"موسم الغيمرز" السعودي... قطاع طموح

المملكة الأولى في الشرق الأوسط بعوائد تفوق المليار دولار

رويترز
رويترز
الاستثمار الاستراتيجي للسعودية في الأحداث الرياضية والترفيهية بدأ منذ 2016

"موسم الغيمرز" السعودي... قطاع طموح

تجلّت معالم الثقافة الإلكترونية السعودية في أبهى حللها، خلال بطولة الألعاب والرياضات الإلكترونية "موسم الغيمرز" السعودي الذي اختتم نسخته الـ 23 أخيرا بعد أشهرٍ حفلت بالابتكار الإبداعي والفنون. وأثبت هذا الموسم كسابقه أن الألعاب الإلكترونية ثقافة مجتمعية لها شريحة مليونية من المهتمين والمتابعين. إذ يظهر أي استطلاع للرأي حول هذه الألعاب أن جميع أطياف المجتمع الخليجي منجذبون إليها، وإن تصفَّحتَ بعض جوالات الخليجيين عموما، والسعوديين خصوصا، لوجدت تلك الجوالات تحوي عددا من الألعاب المفضَّلة لدى ممارسيها.

سوق بالمليارات

تطوَّرت تلك الألعاب، وأثار عدد منها جدالًا واسعا انتصر فيه شغف اللاعبين، حتى أنك قد تجد البعض يشتري أحدث الجوالات من أجل متابعة أحدث ما تطلقه الشركات من تحديثات جديدة، ليس بصورة أسبوعية أو شهرية أو سنوية، بل قد تطرأ تحديثات يومية على اللعبة الواحدة، الأمر الذي يثير شغف المتبارين للحصول على أحدث التكنولوجيا من أجل مواكبة تلك الألعاب.

أ.ف.ب.
متدربون سعوديون يحضرون دورة تدريبية في أكاديمية الرياضات الإلكترونية السعودية في الرياض في 29 أغسطس/آب المنصرم

وعلى الرغم من الصراعات والتحذيرات التي تفرزها عوالم الـ"سوشيال ميديا" حول الكثير من هذه الألعاب، إلا أن الشركات تتبارى في تحديثها، وتنفق ملايين الدولارات من أجل تطويرها، وإضافة المزيد من الإثارة، والعديد من المهارات، والتحفيز عليها، ممَّا يجعل الاستغناء عنها، وعدم ممارستها أمرا في غاية الصعوبة، بل مستحيلًا في ظل التحديات التي ذكرناها سابقا!

ما من شكّ في أن تلك الشركات لا تنفق هذه الأموال الطائلة هباء، ذلك أن مردود ذلك الإنفاق يعود أضعافا مضاعفة، حتى أننا نجد شركات عملاقة تحقق ما يقرب من موازنة دول في آسيا أو أفريقيا من تسويقها لهذه الألعاب.

لو ألقينا نظرة على أفضل عشر ألعاب إلكترونية في العالم، لوجدنا أن "بارتي آي" تأتي في المقدمة، وتحلّ بعدها لعبة "بول هيد"، ثم "فيفا"، و"أمونغ أس" و"ببجي"، لتتوالى بعدها ألعاب ذات شعبية واسعة.

لا تنفق الشركات الأموال الطائلة هباء، ذلك أن مردود ذلك الإنفاق يعود أضعافا مضاعفة، حتى أننا نجد شركات عملاقة تحقق ما يقرب من موازنة دول في آسيا أو أفريقيا من تسويقها لهذه الألعاب

لم تقف المملكة العربية السعودية، التي غدت مركزا مهما للألعاب الالكترونية، موقف المتفرج، بل شجعت الأفراد والشركات والمؤسسات الصغيرة النامية على دخول هذا المضمار، ويسّرت الحصول على التقنيات التي ترتقي به، بل وتسعى إلى وضع تشريعات تهتم بتطويره، وتحقيق أكبر مكسب يعود على الدولة والأفراد في المملكة.

السعودية الأولى في المنطقة

فبحسب "الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع"، تعدّ المملكة الدولة الرائدة في سوق صناعة الألعاب، وأكثرها تحقيقا للإيرادات في الشرق الأوسط، بحسب تقرير "نيكوبارتنرز" ( Niko Partners) الذي ذكر أن سوق الألعاب السعودية حقق عائدات تجاوزت المليار دولار خلال عام 2022. وهو أقوى سوق في المنطقة، من ناحية العائدات المالية، والقدرة الشرائية. 

أ.ف.ب.
زوار متحف تاريخ ألعاب الفيديو، وهو جزء من Gamers8، وهو مهرجان لبطولات الرياضات الإلكترونية يستمر ثمانية أسابيع في الرياض

الجدير بالذكر كذلك، أن حجم السوق السعودي للألعاب الألكترونية وصل إلى أكثر من 3,8 مليارات ريال سنويّا (نحو مليار دولار) بعد عام 2021 ليحقق طفرات وقفزات متتالية أهّلته لكي يكون رقما صعبا في الاقتصاد السعودي الإقليمي والمحلي، ورقمًا عالميّا يضاف إلى هذا القطاع المهتم بالألعاب.
وبحسب "الاتحاد السعودي للألعاب الإلكترونية"، تعدّ السعودية حاليا موطنا لـ23,5 مليونا من عشاق الألعاب، وهذا يعادل 67 في المئة من سكان المملكة! 

