على خلفية إخفاقه في إنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا بعد نحو عام على انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، بعثت تصريحات وإجراءت الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الأسابيع الأخيرة رسائل حول تغيرات في مقارباته للضغط على روسيا. وفي المقابل، وفي ظل تصعيد الخطاب النووي وإجراء موسكو وواشنطن تجارب صاروخية للتأكد من قدرة الأسلحة النووية لدى كل منهما على الردع، وتحديث بعض أنواع الأسلحة القادرة على إطلاق الأسلحة النووية، وتمهيد كل طرف لإمكانية استئناف التجارب النووية الكاملة، من غير المستبعد أن الجانبين يستخدمان مبدأ "التصعيد من أجل التهدئة" للتوصل إلى حزمة تفاهمات واتفاقات لإبعاد خطر حرب عالمية ثالثة بمكونات نووية، تتضمن تسوية الحرب في أوكرانيا والتوافق على تمديد اتفاقية "ستارت الجديدة" التي تنتهي مدتها في فبراير/شباط المقبل والتي تعد آخر اتفاقية بين الاتفاقات الكبرى للتوازن الاستراتيجي وضبط التسلح بين القوتين العظميين.
وفي تحول لافت منذ عودته إلى البيت الأبيض، قرر ترمب فرض عقوبات على شركتي "روسنفت" و"لوك أويل" الروسيتين. وفاجأ ترمب المراقبين، في 22 أكتوبر/تشرين الأول بقرار إلغاء قمة روسية أميركية كان اقتراحها في بودابست "لبحث إمكانية إنهاء هذه الحرب المشينة بين روسيا وأوكرانيا"، إثر مكالمة هاتفية وصفها بأنها "مثمرة للغاية" في 16 أكتوبر الماضي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين. وأثناء لقاء مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، قال ترمب: "ألغينا الاجتماع مع الرئيس بوتين، لم أشعر بأنه مناسب". وأضاف: "لم أشعر بأننا سنصل إلى الهدف المنشود. لذلك ألغيته، لكننا سنفعل ذلك في المستقبل". وعبر ترمب عن إحباطه من تعثر المفاوضات، وقال "بصراحة، كل ما يمكنني قوله أنه في كل مرة أتحدث فيها مع فلاديمير (بوتين)، أجري محادثات جيدة، ثم لا تسفر عن أي نتيجة".
وبدا أن الولايات المتحدة تراهن على الضغوط الاقتصادية من أجل دفع روسيا للعودة إلى طاولة المفاوضات بمطالب وشروط أقل مما يكرره المسؤولون الروس والتي ترقى إلى "استسلام أوكرانيا" الكامل، وقبول أوروبا بتغيير خريطتها السياسية عبر القوة للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، وفرض نظام أمني جديد في القارة العجوز والعالم يراعي مصالح روسيا وعدم تمدد حلف "الناتو". وبالتوازي، أطلقت إدارة ترمب حوارا ومفاوضات مع القوى المؤثرة على روسيا، وبخاصة الصين والهند بهدف ثنيها عن مواصلة شراء النفط الروسي، والضغط على الكرملين للموافقة على وقف إطلاق النار، وتقديم بعض التنازلات.


