طهران تتشبث بسلاح "حزب الله" بعد اغتيال الطباطبائي

مسار نزع سلاح قوة محلية تملك نفوذا اجتماعيا عميقا قد يؤدي إلى انهيار الجيش في حرب أهلية بالوكالة وذلك بدلا من تعزيز قدرات الحكومة

أ.ف.ب
أ.ف.ب
أحد مناصري "حزب الله" يلوح بعلم الحزب أمام عناصر الجيش اللبناني خلال إغلاق الطريق المؤدي إلى مطار بيروت الدولي، في 7 فبراير 2025

طهران تتشبث بسلاح "حزب الله" بعد اغتيال الطباطبائي

لندن- قال علي ولايتي مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي في تصريحات لوكالة أنباء "تسنيم" الأربعاء (26 نوفمبر/تشرين الثاني) إن "وجود (حزب الله) أكثر ضرورة للبنان من الماء والخبز وذلك بعد كل الاعتداءات والجرائم المتواصلة التي يرتكبها الكيان الصهيوني ضد لبنان".

وأشار ولايتي إلى "الانتهاكات المتكررة لوقف إطلاق النار من قبل الكيان الصهيوني واعتداءاته المتجددة على لبنان"، قائلا: "لم يلتزم الكيان الصهيوني بما أقره اتفاق وقف إطلاق النار وأن خروقاته المتكررة واعتداءاته المتجددة على لبنان تثبت مرة أخرى أنه لا يلتزم بأي من القوانين الدولية". وحول اغتيال القيادي البارز في "حزب الله" هيثم طباطبائي أكد ولايتي أن "هذا الاغتيال نفذ من خلال انتهاك سيادة لبنان وأن الكيان الصهيوني يحاول من خلال اغتيال قيادات (حزب الله) في لبنان تحقيق أهدافه غير المشروعة عبر بث الرعب والخوف". وأضاف "غير أن لبنان أثبت صموده في وجه هذه الممارسات". وتابع: "لقد أثبت الكيان الصهيوني من خلال انتهاك وقف إطلاق النار النتائج الكارثية لنزع سلاح (حزب الله) بالنسبة للبنان وأن إيران دعمت وستدعم (حزب الله) وجبهة المقاومة وأن (حزب الله) كان منقذا للشعب اللبناني مرات عديدة ووضع حدا للكيان المحتل للقدس. بناء على حجم شراهة الكيان الصهيوني للقتل ونهب أراضي الآخرين فإن وجود (حزب الله) أكثر ضرورة من الماء والخبز للبنان".

ونقل موقع "بصيرة" الإلكتروني التابع لـ"الحرس الثوري" تقریرا عن موقع مرشد الثورة علي خامنئي الإلکترونی بعنوان "الهجوم على بيروت وإثبات استراتيجية المقاومة" في 26 نوفمبر أيضا جاء فيه: "يأتي استهداف العاصمة والانتهاك الصارخ والعلني لوقف إطلاق النار في الوقت الذي تتوهم كافة الأطراف الأجنبية وحتى بعض القوى اللبنانية أن قبول شروط المحور الصهيوني الأميركي قد يجلب الهدوء للبنان من خلال الضغط على (حزب الله) لنزع سلاحه خلال العام الجاري. غير أن عملية الاغتيال مساء الأحد في الضاحية الجنوبية لبيروت أظهرت أكثر فأكثر أن التحليل الاستراتيجي للمقاومة حول تصرفات العدو لطالما كانت ولا تزال صائبة". وأضاف: "لقد أثبتت المطالبات الإجمالية وغير الفاعلة لبعض المسؤولين السياسيين الكبار في لبنان ومنهم رئيس الجمهورية، للمجتمع الدولي الذي اكتفى خلال الأشهر الأخيرة بالتفرج على الانتهاكات المستمرة لوقف إطلاق النار من قبل الصهاينة في غزة ولبنان، أن النظرة التحليلية التي تتبناها المقاومة صائبة".

لو كان من المقرر أن تتم إعادة النظام في غرب آسيا فإن هذه العملية لن تكون من خلال فرض المنطق الأميركي

وتابع التقرير: "لم تكن المقاومة الإسلامية في لبنان متفائلة يوما بالتزام العدو الصهيوني بوقف إطلاق النار ولا بمفاوضي العدو الأميركي لأن الأول يعمل بالفعل على تنفيذ استراتيجيته التوسعية والعدوان على مصالح لبنان والثاني يتبني هدف الكيان الصهيوني على الصعيد السياسي. اعتقد الأميركيون خطأ أن القوى اللبنانية الداخلية ستقف في وجه المقاومة غير أن سياسة (حزب الله) وبالرغم من كل الجروح التي أصابته بعد هذا الاغتيال (القيادي العسكري في "حزب الله" هيثم الطباطبائي) أبطلت مفعول هذه المؤامرة. كانت المقاومة (في لبنان) تعتبر أن المفاوضات والزيارات الدبلوماسية فاقدة للجدوى وبالتالي كانت المقاومة تتحضر للجولة القادمة من المواجهة الاحتمالية مع العدو الصهيوني غير أن هذه المفاوضات خدعت بالفعل بعض القوى السياسية اللبنانية ومع ذلك فإن المقاومة كانت تتماشى مع كل شروط القوى اللبنانية الداخلية والجيش والحكومة لكي لا تعطي الذريعة للعدو الصهيوني".