أما بالنسبة للتصنيف العمري، فإنه منذ إطلاق التصنيف العمري للسعودية عام 2016، تم تصنيف أكثر من 4000 لعبة في السعودية تتوزع على 5 فئات من عمر 3 سنوات حتى 18 سنة.

لا شكَّ في أن هذه الألعاب جذبت إليها، إلى جانب الفئات العمرية الدنيا، فئات أخرى كفئة الشباب، ولم تقف عند حدّ الذكور فقط، بل جذبت الإناث أيضا، حيث أصبح هناك اتحاد اسمه "الاتحاد السعودي للألعاب الإلكترونية" الذي تأسس عام 2017 برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن سلطان؛ ليحدث بعدها اقتصادا سعوديا مستقلاً اسمه "اقتصاد الألعاب الإلكترونية"، أو "موسم الغيمرز" السعودي، إن صح التعبير، الذي دفع المملكة إلى وضع الألعاب والرياضات الإلكترونية ضمن أولوياتها الاستراتيجية الوطنية لتدعيم الناتج المحلي، وفتح أبوابا ترفيهية جديدةً لدى المواطنين والمقيمين والزائرين. 

وبالتالي، عمد المسؤولون عن الترويج الرياضي والسياحي للمملكة بين دول العالم، إلى إقامة مهرجان احتفالي سنوي يسمى "مهرجان الغيمرز"؛ رغبة من هؤلاء المسؤولين في تحقيق أهداف الرؤية التي سُخّرتْ فيها جميع إمكانات المملكة. 

لا شك أن موسم "الغيمرز 2023" الذي أقيم في السعودية، حدث عالمي بامتياز، حيث تضمن هذا العام الكثير من الفاعليات والأجواء الحماسية والمميّزة. هذا الحدث الخاص بالرياضات والألعاب الإلكترونية، الذي انطلق في 6 يوليو/تموز 2023، حمل في جعبته العديد من الأنشطة الترفيهية والفنيّة المنوّعة. 

أهداف اقتصادية واجتماعية وثقافية

هذا المهرجان له أهمية خاصة، تلك التي تتمثل في غايات وأهداف حرصت الحكومة السعودية الرشيدة على تحقيقها، وتزداد فرص نموّها عاما تلو عام، كما تتعاظم الحاجة إلى تطويرها كل يوم.

من أبرز الأهداف تنشيط السياحة في المملكة، والمساهمة بنسبة مهمة في الاقتصاد السعودي، ثم تحفيز الشباب على قضاء أوقات الفراغ في أشياء مبهجة ونافعة، تفرغ طاقات الشباب، بدلا من الاتجاه إلى اللهو غير المحمود. 

تعدّ السعودية حاليا موطنا لـ23,5 مليونا من عشاق الألعاب، وهذا يعادل 67 في المئة من سكان المملكة

الاتحاد السعودي للألعاب الإلكترونية

لم يكن "الغيمرز" مهرجانا للألعاب الإلكترونية، أو محفزا لثقافة اللعب الإلكتروني فحسب، إنما شمل كذلك حفلات غنائية وترفيها عالميّا، حيث احتضنته الرياض طوال موسم كامل امتدّ على مدار أيام متواصلة. فكما تحرص المملكة وقيادتها الحكيمة على أن ينشأ الشباب على حب التدين المعتدل، تحرص كذلك على تنشئة أجيال نيرة قادرة، ومستوعبة لتكنولوجيا العصر الحديث ولغته الرقمية المتطورة. 

تضمّن "موسم الغيمرز" أكثر من 14 منطقة ترفيهية، أقيمت فيها أكثر من 350 فاعلية، كما أقيم العديد من الحفلات الغنائية والموسيقية. 

ورصدت خلال هذا الموسم جوائز بملايين الدولارات لجميع المتنافسين في الألعاب المُعلنة كافة، وحفزت هذه الجوائز الكبرى الكثيرين على المشاركة.

المأمول في ظل نجاح هذا المهرجان العملاق لعامه الثاني على التوالي، أن تهتم العقول النيّرة المسؤولة عن رياضة الألعاب الإلكترونية في المملكة بالفئة العمرية التي تنحصر بين سنّ 3 سنوات وعشر سنوات، وتشجيع الأطفال على التفوق والإبداع فيه. فقد رأينا أطفالًا من الروس وغيرهم يبرعون في ألعاب الشطرنج، بل ويتحدون أبطالًا حققوا مراكز عالمية في منافسات قارّيَّة. كما رأينا الروس واليابانيين والصينيين يدربون الأطفال في شهور عمرهم الأولى على السباحة، مما غيّر النظرة النمطية عن الطفل وقدراته ومهاراته.

وإضافة إلى الإثارة والمتعة العقلية والترفيهية التي استطاعت "مواسم الغيمرز" حتى الآن تحقيقها، أضيفت خاصية الكسب المادي والوظيفي الذي جذب إليه الشباب والشابات بجميع فئاتهم العمرية. لا بد من أن يؤدي ذلك إلى جذب انتباه وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وإلى جانبها وزارة التعليم، إلى سوق عملٍ سعودي جديد، سيكون بعد أعوام في حاجة ماسة إلى طاقات بشرية عاملة، وتخصصات علمية بمواصفات عالمية.

font change

مقالات ذات صلة