الدكتورة ناديا ماريا الشيخ، مؤرخة لبنانية بارزة حاصلة على الدكتوراه من جامعة هارفارد، وهي أستاذة التاريخ في قسم التاريخ والآثار في الجامعة الأميركية في بيروت. تخصصت في إعادة قراءة التاريخ الإسلامي من منظور اجتماعي ثقافي، مع التركيز على دراسة حقل العلاقات الحضارية بين العالم الإسلامي والإمبراطورية البيزنطية.
تشمل مجالات أبحاثها صورة "الروم" في المخيال الإسلامي، ودور المرأة في المجتمعات الإسلامية المبكرة، وتحليل الطقوس والرمزية في البلاط العباسي. تتحدث الشيخ عن كيفية موازنة الباحث بين الروايات الرسمية والشبكات الشخصية، كما تتطرق إلى دور المرأة العباسية وكيفية تهميش إسهاماتها لاحقا، مقارنة بوضع الإمبراطورات في البلاط البيزنطي.
أثرت الشيخ المكتبة التاريخية بمؤلفاتها مثل "بيزنطة كما رآها العرب" (هارفارد 2004)، "النساء والإسلام والهوية العباسية" (هارفارد 2015)، و"عباسيون وبيزنطيون... رجال ونساء" (2024).
هنا حوار "المجلة" معها.
كيف يمكنك كباحثة، الموازنة بين الروايات التاريخية الرسمية وبين الشبكة غير الرسمية من العلاقات الشخصية داخل البلاط العباسي التي أشرت إليها في كتابك "عباسيون وبيزنطيون"؟
إن افتقار الوثائق العباسيـة إلى دواوين تشبـه تلك التي في الوثائـق البيزنطيـة، يـدفـع الباحـث للتمحيص في أكبـر قـدر من الإشارات إلى شخصيـات البـلاط على امتداد شـريحـة واسـعة من المصادر. وتعد "مجالس الحـكـام" و"مـرايا الأمـراء" نوعين أدبيـين مميـزين وفـريدين في الأدب العربي الكـلاسيكي، وكذلك في الأدب الفارسي. ويشيران إلى مجموعات الناس التي أحاطـت بالحـاكـم ولـعـبـت دورا معيـنا في الحياة السياسيـة من خـلال تبوؤ منصـب أو من خـلال تعيـين سياسي أو ديني، أو بشكـل غير مباشـر من خـلال حضورهـم الدوري في مجالـس الحاكـم. يزودنا النوع الأدبي، "مجالـس الحـكـام"، مـعلومات عن النـدماء الذين امتازوا بالعـلم والفطنـة والسـلوك اللبـق، واختـيروا لمواهـبـهم كي يرافقوا الخـليفـة في أوقات وحدتـه وأوقات خروجـه للصـيد، وكانوا يلعبون معه الشطرنـج ويجالسونـه في أوقات احتساء الشراب والحديث. كما أن للمصادر العباسيـة قيمـة ثمينـة في إخبارنا عن شخصيـات أفـراد البـلاط والحـرمـلك، وكذلك عن أدوار الأفـراد. ويتيـح هذا الأمـر لنا التـحـري عن أدوار ومواقـع أفراد بــلاط عباسيـين معيـنين.
الحاجب... سيد المراسيم وصانع القرار
تعتبرين الحاجب في البلاط العباسي، فاعلا سياسيا في حد ذاته، كيف تجلى ذلك؟
الشخصيـة الرئيسية في البـلاط التي تمتعـت بصـلات بالحـاكـم، كـانـت شخصيـة الحاجب. إذ تسلـط رسالة للجاحظ (868م) عنوانـها، "كتاب الحـجـاب"، الأضواء بقوة على الدور النافـذ والحسـاس للحاجـب في القرن التاسع للميلاد. في إحدى نوادر الرسالة، نرى الخليفة يقول لحاجبه: "إنك عيني التي أنظر بها، وجنـة أستنيم إليها، وقد وليتـك بابي فما تراك صانعا برعيـتي؟"، فيجيبه الحاجـب: "أنظر إليهم بعينـك، وأحملهم على قـدر منازلـهم عندك... وأرتـبهم حيث وضعهـم ترتيبـك". كـان هذا بـلا شـك الدور الرئيس للحاجـب، أي تنظيم الحضور وتحديد مواقـع ومراتـب مختلـف النـبلاء ورجالات البـلاط، وكـان الحاجـب سيـد المراسيم، بالإضافة إلى التحكم في الوصول إلى الخليفة، وحراسة القصر، والمسؤولية عن بعض سجناء الدولة. وكان للحاجب واجبات احتفالية مهمة.