رويترز
علي أكبر ولايتي، المستشار الأعلى للمرشد الإيراني علي خامنئي خلال مؤتمر صحافي في السراي الحكومي في بيروت 18 مايو 2015.

واعتبر التقرير: "لقد أصبح جليا كقرص الشمس أن العدو لا يلتزم حتى بالاتفاق الذي كان هو طرفا فيه وبناء عليه فإن احتواء هذا العامل المسبب لعدم الاستقرار الإقليمي لن يكون إلا من خلال لغة القوة التي تتبناها المقاومة اللبنانية وكل قوى المقاومة طول كل هذه السنوات وتستمر فيها بقوة أكبر بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحرب لبنان والحرب على إيران. إن لغة القوة والضربة الموجعة للعدو الصهيوني هي السبيل الوحيد لجعل هذا الكيان يعيد النظر في قراراته. لو كان من المقرر أن تتم إعادة النظام في غرب آسيا فإن هذه العملية لن تكون من خلال فرض المنطق الأميركي الذي يريد أن يجعل الكيان الصهيوني المحور الرئيس لهذا النظام بل ستتم إعادة النظام في المنطقة من خلال القبضة القوية للمقاومة وفرض إرادتها على العدو. هذه هي الرسالة بشأن الاغتيال الذي وقع مساء الأحد جنوبي بيروت".

يعاني الجيش اللبناني من ضعف لوجيستي ونقص في الأسلحة وبالتالي فإن الجيش لا يملك القدرات اللازمة لفرض سيادته العسكرية على كافة المناطق خاصة الضاحية الجنوبية

ورأى مسعود كاظميان في مقال بعنوان "مفارقة نزع السلاح في لبنان: حزب الله والأهداف الجيوسياسية ولغز السيادة"، في صحيفة "اطلاعات" يوم 8 نوفمبر أن "الجهود الدولية الأخيرة والمقترحات الأميركية (وتلك التي قدمها) الجيش اللبناني لنزع سلاح (حزب الله) لا تحمل طابعا أمنيا فحسب بل إنها جهود جيوسياسية لإعادة تعريف ميزان القوى في الشرق الأوسط وترسيم مناطق النفوذ الإقليمي". وأضاف: "تعتمد الضغوط المتزايدة على الحكومة اللبنانية لنزع سلاح (حزب الله) مجموعة من الأهداف الاستراتيجية والإقليمية تتجاوز القلق الأمني الإسرائيلي من خلال خريطة طريق (الموفد الأميركي) توم باراك، وبرنامج عمل جيوسياسي على ثلاثة محاور: 1- ترسيخ التفوق الاستراتيجي الإسرائيلي. حيث تعتبر الحدود الشمالية لإسرائيل الأكثر عرضة للخطر وبالتالي فإن الهدف الرئيس هو القضاء على الترسانة التي يمتلكها (حزب الله) من الصواريخ والمسيرات التي تتمتع بقوة ردع كبيرة في عمق إسرائيل. ويضمن نزع سلاح (حزب الله) الأمن في الحدود الشمالية دون الحاجة لعمليات عسكرية واسعة ويتيح لتل أبيب إرسال قواتها الى جبهات أخرى. 2- احتواء نطاق توسع إيران وقطع نقطة الربط الاستراتيجية في محور المقاومة. يؤدي نزع سلاح (حزب الله) إلى تضعيف قدرة إيران على الوصول إلى البحر المتوسط. وتهدد الولايات المتحدة بعقوبات تارة وتعطي وعودا بحزمات الإنقاذ الاقتصادية لجعل الحكومة اللبنانية مضطرة للاختيار بين الثبات الاقتصادي إزاء الثبات العسكري. 3- تعزيز هشاشة السيادة الوطنية اللبنانية. يبدو أن المقترحات الأميركية تصب في صالح تعزيز قوة الجيش اللبناني وحصر السلاح بيد الحكومة المركزية وهذا ما يتطابق مع القرارات الدولية غير أن الإجراءات هي إجراءات هادفة ومشروطة بهدف تحويل الجيش اللبناني من جيش وطني إلى أداة لتنفيذ إرادة القوى الخارجية ضد أحد الأجزاء الداخلية المقتدرة".

