في رواية أوسكار وايلد صورة دوريان غراي، يبرم البطل صفقة شيطانية تمنحه القدرة على الحفاظ على مظهر الشباب والبراءة الجميل أمام المجتمع، بينما تتشوه صورة وجهه في اللوحة المخفية أعلى منزله بسبب التشوهات الأخلاقية والنفسية الناجمة عن خطاياه. هذه الاستعارة من الخيال الأدبي، تقدم إطارا تحليليا ناجعا لتصوير السياسات البريطانية باتجاه القارة الأفريقية، حيث يتكشف للناظر إلى توجهات وسياسات المملكة المتحدة في أفريقيا عن ازدواجية هي في حد ذاتها انعكاس لأزمات بريطانيا الداخلية. فالمملكة المتحدة تلبس في المحافل الدولية قناعا لامعا تطغى عليه ملامح القيم الليبرالية والشرعية الدولية والدفاع عن مبادئ الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، ولكنها تخفي خلف ذلك سياساتها الفعلية والتي تتبنى كل شيء هو نقيض ذلك.
إن هذا التناقض ليس مجرد تحول سياسي عرضي، بل نتاج تحول استراتيجي أعمق، بدأ مع سعي بريطانيا لإعادة رسم دورها العالمي بعد البريكست، حيث بدأت تتخلى تدريجيا عن الالتزامات السياسية الأخلاقية- التي كان كثير منها مفروضا عليها بشكل معياري على أسس مواثيق واتفاقيات الاتحاد الأوروبي- لصالح تحالفات برغماتية نفعية، بشكل يعكس تحولات فلسفية في مفهوم القيم البريطانية في عصر الانكفاء على الداخل. ويتجلى هذا الارتداد القيمي بوضوح أيضا في الدعوات السياسية القوية لانسحاب بريطانيا من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وحملة تعديل قانون حقوق الإنسان 1998 والذي اعتمد على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان كإطار لحماية الحقوق، وتسعى الدوائر السياسية البريطانية لاستبداله بقانون بريطاني جديد وتعديل بنوده خصوصا في المواد المتعلقة بحقوق المهاجرين وطالبي اللجوء.
تُقدِّم المملكة المتحدة نفسها في المحافل الدولية بوصفها دولة راسخة في احترام سيادة القانون، وبوصفها مانحا سخيا للمساعدات، وحامية لحقوق الإنسان. غير أن هذا الوجه المصقول لا يعكس الصورة الحقيقية المخفية في العلية الأفريقية، والتي يحمل الوجه البريطاني فيها تشوهات السياسات البريطانية باتجاه القارة السمراء. هذه التشوهات التي تنكشف ملامحها بوضوح في ملفين مترابطين: السودان، الذي يجسد خطيئة الصمت والتواطؤ أمام جرائم ممنهجة. ورواندا، التي تعكس خطيئة الهندسة السياسية وتزييف الواقع عبر إعادة إنتاج أنماط الهيمنة تحت غطاء الشراكة.
هاتان الحالتان لا تمثلان استثناء، بل تكشفان عن نمط منهجي في السياسة البريطانية النفعية تجاه أفريقيا، حيث يتم تقديم المصلحة البريطانية وتجاهل الالتزام القيمي، ويُستَخدم خطاب حقوق الإنسان والشراكة المتساوية بشكل مخادع كأداة لتبرير ممارسات تُفاقم عدم الاستقرار الإقليمي وتُشرعن الجرائم والاستغلال، وتُقوِّض الجهود الدولية لمكافحة الفساد والانتهاكات الإنسانية.
في سياق ما بعد "البريكست"، تسعى بريطانيا إلى إعادة صياغة علاقاتها التجارية والأمنية مع أفريقيا والعالم بأسره على أساس نفعي صارخ. ويتبدى التناقض في هذه السياسات بين الادعاءات المعلنة والواقع الفعلي، الذي يعكس استمرار إرث الهيمنة في ثوب جديد، ويطرح تساؤلات جوهرية حول الدور البريطاني في دعم الاستقرار والعدالة الدولية.


