجوز.

وفي قمتهم الأخيرة في الشهر الماضي، ناقش قادة الاتحاد الأوروبي، جملة من القضايا المرتبطة بدعم أوكرانيا. فإلى جانب حزمة العقوبات التاسعة عشرة، وإمكانية استخدام الأصول الروسية المجمّدة، تناول القادة سبل تكثيف الدعم العسكري لكييف قبل حلول فصل الشتاء، تحسبا لتصعيد روسي متوقّع يستهدف البنية التحتية الأوكرانية.

وشكّل تراجع الرئيس ترمب عن اقتراح عقد قمة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في بودابست، فرصة سانحة لبلدان الاتحاد الأوروبي لتعزيز موقفها ودفع مبادرة جديدة لإنهاء الحرب. بيد أن التباين في مواقف الدول الأوروبية، والتبعات القانونية والسياسية لاستخدام الأصول الروسية المجمّدة، فضلا عن محدودية القدرات الأوروبية في توفير الدعم العسكري اللازم لأوكرانيا في ظل توقف المساعدات الأميركية، تساؤلات حول واقعية الخطة الأوروبية الجديدة، ومدى إمكانية تنفيذها في وقت تواصل فيه موسكو تمسّكها بشروطها لوقف الحرب، وتحتفظ قواتها بأفضلية ميدانية في النقاط الساخنة على الجبهات.

إضعاف روسيا ودعم أوكرانيا

تراهن أوروبا في خيارها الاقتصادي حيال الملف الأوكراني على مسار مزدوج يجمع بين إضعاف آلة الحرب الروسية وتأمين دعم مالي مستدام لأوكرانيا. وفي هذا الإطار، اعتمد الاتحاد الأوروبي في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي حزمته التاسعة عشرة من العقوبات على موسكو، مركّزا على قطاعي الطاقة والتمويل.

وبموجب هذه الحزمة، تسعى دول الاتحاد إلى قطع إمدادات الغاز الروسي بشكل تدريجي، وهو مسار ترغب المفوضية الأوروبية في إنجازه في وقت مبكر من 1 يناير/كانون الثاني 2027. كما تضمنت العقوبات إدراج 117 سفينة إضافية يُشتبه في انتمائها إلى ما يُعرف بـ"أسطول الظل" الذي تستخدمه موسكو للالتفاف على القيود النفطية، ما رفع عدد السفن الخاضعة للعقوبات إلى 558 سفينة يُحظر عليها الرسو في موانئ الاتحاد الأوروبي.

وتشمل الحزمة أيضا إجراءات ضد عدد من المصارف الروسية وشركات إدارة العملات المشفّرة، فضلا عن شركات في دول أخرى، ولا سيما الصين، يُعتقد أنها تسهم في التحايل على العقوبات السابقة. كما فُرضت قيود أكثر صرامة على تحركات الدبلوماسيين الروس داخل الاتحاد الأوروبي.

تراهن أوروبا في خيارها الاقتصادي حيال الملف الأوكراني على مسار مزدوج يجمع بين إضعاف آلة الحرب الروسية وتأمين دعم مالي مستدام لأوكرانيا

وتزامن هذا التصعيد مع فرض واشنطن عقوبات على شركتي "روسنفت" و"لوك أويل"، مستهدفة شبكات الشحن والتكرير والتجارة التابعة لهما داخل روسيا وخارجها. ورغم أن هذه الإجراءات قد ترفع مؤقتا أسعار النفط وكلفة الشحن، فإنها تُضيّق الخناق على العائدات الروسية التي تموّل العمليات العسكرية، في إطار جهد منسّق لتقويض القدرات الاقتصادية الروسية قبل حلول الشتاء.

وفي مسار مُكمل، يتواصل العمل على إيجاد السبل الكفيلة لتنفيذ مقترح لاستخدام الأرصدة الروسية المجمّدة في أوروبا لتمويل أوكرانيا عبر قرض طويل الأجل بقيمة (140 مليار يورو)، يُمنح دون فوائد بضمان هذه الأرصدة المودعة أساسا في مؤسسة "يوروكلير" البلجيكية. وتقوم الفكرة على أن تبدأ أوكرانيا السداد فقط عندما تدفع روسيا تعويضات الحرب، لتتحول هذه الخطوة إلى سلفة مسبقة على تلك التعويضات.

