التفاصيل السرية لجلسة مجلس الوزراء الكويتي التي سبقت الغزو

التفاصيل السرية لجلسة مجلس الوزراء الكويتي قبل الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس/آب 1990

MAJALLA
MAJALLA

التفاصيل السرية لجلسة مجلس الوزراء الكويتي التي سبقت الغزو

ضمن قصة الغلاف لشهر أغسطس/آب، تنشر "المجلة" من الأرشيف تقريراً مميزاً كان كتبه الزميل مطر الأحمدي، تضمن التفاصيل السرية لجلسة مجلس الوزراء الكويتي قبل الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس/آب 1990.

كانت حكومة الكويت على دراية تامة بأبعاد التهديد العسكري العراقي قبل أسبوعين كاملين من الهجوم الفعلي بتاريخ 2 أغسطس (آب)، غير أنها فيما يبدو لم تتوقع غزوا شاملا ولا اتخذت الاحتياطات الحربية اللازمة.

فقد ذكرت صحيفة "الفايننشيال تايمز" اللندنية أنها تمكنت من الاطلاع على ملاحظات كان دوّنها أحد المشاركين في اجتماع وزاري حاسم عُقد يوم 18 يوليو/تموز، وهي تكشف النقاب بصورة غريبة عن حالة الارتباك والحيرة التي سادت الكويت بشأن الدوافع والنوايا العراقية.

ويتضح من هذه الملاحظات التي أوردتها الصحيفة البريطانية أن الكويت كانت قد رفضت في الآونة الأخيرة طلبا عراقيا للحصول على مساعدات قدرها عشرة مليارات دولار، وعرضت بدلا من ذلك تقديم مبلغ بسيط لا يتجاوز 500 مليون دولار على مدى ثلاث سنوات، كما ردت بالرفض على مطلب العراق الداعي إلى شطب مليارات الدولارات من القروض الكويتية التي تلقاها أثناء حرب الخليج.

وفي 18 يوليو (تموز) اجتمع مجلس الوزراء الكويتي لصياغة رده على مذكرة عراقية رسمية تطالب الكويت بمبلغ 2,4 مليار دولار تعويضا عما وصفته مذكرة النفط "المسروق" من حقل الرميلة الواقع على الحدود الكويتية- العراقية.

وكان العراق شدد الضغط فجأة على دولة الكويت في وقت سابق من ذلك الأسبوع، مما حدا بخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية إلى عرض القيام بدور الوسيط بين البلدين. وفي تلك الأثناء كانت واشنطن قد أبدت أولى إشارات حذرة تنم عن استعدادها لدعم حلفائها في الخليج ضد أي عدوان عراقي.

وقد افترض كثيرون أن العراق كان يزيد ضغوطه على الكويت لمجرد أن يضمن قيام مؤتمر "الأوبك" الذي كان مزمعا عقده في جنيف، وانتهى يوم 27 يوليو/تموز، برفع السعر القياسي للنفط وفرض الالتزام بحصص الإنتاج المقررة التي سبق أن خرجت عنها الكويت ودولة الإمارات.

كان أول المتحدثين، حسبما ورد في الملاحظات السالفة الذكر، الشيخ علي خليفة الصباح وزير المالية ووزير النفط السابق. فألمح إلى أن العراق يحاول إنقاذ اقتصاده وإلقاء اللوم على دول الخليج، وتوقع أن لا تتغير لهجة العراق حتى بعد مؤتمر جنيف، بل سيواصل تصعيد حدة المواجهة. واقترح البحث عن حل للأزمة من خلال مجلس التعاون الخليجي الذي يضم كلا من الكويت والإمارات العربية المتحدة وعمان وقطر والسعودية والبحرين، ولا يشمل العراق.

ثم تدخل في الحديث السيد بدر اليعقوب، وزير الدولة لشؤون الجمعية الوطنية، معربا عن رأيه بأن هدف العراق هو ابتزاز المال.

كان أول المتحدثين الشيخ علي خليفة الصباح وزير المالية ووزير النفط السابق. فألمح إلى أن العراق يحاول إنقاذ اقتصاده وإلقاء اللوم على دول الخليج، وتوقع أن لا تتغير لهجة العراق حتى بعد مؤتمر جنيف، بل سيواصل تصعيد حدة المواجهة. واقترح البحث عن حل للأزمة من خلال مجلس التعاون الخليجي 

واستفسر الشيخ سالم الصباح، وزير الداخلية، عما إذا كانت هناك دول عربية أخرى أيدت مطالب العراق ضد الكويت. وهو أول من أشار إلى أن العراق ربما كان قد استغل فترة الاضطراب السياسي الذي سبق إجراء انتخابات الجمعية الوطنية المؤقتة في الكويت بتاريخ 10 يونيو/حزيران الماضي (بعد أن قام البعض في الكويت بمظاهرات تنادي بعودة البرلمان الذي كان الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير البلاد قد حله سنة 1986، غير أنه لم يوافق إلا على انتخاب الجمعية الوطنية المؤقتة).

