هل يصنع ترمب السلام أم يكتفي بالهدن؟

القضايا الجوهرية تبقى بلا حل جذري

أ.ف.ب
أ.ف.ب
فلسطينيون يتجهون إلى مدينة غزة عبر "ممر نتساريم" من النصيرات وسط قطاع غزة في 11 أكتوبر 2025.

هل يصنع ترمب السلام أم يكتفي بالهدن؟

يحرص دونالد ترمب على تقديم نفسه بوصفه صانع سلام. ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وخلال حضوره مراسم توقيع اتفاق سلام بين كمبوديا وتايلاند، تفاخر قائلا: "هذا واحد من ثماني حروب أنهتها إدارتي خلال ثمانية أشهر فقط". واعتبر ذلك إنجازا غير مسبوق، مضيفا: "لا أذكر رئيسا واحدا نجح في إنهاء حرب... إنهم يبدأون الحروب ولا يحلونها". وكما هو معلوم، فإن ترمب يطمح لنيل جائزة نوبل للسلام آجلا أم عاجلا، وتبدو هذه التصريحات جزءا من حملة تهدف إلى تعزيز فرصه في الحصول عليها.

ومع أن ترمب يستحق بعض التقدير لدوره في دفع عدد من القادة نحو إبرام هدن، فإن السؤال يبقى: هل هذا يجعله حقا صانع سلام؟ فبالرغم من تحقيقه بعض النجاحات الحقيقية، فإن معظم النزاعات الثمانية التي يدعي أنه أنهاها لم تحل فعليا. وعند التمحيص، يتضح أن ما تروج له الإدارة إما مبالغ فيه أو سابق لأوانه. فترمب قد يكون نجح في فرض وقف لإطلاق النار، لكنه لم يبذل جهدا يذكر لتحويل تلك الهدن إلى اتفاقات سلام دائمة.

تشمل النزاعات الثمانية التي يدعي ترمب أنه حلها: الصراع بين "حماس" وإسرائيل، حرب الأيام الاثني عشر بين إسرائيل وإيران، النزاع بين أرمينيا وأذربيجان، الخلاف الحدودي بين تايلاند وكمبوديا، التوترات بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، الاشتباكات الحدودية بين الهند وباكستان، إضافة إلى الخلافات بين صربيا وكوسوفو، ومصر وإثيوبيا.

ومن بين هذه النزاعات، يعد النزاعان الأخيران الأكثر إثارة للشك. ففي يونيو/حزيران، قال ترمب: "كانت صربيا وكوسوفو على وشك الدخول في حرب كبيرة. قلت لهم: إن خضتم الحرب، فلن يكون هناك تجارة مع الولايات المتحدة. فقالوا: ربما لن نخوضها."

لكن لم يكن هناك صراع فعلي قائم، إذ لم تكن الدولتان في حالة حرب، رغم أن صربيا لا تعترف باستقلال كوسوفو. وعندما واجهته "هيئة الإذاعة البريطانية" (BBC) بهذه النقطة، أشار البيت الأبيض إلى جهود ترمب في دفع البلدين نحو تطبيع اقتصادي عام 2020، وهو ما لا يعد دليلا على إنهاء حرب.

ركز ترمب على فرض هدن قصيرة الأجل يمكنه التفاخر بها في سعيه لنيل جائزة نوبل، رغم أن معظمها لا يبدو قابلا للاستمرار

وبالمثل، ادعى ترمب قائلا: "لن أحصل على جائزة نوبل للسلام مع أنني حافظت على السلام بين مصر وإثيوبيا"، في إشارة إلى دوره المفترض في منع تصاعد التوترات بين الجارتين الأفريقيتين بشأن سد النهضة الإثيوبي. غير أن إثيوبيا نفت هذه المزاعم، ولم تكن هناك حرب فعلية ليقوم ترمب بإنهائها.

