تتابع القاهرة بقلق وغضب شديدين مساعي الخرطوم وموسكو لإحياء اتفاقية تعود إلى عام 2020، واستعدادهما لتحويل بورسودان إلى أحدث قاعدة بحرية روسية على البحر الأحمر، مباشرة عند التخوم الجنوبية لمصر.
بالنسبة إلى الجيش السوداني المُحاصَر، يبدو الإسراع في تفعيل الاتفاق أمرا مفهوما تماما؛ إذ يعاني من نفاد الذخيرة والأراضي، وضيق الوقت، في ظل حربٍ أهليةٍ تهدده بالإقصاء من المشهد وتدفع السودان نحو مزيد من التفكك والتشظي. وستكون القاعدة الروسية في بورسودان ثمنا للأسلحة والتدريب والحماية التي يحتاجها هذا الجيش للبقاء على قيد الحياة، والحفاظ على ما تبقّى من السودان كدولة متماسكة.
من جانبها، تواجه موسكو تحديات متصاعدة. فمع اهتزاز موطئ قدمها في طرطوس وإغلاق تركيا للمضائق، يجد الكرملين نفسه اليوم في حاجة ماسّة إلى منفذ جديد على المياه الدافئة.
لكن بالنسبة إلى مصر، لا يمكن أن يأتي هذا التطور في توقيت أسوأ؛ ففي الوقت الذي تجهد فيه قناة السويس لتخرج من أزمتها التي أحدثها الحوثيون في البحر الأحمر، وتبلغ التوترات مع إثيوبيا ذروتها في ملف مياه النيل، يتهدّد المشهد بظهور جيبٍ روسي على بُعد كيلومترات فحسب، الأمر الذي قد يهدد بتحوّل أهم ممر مائي لمصر، أي البحر الأحمر، إلى ساحة صراع بين القوى العظمى.
أداة البقاء
في جوهره، لا يرتبط إحياء اتفاقية عام 2020 لإنشاء قاعدة بحرية روسية في بورسودان بحسابات الاستراتيجيات الكبرى بقدر ما يتصل بمنطق البقاء. فالجيش السوداني يخوض معركة من أجل بقائه في حربٍ أهلية اندلعت في أبريل/نيسان 2023، وأسفرت بالفعل عن مقتل مئات الآلاف ونزوح الملايين من ديارهم. ويبدو أن العدو، "قوات الدعم السريع"، يملك ثروة من المال والمسيرات والأسلحة تأتيه من الداعمين الأجانب.
ومن ناحية أخرى، بدأ الجيش ينفد من الذخيرة والطائرات والخيارات معا؛ إذ إنّ العقوبات الغربية المفروضة على السودان، والسارية منذ عام 1994، أغلقت أبواب معظم أسواق الأسلحة الحديثة، وهو الأمر الذي وضع الجيش السوداني في حالة اختلال خطير في ميزان التسليح.


