هاني نقشبندي... مرآة التحوّلات العاصفة

في رصيده 7 أعمال روائية

Peter Csuth
Peter Csuth

هاني نقشبندي... مرآة التحوّلات العاصفة

رحل عن عالمنا مساء الأحد الماضي الإعلامي والصحفي والروائي السعودي هاني نقشبندي، بعد رحلة عامرة في بلاط صاحبة الجلالة عمل فيها رئيسا لتحرير مجلتي "المجلة" و"سيدتي" ، كما ساهم في تأسيس مجلة "الرجل"، وقدّم برنامج "حوار هاني" على شاشة تلفزيون دبي ناقش فيه عددا من القضايا الفكرية والسياسية، كما اشتملت رحلته على طواف بين عوالم الروايات، وكان الراحل يرى أن تجربته في الصحافة والإعلام ساهمت في إثراء موهبته الأدبية، وعلى الرغم من أن أعماله لم تتجاوز السبع روايات إلا أنه استطاع من خلالها ترك بصمة لا تنسى في الرواية السعودية والعربية، وأن يعرض مشكلات المجتمعات العربية ويواجه بكل جرأة عددا من العادات والتقاليد الراسخة التي تكبّل المجتمع وتحدّ من انطلاقه وتحرره. في ما يلي عرض لهذه الروايات وما تناوله فيها من أفكار وقضايا.

اختلاس .. دفاع عن المرأة

منذ روايته الأولى "اختلاس" التي صدرت في 2007 ومنعت من التداول في عدد من البلدان العربية بدت رغبة هاني نقشبندي واضحة في فتح الآفاق للمرأة السعودية ودفعها نحو الانعتاق من قيود المجتمع، فرسم نموذجا للمرأة السعودية التي تسعى للتحرر حتى أنها تبدأ في مراسلة صحفي سعودي يرأس تحرير مجلة نسائية في لندن، وتفضي إليه بكل أفكارها وهواجسها بل تصل إلى حد الاعتراف له بخطاياها، في المقابل نتعرّف على ذلك الصحفي السعودي الذي يعيش حياة الحرية والتحرّر في بلاد الغرب، ولكنه لا يزال أسير نظرته الذكورية الشرقية للمرأة، وكيف يفكر فيها ويتعامل معها، على الرغم من تعدّد علاقاته واختلاف تجاربه.

هكذا استطاع نقشبندي أن ينتقل إلى مساءلة التاريخ وإعادة التفكير في عدد من المسلمات فيه، في حين ينتقد بذكاء عددا من الممارسات والتصرفات التي تحكم العقلية العربية الراهنة


 استطاع نقشبندي في هذه الرواية أن يكشف جزءا كبيرا مخبوءا من داخل المجتمع السعودي، وذلك في وقت مبكر، قبل التغيرات والانفتاح الأخير الذي أصبح عليه، وكيف أن المجتمعات حينما يسودها الكبت والقهر فإن ذلك يزيد من الفساد والأخطاء حتى وإن كان الظاهر منها الالتزام بالمظاهر الدينية والاجتماعية، وليس الأمر مقتصرا على المرأة فللرجال أيضا عثراتهم وأخطاؤهم حتى وإن بدوا مدافعين عن حقوق المرأة داعين إلى التحرر والانفتاح. وعلى عادة الروايات الأولى يشير نقشبندي إلى أن عمله في مجلة "سيدتي" لمدة خمس سنوات هو ما ألهمه فكرة هذه الرواية وعددا من تفاصيلها، ولعل كل ذلك ما جعل هذه الرواية مثارا للكثير من الجدل والنقد ما جعلها تمنع من النشر، ورغم ذلك فقد طبعت منها ست طبعات في فترة قصيرة كما ترجمت إلى اللغة الروسية.