وأثار المقترح منذ طرحه على بساط البحث انقساما واسعا داخل الاتحاد الأوروبي. فبينما اعتبرته بعض الدول آلية مبتكرة لدعم كييف دون تحميل دافعي الضرائب الأوروبيين أعباء جديدة، عبّر الكثير من المسؤولين الأوروبيين عن مخاوف من أن يقوّض استخدام الأرصدة المجمّدة الثقة باليورو ويُضعف جاذبية الاتحاد كمركز استثماري آمن. أما بلجيكا، الدولة المضيفة لمؤسسة "يوروكلير"، فكانت الأكثر تحفظا، مطالبة بضمانات من بقية الأعضاء تحميها من أي تبعات قانونية، ومحذّرة مما وصفه رئيس وزرائها بارت دي ويفر بـ"أكل الدجاج للبيضة الذهبية".

ويبقى المقترح رهن الصياغة القانونية المنتظرة من المفوضية الأوروبية، التي يُتوقّع أن تقدّم خلال الأسابيع المقبلة تصورا واضحا لآلية القرض وحدود استخدام الأموال بما يتوافق مع القانون الدولي، قبل طرحه رسميا للمصادقة، وهي خطوة يُرجّح تأجيلها إلى نهاية العام الحالي.

أ.ف.ب
صورة جماعية لدونالد ترمب وقادة أوروبا في البيت الأبيض في 18 أغسطس

ويواجه المقترح الأوروبي لاستخدام الأرصدة الروسية المجمّدة عقبات قانونية واقتصادية معقدة. فعلى الصعيد القانوني، يتعين على المفوضية الأوروبية تجنّب خرق مبدأ حصانة الأصول السيادية المنصوص عليه في القانون الدولي، وهو ما يجعل أي تحرّك نحو مصادرة أصل الأموال محفوفا بالمخاطر، لذا يجري التركيز على استخدام العوائد الناتجة عن هذه الأرصدة أو تقديم قروض بضمانها كبديل أقل إشكالية. وتراهن المفوضية على صياغة قانونية دقيقة تُبقي على التماسك الأوروبي وتمنح أوكرانيا مصدر تمويل طويل الأمد دون تعريض الاتحاد لمخاطر مالية أو سياسية جديدة خاصة في ظل تراجع النمو الاقتصادي في بلدان الاتحاد الأوروبي.

الخيار السياسي.. للدعم الأوروبي لأوكرانيا عقبات متعددة

إضافة إلى الخيار الاقتصادي لإضعاف روسيا ودعم أوكرانيا، تراهن أوروبا على خيار سياسي يسعى إلى بلورة تسوية تُنهي الحرب وتُكرّس دورها كفاعل أساسي في إدارة الأزمة الأوكرانية. وتعمل مجموعة من الدول الأوروبية بالتنسيق مع كييف على إعداد خطة متكاملة تتضمن وقفا لإطلاق النار، وضمانات أمنية لأوكرانيا، ومساعدات لإعادة الإعمار، إضافة إلى تسريع مسار انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، مع التأكيد على ضرورة حضورها في أي مفاوضات مستقبلية لتسوية الأزمة.

لكن هذا المسار السياسي يواجه عقبات بنيوية متعددة. فـتقلبات مواقف الرئيس ترمب تجعل الالتزام الأميركي غير مستقر، وتُضعف قدرة أوروبا على تنسيق خطواتها مع واشنطن، التي ما زالت تُمسك بمفاتيح التأثير الأكبر على الطرفين المتحاربين. في المقابل، ترفض روسيا أي دور أوروبي مقرّر في مسار التسوية، متمسكة بفكرة أن الحل يجب أن يُصاغ في إطار تفاوض مباشر مع الولايات المتحدة، لا مع الاتحاد الأوروبي الذي تعتبره طرفا غير محايد.

بين دعم أوكرانيا وتعزيز القدرات الذاتية، يواجه الاتحاد الأوروبي مفاضلة صعبة: فهل يمكن للدول الأوروبية أن تُعطي الأولوية لفترة طويلة لتسليح كييف على حساب إعادة بناء منظوماتها الدفاعية؟

إلى جانب ذلك، تكشف الخطة الأوروبية عن تباينات داخلية عميقة بين دول الاتحاد. فدول الشرق والبلطيق، ومعها الدول الإسكندنافية، وخاصة السويد وفنلندا والدنمارك، تتبنّى نهجا متشددا حيال موسكو وتعارض أي تسوية تُمنح فيها روسيا مكاسب ميدانية أو سياسية. في المقابل، تميل دول كبرى مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا إلى مقاربة أكثر برغماتية تربط استمرار الدعم العسكري بآفاق سياسية واقعية، خشية أن يؤدي التصعيد المستمر إلى إنهاك أوروبا اقتصاديا وإطالة أمد الحرب.