وتحدث بعد ذلك الشيخ نواف الصباح وزير الدفاع، فأنكر الاتهامات العراقية التي مفادها أن الكويت خرقت الحدود المشتركة المتنازع عليها بين البلدين، مؤكدا أن العراق- وليس الكويت- هو الذي دفع بمنشآته العسكرية وعمد إلى توسيع أراضيه الزراعية عبر الحدود.

وتكلم السيد عبدالرحمن العوضي، وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء. فأعاد الرأي القائل إن العراق يسعى إلى ابتزاز الأموال. وأشار إلى ضرورة المحافظة على هدوء الأعصاب، لكنه أضاف قائلا إن العراقيين يمضون إلى أبعد مما ينبغي، وإن على الكويت أن تتحرك بسرعة لإيجاد حل سياسي للأزمة.

MAJALLA

أما الشيخ صباح الأحمد الصباح، وزير الخارجية الذي كان موضع اتهام العراقيين لدى تصاعد الحرب الإعلامية بين البلدين، فقال إن المشكلة اقتصادية أساسا، إلا أن المذكرات المسجلة عن الاجتماع الوزاري المذكور تبين أيضا أنه اعترف بوجود الخطر العسكري؛ فقد أردف وزير الخارجية الكويتي يقول إن العدوان العراقي احتمال وارد وإن مسألة الحدود قضية قابلة للانفجار؛ "وعلينا أن نشرع في إجراء اتصالات دبلوماسية مكثفة مع بلدان مجلس التعاون الخليجي". واقترح لهذا الغرض تكليف عبدالله بشارة أمين عام مجلس التعاون، مهمة الاتصال "بإخوتنا في بلدان المجلس" وجس نبض مصر والأردن أيضا. وقد صدق حدس الشيخ الصباح فيما بعد، إذ كان قد توقع أن تميل ليبيا والجزائر إلى جانب العراق.

إلا أن ضاري العثمان، وزير العدل، أعرب عن قلقه من أن العراق، بعدما تخلص من صراعه مع إيران الذي انتهى بتوقيع اتفاقية وقف إطلاق النار عام 1988، سوف يتجاهل مساعي الوساطة العربية محاولا فرض مطالبه على الكويت بالقوة.

وقال العثمان: "إن هذه المذكرة العراقية مجرد بداية. والله أعلم إلى أي حد سوف يذهبون". كما توصل إلى استنتاج أثبتت الأحداث صحته وهو أن قضية سعر النفط التي أثارها العراق لا تعدو كونها ذريعة لشيء آخر. ومضى يقول إن العراق والكويت هما الآن أشبه بالذئب والحمل.

وبعدئذٍ أشار السيد حبيب حياة، وزير المواصلات، إلى وجود خريطة لدى إحدى الشركات الفرنسية تدل على أن العراق بصدد إقامة قاعدة ما على حدود البلدين. وتحدث عبدالوهاب الفوزان، وزير الصحة، فحث المجلس على اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة الأزمة.

وعبّر السيد فهد الحيساوي وزير الدولة للشؤون البلدية، عن هذا الرأي الذي أبداه بعض الوزراء الآخرين من أن العراق قد يهاجم قبل أن يفاوض وأن الكويت يجب أن تستعد لمجابهة تهديد عسكري.

أما سليمان المطوع، وزير التخطيط، فكان أحد الوزراء القلائل الذين يبدو أنهم أخطأوا تقدير خطورة الموقف، إذ وصف المذكرة العراقية بأنها ضعيفة الحجة ويسهل الرد عليها.

ضاري العثمان، وزير العدل، أعرب عن قلقه من أن العراق، بعدما تخلص من صراعه مع إيران الذي انتهى بتوقيع اتفاقية وقف إطلاق النار عام 1988، سوف يتجاهل مساعي الوساطة العربية محاولا فرض مطالبه على الكويت بالقوة

لكن الشيخ سعد العبدالله الصباح، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، الذي انتقل إلى السعودية في ما بعد، أثار إمكانية التعرض للهجوم. فقال إن العراقيين يمكن أن يقوموا بعمل عسكري، غير أنه توقع عملية محدودة للاستيلاء على أراضٍ في منطقتي رتقة وقصر الحدوديتين. ودعا كلا من وزارتي الدفاع والداخلية إلى التزام اليقظة والتأهب.