سلام... رحلة مختلفة للأندلس

يبدو أن ردود الأفعال على رواية "اختلاس" دفعت نقشبندي إلى سفر بعيد في الزمان والمكان والخيال، فانتقل إلى الأندلس في روايته "سلام" الصادرة في 2008 ، ولكنه لا يعود لكي يتغنى بأمجاد العرب والمسلمين هناك، بل على العكس يسائل التاريخ والمراجع التاريخية حول حقيقة ما جرى هناك، من خلال رحلة أمير عربي يعيش في الرياض ويسعى إلى إنشاء قصر يشبه قصر الحمراء في الأندلس، وإذ تجنح الرواية نحو التخيّل الفانتازي بين شخصيات مثل "رماح" و"ابن برجان" وما تمتلكه من صفات، وبين حكاية الأمير الذي يريد أن يبني "قصر الحمراء"، فإنها تثير في الوقت نفسه الكثير من التساؤلات وتتشكك في عدد من المرويات المتداولة حول الوجود العربي والإسلامي في إسبانيا، كما تنتقد التفكير العربي الراهن الذي يركّز على الشكليات والمظاهر ويسعى إلى بناء أعظم قصر وأطول مبنى في الوقت الذي يعاني فيه الناس من تفشي الجهل والتضليل لاسيما في ما يتعلق بذلك التاريخ الذي قد يتبيّن في لحظة ما أنه لم يكن إلا خدعة كبيرة.

هاني نقشبندي

هكذا استطاع نقشبندي أن ينتقل إلى مساءلة التاريخ وإعادة التفكير في عدد من المسلمات فيه، في حين ينتقد بذكاء عددا من الممارسات والتصرفات التي تحكم العقلية العربية الراهنة، وعلى الرغم من أن الرواية محمّلة بهذا القدر من الأفكار الهامة، إلا أنه استطاع أن ينقل القارئ في بأسلوب أدبي ولغة رشيقة إلى عالم الأندلس وما في قصوره وزخارفه من جماليات، وأن يصف ما كانت تتمتع به من طرق مبنية على طرز فاخرة وقلاع حربية مشيدة بإحكام، وغيرها من تفاصيل جمالية تضيف إلى الرواية بعدا آخر، وكأنها إشارة من الكاتب إلى أنه لا يستنكر الاهتمام بالجمال، ولكنه يسعى لأن يكون ذلك الجمال أصيلا وحقيقيا.

ليلة في دبي... أسئلة الهوية

عمارة من مئة طابق تبنى في ليلة واحدة، تفاجئ بها بطلة الرواية "ياسمين" التي تعيش وحيدة في دبي، ومن خلالها ينتقل هاني نقشبندي إلى أسئلة أخرى في الرواية تخصّ علاقتنا بالآخر، من نحن، وماذا نفعل وماذا نريد، بين أبراج دبي الشاهقة، وبين بحث الإنسان عن أمن وسلام؟ وهو يشير في بدية الرواية إلى أن "دبي هي نيويورك وهي دلهي وهي القاهرة" في إشارة واضحة إلى أنه لا يقصد المدينة بذاتها، بل ما يشهده العالم العربي من تطورات متسارعة، وهو إن أشار إلى ذلك في "سلام" فإنه يفسح له فضاء واسعا في هذه الرواية ويضيف إليه المزيد، في "ليلة واحدة" يوجز نقشبندي سيرة حياة بطلة روايته في الفصل الأول وسعيها الحثيث نحو حياة مستقرة تنتهي إلى تلك الشقة في دبي، وينتقل من ذلك إلى استعراض أحوال جيرانها بجنسياتهم المختلفة، وتزداد حيرتها مع تعرفها عليهم في ما تنسى اسمها وتصل درجات اغترابها عن ذلك العالم إلى أقصاه، وكأنه يضع القارئ معه في تلك الحيرة المفاجئة التي تجعله ينسى نفسه في غمرة ما يحدث من حوله من تغيرات متسارعة في عالم اليوم، تستعيد "ياسمين" علاقتها باسمها وبنفسها من خلال حارس العمارة الهندي "أفتاب"، ومعه تبدأ سلسلة من الحوارات الممتدّة التي تعكس الكثير مما تفتقده ياسمين في حياتها، وما يهيمن على العالم من أفكار تجعله عالما ماديا خاليا من الروح.