رويترز
خلال تشييع جثمان هيثم علي الطباطبائي، المسؤول العسكري الأعلى في "حزب الله"، وآخرين قُتلوا في غارة جوية إسرائيلية يوم الأحد، في الضاحية الجنوبية لبيروت، لبنان، 24 نوفمبر 2025

وتابعت "اطلاعات" أن "نزع السلاح يعني نزع الهوية من (حزب الله) وانتهاك العقيدة الوجودية للحزب لأن سلاح الحزب له دلالات أبعد من القدرات العسكرية فهذا السلاح رمز للكرامة والردع لمجتمع تعرض للتهميش والهجوم من قبل الحكومة المركزية لعقود من الزمن. على سبيل المثال فإن (حماس) تمكنت من كسب طاولة المفاوضات بفضل سلاحها. ونزع السلاح يعني نزع القدرة على المساومة والقبول بالهزيمة المطلقة. لقد أصبحت خطة باراك القائمة على خطوة مقابل خطوة مصدر تحد بسبب عدم الثقة المتبادلة بين الطرفين وغياب آليات التحقق من تنفيذ الخطة من قبل الجانبين. يدعو لبنان لوقف عمليات إسرائيل الجوية والبرية بشكل كامل والانسحاب من الأماكن الخمسة المحتلة. ومن جهتها ترى إسرائيل أن الانسحاب الكامل مرهون بالقضاء على كل الأنظمة الصاروخية والمسيرات بشكل كامل لأن الفشل في تحقيق هذا الهدف يؤدي إلى ظهور فراغ سيملأه (حزب الله) أو جماعات أخرى.

هذا المأزق هو المانع من التقدم نحو تنفيذ بقية مراحل الاتفاق. كما أن الضمانات الدولية لردع إسرائيل في حال نزع السلاح بشكل جزئي مبهمة. ويعاني الجيش اللبناني من ضعف لوجيستي ونقص في الأسلحة وبالتالي فإن الجيش لا يملك القدرات اللازمة لفرض سيادته العسكرية على كافة المناطق خاصة الضاحية الجنوبية. لذلك فإن مسار نزع سلاح قوة محلية تملك نفوذا اجتماعيا عميقا قد يؤدي إلى انهيار الجيش في حرب أهلية بالوكالة وذلك بدلا من تعزيز قدرات الحكومة".

يستلزم الوصول إلى الحل المستدام النظرة الواقعية إلى (حزب الله) بصفته واقعا اجتماعيا متجذرا لا يقتصر على القوة العسكرية

وقال: "يستلزم الوصول إلى الحل المستدام النظرة الواقعية إلى (حزب الله) بصفته واقعا اجتماعيا متجذرا لا يقتصر على القوة العسكرية. لقد تحول (حزب الله) إلى منظومة تعليمية واجتماعية وصحية في غياب حكومة فاعلة"، مضيفا: "لا ينبغي أن نغفل في النظرة التحليلية الجيوسياسية العميقة عن التداعيات الاستراتيجية لنزع سلاح (حزب الله) على الأمن القومي للجمهورية الإسلامية الإيرانية فإن الحزب لم يعد لاعبا محليا فحسب بل تحول إلى جبهة متقدمة ورئيسة في جغرافيا الردع الإيراني الفاعل. لقد نجح الحزب في أن يحول الجنوب اللبناني إلى حصن صامد أمام توسع العدو الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية. وبناء على العقيدة الأمنية الصلبة فإن إضعاف هذه الذراع القوية أو إقصاءها بشكل كامل يؤدي إلى نزع العمق الاستراتيجي لإيران وتراجع إيران عن أحد خطوط الاتصال الحيوية خلافا لإرادتها. لا تعتبر أية محاولة لنزع سلاح الحزب شأنا داخليا فحسب بل هو تحول في النموذج الإقليمي والذي سيكلف التشكيلة الدفاعية لإيران كثيرا. محاولات نزع سلاح الحزب هي لتغيير موازين القوى وانحسار النفوذ الإيراني في المنطقة. يقول التحليل الواقعي لدينامية القوى في المنطقة إن نزع سلاح (حزب الله) من جانب واحد لن يؤدي إلى تعزيز السيادة الوطنية وسيقضي على موازين القوى الحالية الهشة لصالح عدو لطالما اعتبر جغرافيا لبنان ساحة لاحتلالاته وعدوانه وذلك في غياب وثيقة سلام إقليمي مستدام وبضمانات وفي غياب جيش وطني مقتدر يملك قوة الردع".

font change