ثم شرع الشيخ سعد في تحليل تناول تطورات الحدود منذ 1962. فقال إن العراق كان يطالب بجزيرة بوبيان الواقعة أمام ساحل الكويت الشمالي، وبوسيلة للوصول إليها عن طريق جسر أو معبر بحري، وإن بغداد كانت تدّعي أيضا أن جزيرة وربة- وهي أصغر من بوبيان- تعتبر ضمن الأراضي العراقية.

وكان العراق، في ما يبدو، يريد استئجار جزيرة بوبيان لقواته البحرية، لكن ذلك كان يستدعي موافقة مجلس التعاون الخليجي أولا، وقد أُثيرت أيضا إمكانية إمداد العراق بالطاقة الكهربائية الكويتية وإعطائه تسهيلات بحرية في الكويت.

وهنا انتقل مجلس الوزراء إلى مناقشة ديون الحرب العراقية المستحقة للكويت والسعودية. (علما أن المعلومات التي أُذيعت عن حجم القروض قليلة جدا، وإن كانت قدّرت بنحو 35 مليار دولار). والملاحظات التي اطلعت عليها "الفايننشيال تايمز" ليست واضحة من حيث التمييز بين القروض النقدية وبين عائدات بيع النفط من المناطق الكويتية- السعودية المحايدة، لكنها تبين أن الكويت قدمت إلى العراق مساعدات لا تقل عن 13,5 مليار دولار، منها ثلاث دفعات بلغت قيمة كل منها بليوني دولار. كما يقال إن السعودية قدمت 9 بلايين دولار (غير أن هذا الرقم ربما يمثل قيمة المساهمة النقدية وحدها).

وعندئذ قال أحد الحاضرين إن الكويت ينبغي أن لا تتنازل عن القروض رغم إصرار العراق على إلغائها. وردا على المزاعم العراقية بأن الكويت سرقت النفط من حقل الرميلة، ذكر أحد أعضاء مجلس الوزراء أن الكويت كانت تنتج من هذا الحقل 30 ألف برميل يوميا مقابل 400 ألف برميل يوميا ينتجها العراق منه.

ومن ثم عاد الشيخ الصباح إلى عقد جلسة عاجلة للجمعية الوطنية وإلى اجتماع لمجلس التعاون الخليجي في الكويت واتخاذ الخطوات اللازمة لحمل الجامعة العربية على التدخل وإعداد مذكرة الرد الكويتية التي صدرت بتاريخ 19 يوليو (تموز).

وفي حديث أدلى به إلى مجلة "المصور" المصرية مؤخرا، ذكر الشيخ الصباح أن ديون الحرب العراقية المستحقة للكويت تتراوح بين 14 و15 مليار دولار. كما أوضح أن الكويت أثناء محادثات الوساطة التي جرت في جدة بتاريخ 1 أغسطس (آب) وافقت في النهاية على شطب الديون وتأجير جزيرة وربة للعراق كنمفذ نفطي لحقل الرميلة.

وقال الشيخ صباح في سياق حديثه: "إن العراق طلب منا إسقاط الديون فلم نمانع.. وطلب جزيرة بوبيان، فوافقنا على إعطائه جزيرة وربة بدلا منها".

وفي اليوم التالي لتقديم هذه التنازلات من جانب الكويت اجتاحت القوات العراقية الحدود واستولت على الكويت.

إن العراق طلب منا إسقاط الديون فلم نمانع.. وطلب جزيرة بوبيان، فوافقنا على إعطائه جزيرة وربة بدلا منها

الشيخ سعد العبدالله الصباح

وكانت "المجلة" بعد اطلاعها على ما ورد في "الفايننشيال تايمز" قد طرحت عدة أسئلة حول اجتماع مجلس الوزراء الأخير الذي انعقد في الكويت عن بعض الوزراء.

وزير العدل الكويتي ضاري العثماني قال عن كيفية تلقيهم للمذكرة العراقية: "كانت المذكرة العراقية مثار استغرابنا جميعا، لكنني لم أكن أتوقع أنها بداية مخطط رهيب من هذا النوع. فلم أكن أتصور- شخصيا- أن يصل الغدر إلى هذه الدرجة. كنا نعرف أن العراق لأسباب تتعلق به يعاني من أوضاع اقتصادية معينة. وقد تكون هذه المعاناة هي السبب في ورود بعض العبارات في هذه المذكرة، ولم نستنكر أن يلجأ العراق إلى جامعة الدول العربية، بل كنا من المرحبين بذلك. ولذلك اقترحنا في ردنا على المذكرة تشكيل لجنة عربية للتحقق من الاتهامات العراقية، ومدى صحتها، مع استعدادنا للالتزام بكل ما تتوصل إليه اللجنة".