ينطلق نقشبندي في روايته من الحديث عن العمارة وما تمثله من سيطرة المال على الناس إلى الحديث عن النفوس والأفكار، وتتحوّل الرواية من شخصيات ومواقف واقعية إلى حوارات ذات طابع فكري وفلسفي بين ياسمين وأفتاب، حوارات تغوص في أحوال النفوس البشرية وطريقة تعاملنا مع أنفسنا في هذا العالم، كيف نتلقى الجمال والقبح، وكيف تساعدنا تلك التغيرات على الانشغال بالظواهر وإهمال الجوهر، وغيرها من تساؤلات وأفكار.

نصف مواطن محترم... الربيع العربي

تعصف أحداث الربيع العربي بالعالم في 2011، وتختلف مواقف الكتاب والأدباء في رصدها والتعبير عنها، وينتظر هاني نقشبندي حتى يهدأ فوران الثورات والحركات الاحتجاجية، ليخرج لنا بروايته "نصف مواطن محترم" في 2012 وينتقل بنا إلى حكاية رمزية سياسية لا تخلو من آثار الواقع المحيط بنا، مع بطل الرواية البسيط الذي يسعى إلى علاج زوجته، ويفاجأ بأن العملية التي حدّدت أجّلت بسبب وفاة "زوج ابن خالة الزعيم"، فيعترض على ذلك مما يؤدّي به فورا إلى الاعتقال واعتباره المحرّك الأساسي للثورات والاحتجاجات ضد الزعيم.

  الروائي الناجح، هو الأناني بالمطلق. بمعنى أن يكتب ما يؤمن هو به، وما يراه صحيحا، لا ما يؤمن به الناس، عارضوه أو وافقوه


هاني نقشبندي

لعل أبرز ما يميز هذه الرواية اختلاف أسلوب هاني نقشبندي فيها، إذ استخدم أسلوبا ساخرا لعرض مشكلات المجتمعات العربية والفجوة الواضحة بين الحكام والمحكومين، ليس ذلك فحسب بل وهشاشة أجهزة الأمن وما فيها من فساد وظلم، لاسيما وهم يلقون القبض على ذلك المواطن ويتهمونه بحيازة أسلحة خطيرة لم تكن سوى أجزاء غسالة قديمة لديه، وفي "المحفل" وأعضاؤه يظهر العالم الخلفي لرجال الحكم والمتنفذين الذين يسمع الزعيم/الحاكم نصائحهم، تلك التي تتحوّل من القبض على ذلك المواطن البسيط إلى الأمر بتحويله إلى بطل شعبي يلتف الشعب حوله فجأة، وكيف يتحوّل ذلك البطل إلى حاكم وديكتاتور آخر يقمع الثوار ويأمر بالقضاء عليهم، وكأن الكاتب يشير ولو بشكلٍ غير مباشر إلى أن حل مشكلات العالم العربي لا يكمن في تغيير القيادات والزعامات، وإنما في تغيير النفوس وتربية الشعوب على الديمقراطية منذ البداية.

طبطاب الجنة... العشق والموت

بعيدا من مشكلات الواقع السياسية أو الاجتماعية، يعود نقشبندي في روايته "طبطاب الجنة" (2015) إلى نسج حالة خاصة تجمع بين العشق والموت، ويأخذنا في رحلة مع بطل روايته "سليمان" العاشق في حكاية تبدو أغرب من قصص العشق العربية القديمة، فهنا رجل ماتت حبيبته سلمى ودفنت فلزم قبرها، لا يبتعد عنه ولا يتركه، حتى تقع في غرامه فتاة تعيش قريبا من منطقة المقابر تلك هي "غرسة" تحلم أن يحبها ذلك العاشق حبا يملك عليها حياتها على هذا النحو، نتعرّف في الرواية على حكاية "سليمان اليتيم" منذ قدومه إلى جدة وتربية أحد الموسرين له واعتماده عليه في تجارته، حتى تعرف على ابنته سلمى وصارت رفيقته، تربّى معها وكبرا سويا، وبدا أن الحياة تبتسم لهذا المسكين وتمنحه بعض البهجة والسعادة، إلا أن الأمر لم يستقر له، فما إن اشتدّ عوده وأصبح شابا حتى رفضت أم سلمى أن يبقى في بيتهم، وما هي إلا أيام حتى ماتت سلمى.