أما النزاع الثالث، وهو الاشتباك الحدودي بين الهند وباكستان في مايو/أيار، فقد أثار جدلا مشابها. فبينما زعم البيت الأبيض أن وقف إطلاق النار جاء نتيجة وساطة أميركية، وسارعت باكستان إلى ترشيح ترمب لجائزة نوبل، نفت الهند أي دور أميركي في التهدئة.

رويترز
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث إلى وسائل الإعلام لدى وصوله إلى مطار بالم بيتش الدولي في فلوريدا، الولايات المتحدة، 31 أكتوبر 2025

وعلاوة على ذلك، وكما هو الحال في معظم هذه الحالات، فإن الاتفاق لم يعالج جذور الخلافات التاريخية بين إسلام آباد ونيودلهي. لقد اتفق الطرفان على وقف القتال، ولكن دون أي خطوات نحو تسوية حقيقية.

هدن بلا سلام

في النزاعات الخمسة المتبقية، يظهر دور ترمب أكثر وضوحا، إلا أن أربعة منها تشترك مع حالة الهند وباكستان في أن القضايا الجوهرية لم تحل بعد. فقد دفعت تهديدات ترمب بعدم خفض الرسوم الجمركية على واردات تايلاند وكمبوديا الدولتين إلى الانخراط بجدية أكبر في محادثات هدنة توسطت فيها ماليزيا. ومع أن المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، بالغت في إبراز دور ترمب كصانع سلام، مغردة على منصة "إكس": "امنحوه جائزة نوبل للسلام"! فإن الاتفاق الذي أبرم لم يكن سوى هدنة غير مشروطة، لم تتطرق إلى جوهر النزاع الممتد لعقود حول الحدود البرية التي تمتد لمسافة 500 ميل بين كمبوديا وتايلاند. ولم تظهر أي مؤشرات على أن ترمب يعتزم الدعوة إلى مفاوضات أكثر تفصيلا أو الإشراف عليها بغية التوصل إلى حلول دائمة.

رويترز
أعلام إيرانية وتبدو من خلفها النيران والدخان في منشأة نفطية في طهران، قصفتها الطائرات الإسرائيلية، 15 يونيو 2025

قصة مشابهة تكررت حين زار وزيرا خارجية رواندا والكونغو البيت الأبيض في يونيو/حزيران. ورغم أن ترمب أعلن أنه أنهى "واحدة من أسوأ الحروب التي شهدها العالم"، فإن الاتفاق الذي توسط فيه لم يتجاوز إعادة تأكيد التزام الحكومتين بوقف إطلاق النار الذي كان قد وقع قبل عام. والأهم من ذلك، أن ميليشيا "إم-23"، التي يقال إن رواندا تدعمها والتي خاضت معظم المعارك ضد القوات الكونغولية، لم تكن طرفا في المفاوضات، بل رفضت الاتفاق جملة وتفصيلا. ولم يكن مفاجئا أن القتال استؤنف في غرب الكونغو في أغسطس/آب.

في الشرق الأوسط، لم يكن أداء ترمب في صنع السلام أفضل حالا. صحيح أنه ساهم في إنهاء الحرب بين إيران وإسرائيل خلال الصيف، إلا أن ذلك لم يتبع بأي جهد يذكر نحو إبرام اتفاق سلام

وفي الشرق الأوسط، لم يكن أداء ترمب في صنع السلام أفضل حالا. صحيح أنه ساهم في إنهاء "حرب الأيام الاثني عشر" بين إيران وإسرائيل خلال الصيف، عبر قصف منشآت نووية إيرانية باستخدام قنابل خارقة للتحصينات، إلا أن ذلك لم يتبع بأي جهد يذكر نحو إبرام اتفاق سلام. فالدولتان لا تزالان خصمين لدودين، ورغم أن الانتصارات العسكرية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة حدت من نفوذ إيران، فإن المؤشرات لا توحي بزوال التوتر بينهما. بل إن اندلاع جولة جديدة من الصراع يبدو احتمالا واردا في المستقبل القريب.

