تكشف نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق عن تحول في طبيعة التهديد الذي تمثله الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، بعدما عززت حضورها داخل البرلمان بشكل ملحوظ. غير أن هذا التقدم الانتخابي لا يعكس دعما شعبيا حقيقيا، إذ إن فئات كثيرة من العراقيين الشيعة يبغضون هذه الميليشيات، منذ أن قمعت بعنف "انتفاضة تشرين" عام 2019 دفاعا عن نظام فاسد ومنبوذ، ما أسفر عن مقتل نحو 800 متظاهر وناشط، معظمهم من الشيعة. فكيف يمكن تفسير هذا النجاح الانتخابي إذن؟
تُظهر تجربتي الشخصية خلال 903 أيام من الأسر على يد واحدة من كبرى الميليشيات المدعومة من إيران في العراق، وهي "كتائب حزب الله"، طبيعة الأولويات المتغيرة لهذه الجماعات. فقد انتقلت من رفع شعار "المقاومة" إلى السعي وراء الإثراء الذاتي والاستحواذ على النفوذ السياسي. لم تكن عملية اختطافي سوى جريمة محضة لا تمت بصلة إلى "مقاومة" إسرائيل. ولم يدرك الخاطفون هويتي الإسرائيلية إلا بعد مرور شهر على احتجازي، عندما تمكنوا من الوصول إلى محتوى هاتفي. ومع ذلك، لم يتبدل هدفهم الأساسي بعد اكتشاف جنسيتي الثانية، بل ظل منصبا على المطالبة بفدية مالية خيالية بلغت في بدايتها 600 مليون دولار.
وقد خُصص جانب من الأموال الطائلة التي راكمتها هذه الميليشيات عبر نهب خزائن الدولة وابتزاز المواطنين، لتمويل حملة غير مسبوقة لشراء أصوات الناخبين.

أدركت هذه الجماعات الموالية لإيران أهمية الفوز بأكبر عدد ممكن من مقاعد البرلمان. فكلما اتسعت كتلتها داخل المجلس، زادت الوزارات والمشاريع التي تُمنح لها، ما يعزز قدرتها على استنزاف موارد الدولة ويرسخ نفوذها في توجيه السياسة العامة للعراق، ولا سيما بما ينسجم مع الأهداف الإقليمية الإيرانية.