وهكذا يأخذنا نقشبندي إلى حكاية شاعرية مختلفة تجمع بين الحب والموت وتتعرّض إلى صراع الحياة والموت، ويرسم أسطورة عشق عربية جديدة، ومثلا فريدا في الفناء في المحبوبة حتى النهاية، فإذا كان لدينا مجنون ليلى وحكاية عنتر وعبلة، فهذا سلومي وسلمى رغم أن الأخيرة سرعان ما يغيبها الموت، إلا أن قصة الحب تبقى وتتوارثها الأجيال، بل وتبقى مفاجأة "غرسة" في النهاية أن ذلك المحب لا يتخلى عن مكانه بجوار محبوبته حتى الموت.

الخطيب... وقفة أمام التطرف الديني

لاشك أن قضية التطرف الديني واستغلال بعض الدعاة وأصحاب المناصب الدينية مواقعهم من أجل فرض وصايتهم وسيطرتهم على الناس، من أهم الفضايا وأخطرها تأثيرا في المجتمعات العربية عموما والسعودية بشكل خاص، لذلك أراد هاني نقشبندي أن يعالج هذه القضية وأن يتناولها بشكل جاد وجريء في روايته "الخطيب" (2017)، وفيها يفاجأ خطيب الجمعة بأن الناس لا يستمعون إلى خطبته، وأن لا فرق لديهم بين خطبة مكرّرة وأخرى جديدة، ومن هذه الصدمة يبدأ في التركيز ومحاولات التأثير على المستمعين، أملا في استعادة مكانته وفرض وصايته من جديد.

يعرض نقشبندي من خلال الرواية ما في تلك المؤسسات الدينية من فساد، وما قد تحتويه من حواضن للإرهاب والتطرّف، إذ يتحول الخطيب من رجل يدعو إلى الحفاظ على النفس والالتزام بتعاليم الإسلام إلى محرّض على العنف والقتال ضد من يسميهم العلمانيين والمتغربين، والنتيجة أن المستمعين ينصتون إليه في هذه الحالة باهتمام بل ويتزايد حضور الناس في خطبته ويتداولون اسمه بينهم، وهكذا يتحول الخطيب من داعية للدين الإسلامي وتعاليمه السمحة إلى داعية من دعاة التكفير والقتال، وكل ذلك يتم في المسجد وباسم الدين، وتحت سمع وبصر المسؤولين عن تلك المؤسسات الدينية.

قصة حلم... من الفانتازيا إلى الواقع

تختلف هذه الرواية عن كل ما سبق أن قدّمه هاني نقشبندي، ليس فقط في فكرتها وموضوعها، بل في أسلوب كتابتها حتى، فقد بدأت كمسلسل تلفزيوني، عرض على شاشات التلفزيون في رمضان 2019 باسم "صانع الأحلام" من بطولة مكسيم خليل وإخراج محمد عبد العزيز، كتب له السيناريو والحوار بشار عباس، ثم كتب نقشبندي الرواية عام 2020.

 تتحدّث الرواية عن عالم فيزياء شهير يدعى إسماعيل عمران يفسّر الأحلام ويكتشف طريقة تجعله يسيطر على أحلامه بل وأحلام الآخرين، ومن خلال تلك الفكرة يناقش نقشبندي عددا من الأفكار المتعلقة بحياة الإنسان ومصيره وأثر الأحلام عليه وقدرته على التحكم في مستقبله، هل تمكنه الوسائل العلمية المتقدّمة بالفعل من التحكم في عالم الأحلام، ذلك العالم الخفي الذي لا يدرك أحد طبيعته وأسراره. يخوض إسماعيل رحلة طويلة، ويتنقل من القاهرة إلى السعودية ومنها إلى اسطنبول والمغرب ليدرس عددا من الظواهر الغير طبيعية في كل بلد، ويحضر مفسّر الآحلام الأشهر ابن سيرين ويتداخل الماضي بالحاضر والواقعي بالفانتازي، ويضيف إلى ذلك كله التفسيرات العلمية ومصطلحات الفيزياء وحساب الجُمل وغيرها من علوم العرب القدماء، كل ذلك في سرد روائي شيق يمسك بالقارئ من أول صفحة في الرواية متتبعا ما فيها من مفاجآت وانتقالات وتغيرات حتى نهايتها.