* على أي أساس بنيت تصورك؟ فالعراق مثلا- كما توقعتم- تجاهل الوساطة العربية؟

- كم أكون سعيدا لو أن توقعي لم يتحقق. لكن توقعنا من النظام العراقي عدم الاستقرار والثبات على موقف سياسي. ومن السهل على كل متتبع لتحركات هذا النظام أن يكتشف أنه سريع الانتقال إلى الموقف الآخر ويستعمل أساليب دعائية عديدة، وأساليب البطش والقوة لفرض آراء معينة، أو تبرير انتقاله من موقف سياسي إلى آخر، فلو استعرضنا ذلك لوجدنا أن ذلك النظام هو الذي أبرم اتفاقية الجزائر مع إيران. وهو الذي نقض هذه الاتفاقية، ثم عاد إليها مرة أخرى. وقد سمعتم أنه اتهم دولا خليجية بالزج به في تلك الحرب، ولكنه في الحقيقة نصح رسميا من تلك الدول الخليجية بعدم الإقدام على الحرب، وبإمكانكم العودة إلى أرشيفكم لتجدوا ما كان يقوله النظام العراقي عن الكويت. ثم يأتي بعد ذلك ويقدم مذكرته إلى الجامعة العربية.

MAJALLA

إن ذلك هو ما جعلني متخوفا من أنه يمثل بداية لمخطط لا يعلمه إلا الله. وقد جاء تحليلي من خلال استرجاع عناصر توضيحية أوصلتني إلى حقيقة الوضع الذي كان جيدا، بدليل إشادته بالكويت. ثم تأتي تلك المذكرة بعباراتها التي لم نتعود تبادلها سواء على الصعيد الشخصي أو الصعيد الرسمي. عندما قرأت المذكرة انتابني شيء من القلق. فهي إفراز لتفاعلات معينة داخل النظام العراقي، وكوننا لا نستطيع أن نتوقع ما الذي سيقدم عليه النظام العراقي، كنت من المتخوفين.

فالمذكرة وزّعت يوم الاثنين، وأُذيعت صباح الأربعاء من إذاعة بغداد، بالرغم من وجود محاولات لتطويق الموضوع. ومهما يكن، فلم أتوقع أن تصل الأمور إلى هذا المدى. وكنت أعتبر حدوث اشتباك بسيط على الحدود أمرا بالغ الخطورة ومزعجا.

كانت المذكرة العراقية مثار استغرابنا جميعا، لكنني لم أكن أتوقع أنها بداية مخطط رهيب من هذا النوع. فلم أكن أتصور- شخصيا- أن يصل الغدر إلى هذه الدرجة

وزير العدل الكويتي ضاري العثماني

وسألنا سليمان المطوع وزير التخطيط عما إذا كان ما ورد في محضر الاجتماع السري، صحيحا، فقال: "إذا نظرنا إليه في حدود المذكرات التي تقدم والتي تستطيع الرد عليها فقد كانت تلك وجهة نظري فيها لأننا لم ننظر إلى المذكرة إلا كمحادثة من العراق للمطالبة بالحد الأعلى للحصول على الحد الأدنى أو المعقول. وقد حاول في مذكرته استعداء الدول العربية الأخرى على الكويت وعلى الدول الخليجية حيث ذكر الكويت أولا ثم الدول الأخرى ذات المداخيل النفطية. فقلت إنها كمذكرة يسهل الرد عليها ومن استشاره صدام لم تكن لديه المعرفة والدراية لتقديم المشورة الجيدة لأنها مذكرة ضعيفة. وشخصيا لم أكن أحلم أن يأتي رئيس عربي وقف ضد أنور السادات وحجب مصر لمدة عشر سنوات أن يُقدم على عملية أفظع مما فعله الصليبيون في الحروب الصليبية. إذ اكتسح بلدا عربيا مشهودا له على مدى 250 سنة بأنه لم يهاجم أي منطقة قريبة منه. فهذا الجميل الذي قدمناه تلقائيا إلى إخواننا العراقيين لم نكن نتوقع هذه المكافأة مقابله.