وبالمثل، ورغم الدعم الإقليمي والأوروبي الذي حظي به اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والذي أعلن عنه في شرم الشيخ في أكتوبر/تشرين الأول، فإن البيت الأبيض لم يبادر إلى معالجة الأسباب الجذرية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. بل إن الهدنة قد خرقت مرارا، ولم تنفذ بعد بنود أساسية من خطة ترمب ذات النقاط العشرين، وعلى رأسها تشكيل قوة حفظ السلام التي يفترض أن تتولى إدارة غزة بعد مرحلة ما بعد "حماس". ومن غير الواضح ما إذا كان ترمب ملتزما فعلا بتحقيق السلام بما يكفي لضمان تنفيذ خطته في غزة، فضلا عن التصدي للتحدي الأكبر المتمثل في إيجاد حل دائم يقوم على أساس الدولتين.

استثناء أرمينيا وأذربيجان

من بين النزاعات الثمانية التي يدعي ترمب أنه أنهاها، لا يبرز سوى نزاع واحد بوصفه اتفاق سلام حقيقي: الصراع بين أرمينيا وأذربيجان. فمنذ انهيار الاتحاد السوفياتي، ظل البلدان في حالة نزاع، وتجدد القتال مؤخرا في حرب ساخنة حول إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه. ومع ذلك، التقى زعيما الدولتين في البيت الأبيض في أغسطس/آب، وتصافحا، ويبدو أنهما في طريقهما لتطبيع العلاقات.

وقد لعب ترمب دورا محوريا في هذا الإنجاز، إذ تعهد بدعم مشروع إنشاء ممر يربط أذربيجان بجيب ناخيتشيفان التابع لها عبر الأراضي الأرمينية– وهي قضية كانت تهدد بإشعال حرب جديدة بين باكو ويريفان. وعلى خلاف النزاعات الأخرى التي تناولها المقال، سعت إدارة ترمب إلى معالجة بعض القضايا الجوهرية بين الطرفين، وسعت إلى إيجاد حلول لها.

وقد ساعدت الظروف الجيوسياسية المتغيرة ترمب في ذلك، لا سيما تراجع نفوذ روسيا، الشريك التقليدي لأرمينيا، مما دفع يريفان إلى تقديم تنازلات والبحث عن تحالفات جديدة. ورغم ذلك، فإن ترمب يستحق الثناء على نجاحه في إبرام هذا الاتفاق، الذي يتمتع– خلافا لسواه– بفرص حقيقية للاستمرار على المدى الطويل.

جينيا سافيلوف- أ.ف.ب
رجال إطفاء أوكرانيون يُخمدون حريقا اندلع في موقع مستودع أغذية إثر هجوم صاروخي روسي في كييف، فجر 25 أكتوبر

لكن هذا الاستثناء يؤكد القاعدة. فالنزاعات السبعة الأخرى التي يدعي ترمب أنه "أنهاها" لا تبشر بمثل هذه الآفاق. بل إن معظمها يبدو وكأنه مجمع بشريط لاصق، قابل للانفراط في أي لحظة، وربما قبل مغادرة ترمب للبيت الأبيض.

وعلى عكس حالة أرمينيا وأذربيجان، لم تظهر الإدارة الأميركية اهتماما كافيا بالتفاصيل الدقيقة لصناعة السلام: أي العمل على القضايا الجوهرية للنزاع والسعي لحلها. وبدلا من ذلك، ركز ترمب على فرض هدن قصيرة الأجل يمكنه التفاخر بها في سعيه لنيل جائزة نوبل، رغم أن معظمها لا يبدو قابلا للاستمرار.

قد يكون ترمب بارعا في فرض وقف إطلاق النار، لكن مؤهلاته كصانع سلام لا تزال موضع شك.

font change

مقالات ذات صلة