تبلورت الخريطة السياسية الجديدة في العراق، حسب نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخرا، فيما يسود إقليم كردستان مناخ سياسي "قلق". فالنتائج العامة لم تفرز أية كتلة برلمانية "مهيمنة"، تستطع كتل الإقليم أن تتعامل وتتوافق معها على آلية تشكيل مؤسسات السلطة الجديدة، أو تتمكن من التوصل إلى توافقات بشأن الملفات الاقتصادية والسياسية والإدارية العالقة بين الإقليم والحكومة الاتحادية.
كذلك أظهرت النتائج تقاربا في عدد من المقاعد بين الحزبين الرئيسين في الإقليم، إذ تقدم "الاتحاد الوطني الكردستاني" على حساب قوى المعارضة الرئيسة، ما سيشكل عائقا مضافا أمام قدرة الحزبين الرئيسين في الإقليم على تشكيل الحكومة المحلية المنتظرة منذ عدة أشهر.
تشتت المركز
لأكثر من عقدين كاملين، كان إقليم كردستان يضبط علاقته مع المركز عبر الإصرار على أن "التوافقية" هي أساس العملية السياسية في العراق الجديد. فخلال المفاوضات الماراثونية التي سبقت تشكيل مختلف الحكومات الاتحادية العراقية السابقة، كانت القوى السياسية الكردية تصر على وجود مستويين من التفاوض والتوافق السياسي الواجب حصوله: الأول عمومي، بين مختلف القوى داخل قبة البرلمان، بغية تشكيل الكتلة الأكبر لانتخاب رؤساء الجمهورية والبرلمان وتشكيل الحكومة، حسب العرف السياسي التوافقي/التوزيعي في العراق الجديد. والآخر توافق ثنائي، بين الجهة التي ستشكل الحكومة الجديدة وإقليم كردستان نفسه، حول الملفات العالقة والواجب تفعيلها خلال عمر الحكومة الجديدة.
خلال حكومتي رئيس الوزراء السابق نوري المالكي (2006-2014)، ومن بعده حكومات رؤساء الوزراء حيدر العبادي وعادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي ومحمد شياع السوداني، كان ذلك التوافق الثنائي يمر بسلاسة معقولة، بسبب وجود كتلة برلمانية وازنة راعية وداعمة للحكومة الاتحادية المشكلة، مؤلفة بالأساس من التيارات السياسية العراقية "الشيعية" الثلاث الأكثر شعبية، المجلس الأعلى والتيار الصدري وحزب "الدعوة"، التي انتظمت خلال مختلف تلك المراحل ضمن مظلة ما عرف بـ"البيت الشيعي". فطوال هذه السنوات، وأيا كانت النتائج التي تحصل عليها الأحزاب الشيعية الرئيسة، ورغم الكثير من تناقضاته الداخلية، فقد كانت تتوالف ضمن تلك المظلة البرلمانية الداعمة والمشكلة للحكومة، وكانت القوى السياسية في إقليم كردستان تتوصل معها إلى توافقات بشأن المسائل العالقة مع الإقليم، وإن كان الإقليم يشكو على الدوام من عدم تنفيذها لاحقا.