 هذا الشاب السعودي الجريء قد سبقته تجربة الأدب العربي برمتها تعزّزها موجات العولمة الكاسحة‏، ومعطيات التقدم الرقمي التي نسفت حوائط البيوت وأسرار المدن واللغات والثقافات

صلاح فضل

هكذا استطاع هاني نقشبندي أن  يتناول في رواياته أكثر القضايا والمشكلات التي  تشغل المجتمع السعودي والمجتمعات العربية، وأن يتنقل بين أكثر من فكرة وموضوع، ويجمع بين القراءة الواقعية للمجتمع والقراءة الفانتازية، وأن يقدّم من خلال رواياته السبع معمارا روائيا متقنا متفردا يؤكد فيه انحيازه لقيم الحرية والمساواة والتعبير عن هويته وشخصيته وأفكاره الخاصة بغض النظر عن انتقادات المنتقدين وإملاءات المعترضين، في حوار له مع عبده وازن يتحدث عن علاقته بالكتابة الروائية فيقول:

"الكتابة الروائية ليست عملا صعبا، أو مستحيلا، لكنها أيضا تحتاج إلى موهبة، ولو قليلة، مع الكثير والكثير من الصبر والمحاولة تلو المحاولة. لا يمكن أن يأتي النجاح بين يوم وليلة. بل أحيانا لا يأتي أبدا. وربما مات الكاتب وله من الإصدارات الكثير من دون أن يسمع به إلا قلة قليلة. وأنا عندما أتحدّث عن النجاح هنا، فلا أعني به المادي أو الأدبي، بل الانتشار. ذلك أنه وفي رأيي الخاص والمتواضع أرى أن مجرد أن يكتب الإنسان ما هو مؤمن به، فهو عمل ناجح، ولو لم يقرأه سوى ثلة أصدقاء فقط، أو حتى لا أحد. لذلك أقول دوما وأكرر، إن الروائي الناجح، هو الأناني بالمطلق. بمعنى أن يكتب ما يؤمن هو به، وما يراه صحيحا، لا ما يؤمن به الناس، عارضوه أو وافقوه.

وإذا كانت روايات نقشبندي قد ووجهت بالنقد والمنع في بعض الأوقات، إلا أنها حظيت في الوقت نفسه بقراءات وإشادات نقدية وشهادات هامة حول تجربته وكتابته الروائية وفرادة صوته في الأدب السعودي بشكل خاص، فقد كتب عنه الناقد الكبير صلاح فضل:

"يبدو أن هاني النقشبندي سيلعب في تاريخ الرواية السعودية دورا مماثلا لما قام به احسان عبد القدوس في مصر‏,‏ فأقصى ما استطاع الروائيون قبله هناك أن يعبروا عن حريتهم الشخصية خارج الحدود‏,‏ وأقصي ما استطاعت الكاتبات فعله،  على ضجيجهن وما أثرنه من زوابع، أن يتمتمن بطرف من هذيان الكتب والقمع المفروض عليهن‏.‏ أما أن يعتصر الكاتب فورة الثورة على التقاليد الكابحة‏، ويجسّد المسكوت عنه في ضمير النساء والرجال فهذا ما لم يجرؤ أحد على اقترافه بهذه الصراحة‏.‏ وإذا كان إحسان عبدالقدوس عند منتصف القرن الماضي قد سبقه عصر كامل من النهضة والتحرر في السياسة والثقافة وحركة المجتمع جعل صنيعه ينخرط في المدّ الثوري الذي أسهم في تشكيله على الأصعدة المختلفة‏,‏ فإن هذا الشاب السعودي الجريء قد سبقته تجربة الأدب العربي برمتها تعزّزها موجات العولمة الكاسحة‏، ومعطيات التقدم الرقمي التي نسفت حوائط البيوت وأسرار المدن واللغات والثقافات‏".

font change

مقالات ذات صلة