أما المجر، فتتخذ موقفا معارضا بقوة لتقديم أي دعم عسكري جديد لأوكرانيا، وتنتقد علنا سياسات الاتحاد في هذا الملف، فيما تُبدي التشيك وبعض دول أوروبا الوسطى الأخرى تحفظا متزايدا إزاء الانخراط العميق في الدعم العسكري رغم التزامها بالموقف السياسي العام للاتحاد الأوروبي.

الخيار العسكري والسعي لتعويض الانكفاء الأميركي

بعد تعثّر الجهود الأميركية للتسوية وتراجع واشنطن عن تقديم مساعدات عسكرية إضافية لكييف، تجد أوروبا نفسها أمام اختبار القدرة والاستعداد لتحمّل عبء دعم أوكرانيا عسكريا. وفي غياب الدعم الأميركي، تسعى بروكسل إلى سدّ الفجوة في التسليح والتمويل عبر رفع موازنات الدفاع، وتوسيع برامج التدريب والإمداد بالذخائر والأسلحة الثقيلة، مع رهان على تعزيز الإنتاج العسكري الأوروبي ليصبح أكثر استقلالية خلال الأعوام المقبلة.

Getty Images
رجل يسير بجوار مبنى سكني مدمر في مدينة ليمان شرق أوكرانيا في 4 يناير 2023

ورغم الإمكانات الكبيرة للاقتصاد الأوروبي، والزيادات الكبيرة في الموازنات الدفاعية، ما تزال القدرات الإنتاجية الأوروبية محدودة مقارنة بنظيرتها الروسية. فالصناعات العسكرية الأوروبية في مجالات الذخيرة والمدفعية والدبابات تعاني من بطء البيروقراطية وتشتّت خطوط الإنتاج وتباين المواصفات بين الدول الأعضاء، وهو ما يقلل من فاعلية الإنفاق الدفاعي ويُضعف قدرة الاتحاد الأوربي على تلبية احتياجات أوكرانيا الميدانية في المدى المنظور.

ويضاف إلى ذلك أنّ الكثير من الصناعات الدفاعية الأوروبية تعتمد على مكونات أميركية أساسية، ولا سيما في مجالي الصواريخ والطائرات. فـالطائرة السويدية "غريبن" (Gripen)، على سبيل المثال، تستخدم محركا أميركياً من طراز "F404"، ما يجعل تنفيذ الصفقة الأخيرة لبيع مئة طائرة لأوكرانيا مرهونا بموافقة واشنطن على تصدير المكونات. ومما لا شك فيه أن هذه التبعية التقنية تُظهر حدود استقلالية أوروبا العسكرية، وتُبرز هشاشة قدرتها على تعويض الانكفاء الأميركي.

وبين دعم أوكرانيا وتعزيز القدرات الذاتية، يواجه الاتحاد الأوروبي مفاضلة صعبة: فهل يمكن للدول الأوروبية أن تُعطي الأولوية لفترة طويلة لتسليح كييف على حساب إعادة بناء منظوماتها الدفاعية؟ وفي حين ترى بعض الحكومات أن تمكين أوكرانيا من الصمود هو أفضل وسيلة لحماية أمن القارة، يحذّر قادة عسكريون أوروبيون من أن استمرار تحويل الذخائر والمعدات نحو الجبهة الأوكرانية يُفرغ المخزونات الدفاعية الوطنية، ويُضعف الجاهزية الأوروبية لأي مواجهة مباشرة محتملة مع روسيا.