أما الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح وزير الدفاع فقال لـ"المجلة": "كانت المذكرة العراقية عبارة عن مغالطات وتهم ملفقة. فالكويت لم تدفع بمنشآتها العسكرية عبر الحدود". ونفى الشيخ نواف أن تكون الكويت قد وافقت على التنازل عن جزيرة وربة للعراق ويؤكد مرة أخرى أنه لم يكن يتوقع أن تكون المذكرة العراقية مقدمة لعملية الغزو ثم الاحتلال نظرا لما قدمته الكويت إلى العراق طيلة السنوات الماضية، ولعدم وجود مبررات تكدر صفو العلاقات التي يشيد بها النظام العراقي نفسه".

كانت المذكرة العراقية عبارة عن مغالطات وتهم ملفقة. فالكويت لم تدفع بمنشآتها العسكرية عبر الحدود

الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح

بدأ العثمان حديثه عن المذكرة العراقية وما جاء فيها:

 "كمسؤول كويتي- مثل المسؤولين الآخرين- كنت أعتقد بأن العلاقات الكويتية- العراقية طبيعية، لا تشوبها أية شائبة. كما الحال بين الكويت والدول العربية الأخرى. وفي 15 يوليو/تموز الماضي، فوجئنا بمذكرة قُدّمت إلى جامعة الدول العربية من قبل نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية العراقي، وتضمنت اتهامات معينة. وأول تلك الاتهامات خاص بتجاوز دولتي الكويت والإمارات العربية المتحدة لحصصهما المقررة ضمن إنتاج "أوبك"، ويدعي في تلك المذكرة أن ما يسمى بالتجاوز قد سبب بشكل أو بآخر إضعاف الاقتصاد العراقي. أما الاتهامات الأخرى، وهي موجهة ضد الكويت، فتتلخص في اتهام الكويت بضخ النفط من حقل الرميلة العراقي. والاتهام الثاني أن الكويت قامت- بشكل مدروس ومبرمج- بالتجاوز على الحدود العراقية، وأقامت منشآت عسكرية ومزارع ونقاطا أخرى. أما الاتهام الثالث فهو- كما تقول المذكرة العراقية- أن الكويت تتآمر على النظام العراقي".

* وماذا تم حيال المذكرة؟

- وصلتنا المذكرة في الكويت يوم الثلاثاء 16 يوليو (تموز) وبُحثت. ولم يدر بخلد أحد من المسؤولين في الكويت أن العراق يضمر الشر للكويت. وكنا نعتقد بأن ما ورد في المذكرة يمكن حله كما هو الحال بالنسبة إلى أي مشاكل تحدث بين الدول، سواء عربية أو أخرى. وبالرغم من ملاحظاتنا على العبارات البذيئة التي وردت إلا أننا تجاوزناها، وردت الكويت على المذكرة في نطاق جامعة الدول العربية وفندت الاتهامات. وقد استبشرنا خيرا في الكويت، طالما أن الإخوان في العراق اختاروا جامعة الدول العربية لبحث وحل المشاكل المعلقة بين البلدين، والمشكلة الخاصة بترسيم الحدود، ورأينا أنه لا بأس من تشكيل لجنة عربية تعمل على الفصل في النقاط المعلقة بين الجانبين. لكن فوجئنا بمذكرة أخرى من العراق يرفض تدخل الجامعة العربية في حل المشاكل المعلقة بين الطرفين بادعائه أن ذلك قضية ثنائية بين البلدين. ونحن نتساءل إذا كان العراق قد اختار جامعة الدول العربية ليعرض عليها المشكلة، فما الذي جعله يمانع في تشكيل لجنة لحل هذه النقاط المعلقة بين البلدين؟

* هل كنتم تتوقعون أن هناك ترتيبا معينا؟

- لم نكن نتوقع أن العراق كان يبيت هذا العدوان الآثم. وبذلت جهود من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، والرئيس محمد حسني مبارك، لترتيب لقاء بين الطرفين، وأوضح الرئيس العراقي لهما، ولغيرهما من الرؤساء والزعماء الآخرين، بأن تلك الحشود العراقية الموجودة على الحدود الكويتية ليست بنية الاعتداء على الكويت، وعقد الاجتماع في جدة، وحضر جلسة الافتتاح الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني.

