تصادف اليوم 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الذكرى الثلاثون لرحيل الكاتب والشاعر المغربي محمد خير الدين 1941/1995 وقد كان آخر ما كتبه في انتكاسة مرضه، على حافة الأفول، يوميات هي من أبدع ما كُتب مغربيا، إن لم يكن عربيا بالأحرى، بشجاعة، أو بجسارة لحظة المرض الكاسح، على أهبة الموت الحقيق، وقد نشرت بعد رحيله بعنوان "لا نضع طائرا كهذا في قفص" (2002).
شرع محمد خير الدين في كتابة يومياته في صيف 1995، ابتداء من الاثنين 7 أغسطس/ آب، وانتهاء بـ 28 منه.
آخر عبارة خطها في يوميته هذه: "كان همي كله أن أكون شاعرا"، مذيلا اليوميات بقصيدة عن طائر الصفارية، مهداة إلى صديقه بول روسلون، مهندس في المياه والغابات، وهو من توسط له لدى طبيب الملك الخاص الحسن الثاني، إبراهيم الكداري، الذي عجل بتشخصيه بدقة كاشفا عن التهاب حاد في أذنه مع تعفن، استنادا إلى عدوى من شق لئيم في فكه. وأصل الحكاية في محنته، أن خضع لعملية قلع ضرس فاشلة، أسفرت عن كسر فادح في عظم الفك مصحوب بإغماءة، ومع أن محمد خير الدين التزم احتياطات التعقيم اليومي وفق زعمه، مع تناول الأدوية المضادة للالتهاب، إلا أن الجراثيم عششت في شق فكه، واستفحلت، لتغدو سرطانا قاتلا.
كان محمد خير الدين لحظتها مقيما في فندق "باليما" بالرباط، قبالة البرلمان، قبل أن ينتقل قسريا تحت إكراه مرضه إلى المؤسسة الاستشفائية "معهد الأنكولوجيا". وتعود تفاصيل أولى جلساته في الخضوع للعلاج الكيميائي، منذ عام 1993 مستفيدا من إقامة في فندق "سفير"، على نفقة القصر الملكي، قبل أن ينتقل إلى المستشفى العسكري تحت رعاية بروفسور آخر اسمه بوشعيب جدال (عميد كلية طب الأسنان في الرباط)، وبعدئذ يلوذ بضيعة الغزالة في بوزنيقة، باستضافة من صديقه بول رولسون، كيما يقضي فترة نقاهة، فيعود مرة أخيرة إلى المستشفى العسكري الذي سيلفظ فيه أنفاسه يوم 18 نوفمبر 1995.
غير أني لست حزينا مهما حدث
فرط الألم، الهزال المتفاقم، الإغماءات المتواصلة، انعدام النوم إلا استثناء عند التخدير المضاعف، عدم القدرة على المشي، صعوبة الأكل مع تعذر قراءة حتى جريدة، هي بعض من ملامح محنة الكاتب في شهور مرضه الثلاثة الأولى، قبل أن يسعفه صديقه بول روسلون بنقله إلى طبيب الملك.




