باريس- تعرّفت الدبلوماسية الفرنسية سيلفي برمان على الصين باكرا عندما كانت بعدُ طالبة خلال نهايات الثورة الثقافية بين عامي 1976-1977، قبل أن تعود إليها لاحقاً بعد عقدين سفيرة لبلدها فرنسا بين عامي 2011–2014، ثم عينت لاحقا سفيرة في موسكو بين 2017 و2019. وبينهما شغلت منصب سفيرة فرنسا في لندن بين عامي 2014-2017. فهي إذن عرفت الصين بين حقبتين مختلفين شهدت متغيرات كبيرة. كما أن تعيينها سفيرة في موسكو بين عامي 2017 و2019 أي في مرحلة صعود التوتر بين روسيا والغرب مقابل تعزيز أواصر الشراكة بين موسكو وبكين، جعلها قريبة جدا من ديناميكيات الصراع الروسي الغربي، كما جعلها من جهة أخرى على مسافة صفر من ديناميكيات الشراكة الروسية-الصينية.
تجربتها الغنية تلك لخصتها في كتابها الأخير بعنوان "الدبّ والتنين: روسيا–الصين.. تاريخ صداقة بلا حدود؟"، والذي تُقدّم فيه رؤية شاملة لمسار العلاقة بين بكين وموسكو، بين فترات التقارب البرغماتي ومحطات المواجهة الاستراتيجية، والنزاعات الحدودية في القرن التاسع عشر، والانقسامات الأيديولوجية في القرن العشرين، وصولا إلى مرحلة الشراكة اليوم، بوجه عدو مشترك: الغرب.
"المجلة" التقت السفيرة سيلفي برمان، التي تشغل حاليا منصب رئيسة مجلس إدارة المعهد العالي للدراسات الدفاعية الوطنية التابع لوزارة الدفاع الفرنسية، للحديث عن العلاقات الروسية-الصينية، ماضيها وحاضرها ومستقبلها.
وها هنا نص الحوار:
* لقد صدر كتابكم الأخير بعنوان: "الدبّ والتنين: روسيا – الصين.. تاريخ صداقة بلا حدود؟"، انطلاقا من تجربتكم الدبلوماسية ومضمون كتابكم، هل تعتبر الصين وروسيا بعضهما البعض حليفتين أم شريكتين؟ وكيف يمكن تناول هذا السؤال من منظور تاريخ العلاقة بينهما؟
- عندما غادرتُ الصين، نهاية عام 2019، التقيتُ بمدير شؤون آسيا في وزارة الخارجية الروسية- وهو اليوم سفير روسيا في بكين- وقد قال لي إنه بفضل دونالد ترمب لم تكن العلاقات بين البلدين جيدة إلى هذا الحد منذ عهد كاترين الثانية، أي منذ القرن الثامن عشر. وهذا يعني أن هذه الصداقة ليست أمرا بديهيا. أما أنا شخصيا فقد كنت شاهدة على علاقة مضطربة إلى حدّ كبير بين البلدين، إذ كنت طالبة في الصين في نهاية الثورة الثقافية عامي 1976-1977، وكان النزاع لا يزال قائما، وكان الصينيون يعتقدون أن الروس- أو بالأحرى السوفيات آنذاك- سيشنّون هجوما نوويا ضد الصين. كانت العلاقات في غاية السوء. أمّا اليوم فهي جيدة لأن الصين وروسيا لديهما عدوّ مشترك. وهذا العدو المشترك هو الولايات المتحدة. هناك مقولة في الدبلوماسية تقول إن عدوّ عدوي هو صديقي. ولهذا السبب حصل خلال السنوات العشر أو الخمس عشرة الماضية تقارب بين البلدين. لكنه ليس تحالفا، لأن الصين لا تريد الدخول في تحالفات. لقد جرّبت التحالف الصيني–السوفياتي الذي انتهى بإراقة الدماء على ضفاف نهر أوسّوري إثر صدامات عنيفة. ولذلك تعتمد الصين اليوم على دوائر من الأصدقاء أكثر منهم حلفاء.
وللبلدين مصلحة مشتركة: عالمٌ لا تهيمن عليه الولايات المتحدة أو الغرب، ولا تُفرض فيه عليهما قواعد من الخارج. ولهذا حصل هذا التقارب. وهو لم يبدأ مع الحرب في أوكرانيا، بل بدأ بالأحرى في عام 2014، خلال أولمبياد سوتشي، عندما كانت روسيا مهددة بالمقاطعة. وقد قرر شي جين بينغ آنذاك أن يعبّر عن دعمه لها من خلال حضوره العلني والواضح في سوتشي.