لم نكن نتوقع أن العراق كان يبيت هذا العدوان الآثم. وبذلت جهود من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، والرئيس محمد حسني مبارك، لترتيب لقاء بين الطرفين، وأوضح الرئيس العراقي لهما، ولغيرهما من الرؤساء والزعماء الآخرين، بأن تلك الحشود العراقية الموجودة على الحدود الكويتية ليست بنية الاعتداء على الكويت

ضاري العثمان

* ماذا حدث في الاجتماع؟

- فوجئنا بأن الوفد العراقي لم يكن مفوضا باتخاذ أي شيء. وكان يصر على أن حضوره كان بروتوكوليا، لأن الاجتماع بروتوكولي. وأوضح رئيس الوفد عزة إبراهيم (نائب رئيس مجلس قيادة الثورة) أنه غير مستعد لأن يبحث أي نقطة من النقاط الواردة في المذكرة العراقية، بالرغم من الجهد الذي بذله رئيس وفد الكويت ولي العهد رئيس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح الذي دعا إلى تشكيل لجنة لدراسة جميع النقاط الواردة في المذكرة، كما أوضح أن لديه الاستعداد لمناقشة جميع تلك النقاط في الاجتماع.

* وماذا كان رد الوفد العراقي؟

- أصر على موقفه، وكرر عبارة أن "الاجتماع بروتوكولي" وهو غير مستعد لمناقشة أي شيء. وعندما حان موعد صلاة المغرب غادر رئيس الوفد العراقي القاعة، وقال: "إن اللقاء انتهى ولا مجال للبحث في أي موضوع".

* وماذا كان رد الشيخ سعد؟

- رئيس الوفد الكويتي اتصل برئيس الوفد العراقي وزاره في الليل، وكان يحاول بحث النقاط المعلقة التي حضر الوفدان لمناقشتها، لكن رئيس الوفد العراقي أصر على موقفه. وهذا يدل على أن العراق حضر الاجتماع لتضليل الرأي العام العربي والإسلامي والدولي، وهو سائر في تنفيذ مخططه. والدليل على ذلك أنه بعد عودتنا بست ساعات اندفعت القوات العراقية داخل الكويت، واجتاحتها.

* ألم يقدم الوفد العراقي أية مطالب؟

- أبدا، لم يقدم شيئا، ولم يبحث شيئا. وكان يردد بأنه لن يبحث أي شيء إلا في بغداد. وقد رد ولي العهد الكويتي على النقاط الواردة في المذكرة العراقية بصراحة ووضوح. فمثلا، في ما يتعلق بموضوع تجاوز الإنتاج- كما يقال- رد بأنه لدينا حصة تاريخية في "أوبك". ومع ذلك ولاعتبارات تتعلق بأوضاع السوق النفطية كانت الكويت تراعي إنتاج حصة أقل، وتحملت في هذا الشيء الكثير. وقبل إثارة العراق موضوع تجاوز الإمارات والكويت للإنتاج كان هناك اجتماع في جدة قبل المذكرة بأسبوع، تمت فيه تسوية الموضوع المتعلق بالحصص، فإذا كان الموضوع قد تم حله قبل ذلك فلماذا الاتهام؟

* كم استغرق الاجتماع؟

- استغرق حوالي ساعتين إلا ربعا.

* بدون مناقشة أي نقطة من المذكرة؟

- هذا بما فيه الافتتاح الذي تم بحضور الوفد السعودي برئاسة الأمير عبدالله بن عبدالعزيز الذي ألقى كلمة ذكر فيها أننا جميعا إخوة "ونود أن نعطي الفرصة للإخوة الأشقاء في الكويت والعراق لبحث المشاكل المتعلقة بينهما". وبعد فترة غادر القاعة، وعقد اجتماع ثنائي بين رئيسي الوفدين. وبعد ذلك تم استدعاء أعضاء الوفدين.

* كيف بدأ الاجتماع؟

- بدأه رئيس الوفد العراقي بمحاضرة طويلة عن التاريخ الآيديولوجي للنظام العراقي ونظرته إلى الوحدة العربية، وكيف تم تطوير تلك الآيديولوجية التي يلتزم بها النظام العراقي بحيث أصبحت لهم نظرة معينة في ذلك المجال. وقال إنه يعتقد بأن هناك أمورا معينة جعلتهم يعتقدون بأن الكويت تتآمر على العراق فيما يتعلق بموضوع النفط.

* وماذا كان رد الكويت؟

- أوضح ولي العهد في رده أن الكويت لا تتآمر على العراق، ولا على أي بلد آخر. وقد تكون العلاقات السابقة بين الكويت والعراق دليلا على افتقار هذا الكلام للحجة. وأبدى الشيخ سعد استعداده للرد على كل النقاط. وذهب إلى حد تكليف وزيري الداخلية في البلدين للقيام بجولة على المناطق الحدودية للنظر في مسألة تجاوز الحدود التي وردت في المذكرة العراقية. وإذا كان هناك تجاوز كويتي بالفعل "فنحن على استعداد للرجوع عنه"، وإذا كان من الجانب العراقي فليفعلوا الشيء نفسه.