عرضت المفوضية الأوروبية في أكتوبر خريطة طريق للاستعداد الدفاعي، بهدف إعداد الاتحاد الأوروبي "لردع خصومه بفعالية والرد على أي عدوان" بحلول عام 2030

ويترافق هذا الحل مع ضغوط مالية وسياسية متزايدة ناجمة عن الإنفاق الدفاعي المرتفع، في وقت تعاني فيه اقتصادات القارة من التباطؤ والتضخم، وتواجه حكوماتها صعوبات في موازنة الأولويات بين الدفاع والرفاه الاجتماعي. ففي فرنسا، مثلا، أدت زيادة المخصصات الدفاعية وتراجع النمو إلى توترات داخلية داخل الائتلاف الحاكم، بينما تواجه الحكومتان الألمانية والإيطالية انتقادات متنامية بسبب تأثير النفقات العسكرية على الاستقرار المالي والخدمات العامة.

ومن الواضح أن المفوضية الأوروبية ورغم إدراكها للمشكلات الناجمة عن مواصلة دعم أوكرانيا، تنطلق من أن هذا الدعم ليس خيارا تكتيكيا بل التزام استراتيجي، يهدف إلى منع انهيار النظام الأمني الأوروبي، وإبقاء روسيا تحت ضغط دائم حتى لا تتمكن من تهديد حدود القارة العجوز مجددا.

الخيارات الأوروبية بين الطموح والواقع

عرضت المفوضية الأوروبية في أكتوبر/تشرين الأول خريطة طريق للاستعداد الدفاعي، بهدف إعداد الاتحاد الأوروبي "لردع خصومه بفعالية والرد على أي عدوان" بحلول عام 2030.

ووفقا للوثيقة، يجب أن يكون الاتحاد الأوروبي قادرا، في غضون خمس سنوات، على الاستجابة لـ"مشهد التهديدات المتغير" الذي يواجهه، وخاصة من روسيا، التي "تشكل تهديدا مستمرا للأمن الأوروبي في المستقبل المنظور".

غيتي
جنود أوكرانيون يسيرون على محيط القاعدة في شبه جزيرة القرم في 2 مارس 2014 في بيريفالني، أوكرانيا

وقالت رئيسة المفوضية، أورسولا فون ديرلاين: "أظهرت التهديدات الأخيرة أن أوروبا في خطر. علينا حماية كل مواطن وكل سنتيمتر مربع من أراضينا". وحددت المفوضية أربعة مشاريع رئيسة في خارطة الطريق، بالإضافة إلى تعزيز المجمع الصناعي العسكري للاتحاد، مع مواصلة دعم أوكرانيا، التي تعتبر "جزءا لا يتجزأ من هيكل الدفاع والأمن في أوروبا".

وتضم الجهود الدفاعية الرئيسة الأربعة في خارطة الطريق: مبادرة الدفاع الأوروبية للطائرات المسيّرة، ورصد الجناح الشرقي، والدرع الجوي الأوروبي، والدرع الفضائي الأوروبي. وتتمثل الفكرة في أن تساعد المفوضية الأعضاء على التنسيق بشأن المشاريع الضخمة التي لا تستطيع دولة واحدة تنفيذها بمفردها، مع مراعاة ضرورة الحفاظ على السيادة الوطنية على الدفاع.

وتكشف المخططات الأوروبية عن محاولة حثيثة لتعويض تراجع الدور الأميركي في إدارة الحرب الأوكرانية، لكنها في الوقت نفسه تُبرز حدود القدرة الأوروبية على تحويل الإرادة إلى فعل.

فعلى المستوى الاقتصادي، تبدو أدوات بروكسل قوية من حيث العقوبات والتمويل، غير أن نتائجها الميدانية بقيت محدودة بعدما نجحت روسيا خلال السنوات الماضية في الالتفاف على جزء كبير من القيود عبر شبكات تجارية ومالية بديلة.

أما الخيار السياسي، فرغم سعي الاتحاد الأوروبي إلى بلورة تسوية أوروبية خالصة تُثبّت حضور الاتحاد في مسار الحل، فإن تباين المواقف داخل القارة وتقلبات العلاقة مع واشنطن ورفض موسكو لأي دور أوروبي مقرّر، تُضعف فرص امتلاكه زمام مبادرة ذات وزن حقيقي.

وفي البعد العسكري، تُظهر البلدان الأوروبية استعدادا متزايدا لتحمّل أعباء الدعم الميداني، لكنها ما زالت تواجه فجوة إنتاجية عسكرية واضحة تحدّ من قدرتها على تعويض الانكفاء الأميركي، فيما تتزايد مخاوفها الأمنية والضغوط الاقتصادية والاجتماعية على حكوماتها.

font change