* وحقل الرميلة؟

-  هناك الرميلة، وحقل كويتي جنوب الحدود العراقية هو حقل الوربة وهو قديم (قبل عام 1980). وطلب ولي العهد تشكيل لجنة من وزارتي النفط في البلدين للتحقق من ذلك ولدينا الاستعداد لإيقاف التجاوز إذا ثبت أنه من قبلنا. كما أبدى ولي العهد عدم اقتناع الكويت في فتح خط طيران مدني عبر الأجواء الكويتية بعد دراسة من الخبراء الفنيين. وورد في المذكرة أيضا أن الكويت لم تكن متحمسة لإيصال مياه شط العرب للكويت. وهذا كلام مردود عليه لوجود اللجان المختصة. والخلاصة أن الوفد العراقي كرر هذه النقاط دون استعداده لمناقشتها بالتفصيل. وكانوا يصرون على مناقشتها في بغداد.

رد ولي العهد الكويتي على النقاط الواردة في المذكرة العراقية بصراحة ووضوح. فمثلا، في ما يتعلق بموضوع تجاوز الإنتاج- كما يقال- رد بأنه لدينا حصة تاريخية في "أوبك". ومع ذلك ولاعتبارات تتعلق بأوضاع السوق النفطية كانت الكويت تراعي إنتاج حصة أقل، وتحملت في هذا الشيء الكثير

* ولماذا لم توافقوا على مناقشة الموضوع في بغداد؟

- طلبنا الموافقة على تحديد لقاء في بغداد وآخر في الكويت، لكن رئيس الوفد العراقي أصر على لقاء فقط في بغداد. ومما تجدر الإشارة إليه أن الاتفاق الذي نقله الرئيس مبارك يقضي بلقاء في بغداد ثم لقاء في الكويت، بعد اجتماع جدة.

* ورفضوا الاجتماع في الكويت؟

- وقبل ذلك رفضوا بحث النقاط الواردة في المذكرة.

* وهل تم تحديد موعد للاجتماع في بغداد؟

- لم يتم تحديده.

* ماذا كان الهدف من اجتماع جدة إذن؟

- كان يفترض أن تبحث فيه النقاط التي وردت في المذكرة العراقية، لكن رئيس الوفد العراقي كان يصر على أن الاجتماع بروتوكولي، بالرغم من أننا نعرف بعضنا جيدا، وسبق أن التقينا.

هناك الرميلة، وحقل كويتي جنوب الحدود العراقية هو حقل الوربة وهو قديم (قبل عام 1980). وطلب ولي العهد تشكيل لجنة من وزارتي النفط في البلدين للتحقق من ذلك ولدينا الاستعداد لإيقاف التجاوز إذا ثبت أنه من قبل الكويت

وشارك وزير التخطيط سليمان المطوع في الحديث:

* هل صحيح أن العراق طلب من الكويت مبلغا مقداره 10 مليارات دولار، لكن الكويت وافقت على 500 مليون دولار فقط؟

- كان هناك طلب. لكن تحديد المبلغ سواء 500 مليون دولار أو غيره، ليس المهم، بل الوضع الذي كانت فيه الكويت بالنسبة إلى جميع التزاماتها تجاه العراق وتجاه المجتمع الدولي، في الوقت الذي طلب العراق المبالغ. وقد لا نستطيع أن نلبي رغبته كلها في ذلك الحين، بل نستطيع أن نلبي بعضها. فالموجودات في البنوك المختلفة عبارة عن ورقة مكتوب فيها المبلغ، ومن الصعوبة أن نطلب من تلك البنوك سيولة كبيرة وفي الحال. وكان رد الكويت أن السيولة غير متوفرة.

MAJALLA

* ولماذا كان المبلغ كبيرا؟

- قد يكون الهدف منه تعجيزيا، فلا تستطيع الكويت تلبيته.

* كانت الكويت طالبت العراق بتسديد الديون كما يقولون؟

- العراق يعلم قبل غيره بأن الكويت لم تطالبه بدفع الديون... ومن يضمر الشر فلا يحتاج إلى مبرر. والعراق كان يضمر الشر للكويت، لذلك فالحجج واهية ومردود عليها. ولو فرضنا جدلا أن هناك مطالبات كويتية بتلك الديون؟ فهل يعتبر ذلك مبررا لمثل هذا الاعتداء؟ طبعا لا. وأؤكد مرة أخرى أن الكويت لم تطلب من العراق تسديد الديون.

* كم يقدر المبلغ الذي قدمته الكويت إلى العراق كقروض؟

- (يجيب على السؤال وزير التخطيط) يقدر المبلغ بحوالي 17 مليار دولار.

* وهل طالبوكم بإسقاطها؟

- نصحناهم بعدم المطالبة بإسقاطها حتى لا يأتي بقية الدائنين ويطالبوهم بتسديد ديونهم بحجة أن العراق أصبح مفلسا، لكنهم لم يتفهموا هذا الشيء.

* كم المبلغ الذي طلب العراق إسقاطه؟

- العشرة مليارات الأولى. وقلنا لهم: اعتبروها "ساقطة" دون إعلانها على الملأ، حتى لا نضعكم في وضع سيئ أمام البنك الدولي، والدول التي تعطي التسهيلات.

العراق يعلم قبل غيره بأن الكويت لم تطالبه بدفع الديون... ومن يضمر الشر فلا يحتاج إلى مبرر. والعراق كان يضمر الشر للكويت، لذلك فالحجج واهية ومردود عليها. ولو فرضنا جدلا أن هناك مطالبات كويتية بتلك الديون؟ فهل يعتبر ذلك مبررا لمثل هذا الاعتداء؟

سليمان المطوع

* هل يلزم القانون الدولي العراق بدفع تعويضات إلى الكويت مقابل التدمير الذي أحدثه فيها؟

- العراق دولة معتدية وقد أثبتت هذا الاعتداء قرارات مجلس الأمن الدولي ومؤتمر القمة العربي الطارئ. ولم يكتف النظام العراقي بالاعتداء واجتياح الكويت، والسطو المسلح، وهتك الأعراض، بل تجاوز هذا إلى سرقة البنوك، ابتداء من البنك المركزي، إلى البنوك الأخرى، والأسواق التجارية وغيرها. ولم يبق شيء في الكويت، إلا وعبث به ابتداء من ألعاب الأطفال في المدينة الترفيهية، وتجهيزات المدارس، وإشارات المرور وحتى حديقة الحيوانات، نُقلت موجوداتها إلى بغداد. وللكويت الحق في الحصول على هذه التعويضات، وستقوم بالمطالبة بذلك.

* وهل تتوقعون أن يدفع العراق تعويضا؟

- سنطالب بها، ولن نسكت.

* هل حصلت حالات مماثلة في التاريخ؟

- في أعقاب الحرب العالمية الثانية دفعت ألمانيا تعويضا بسبب الأعمال التدميرية التي قامت بها قوات هتلر. ونحن في الكويت تعرضنا لأبشع من تلك الأعمال، ففي الماضي كان التركيز على المنشآت العسكرية، لكن الاعتداء العراقي على الكويت هدفه سرقة كل شيء.

* هل تستطيع الحكومة الكويتية الشرعية قانونا الاستفادة من الأرصدة والاستثمارات الكويتية في الخارج؟

- لم تتأثر كثيرا بتجميد الأرصدة لأن حكومة الشيخ جابر هي الحكومة المعترف بها من المجتمع الدولي... كما أن الاستثمارات لم تتأثر.. وقد صرح وزير المالية بأن الأرصدة والاستثمارات الكويتية لم تتأثر بقرار التجميد.

* لماذا جمّدت إذن؟

- حتى لا تصلها الأيدي العراقية.

* كيف تصل إليها؟

- كان هناك نوع من الحذر، بعد أن سيطرت القوات العراقية المحتلة على المؤسسات المالية في الكويت.

* هل يمكن القول إن الأرصدة والاستثمارات الكويتية غير مجمدة بالنسبة إلى الحكومة الشرعية؟

- بل يمكن القول إن الحكومة الشرعية لم تتأثر بقرار التجميد. وقد تكون هناك أرصدة مجمدة. لكننا لم نتأثر.

* ورجال الأعمال الذين فقدوا ثروات هائلة؟ كيف سيتم تعويضهم قانونا؟

- تدرس الحكومة في الوقت الحاضر كيفية إعادة العافية إلى البنية الاقتصادية. وهذا الموضوع- استكمال البناء- لن يطول. فالإمكانيات المالية موجودة، وقبلها العقول متوفرة. ومن الأمور التي تدرسها الحكومة وتوليها اهتماما كبيرا معالجة الآثار المترتبة على العدوان العراقي، ومنها إعادة النشاط الاقتصادي إلى ما كان عليه قبل الغزو.

font change

مقالات ذات صلة