وضوح صيني بالتضامن... وإحجام هندي عن الانتقاد

تعاطف مع الفلسطينيين في بكين وعداء في نيودلهي

Reuters
Reuters
مواطنون في بكين يقفون أمام شاشة عملاقة تعرض الرئيس الصيني شي جين بينغ بجانب علم الحزب الشيوعي الصيني، في المتحف العسكري لثورة الشعب الصيني، 8 أكتوبر 2022.

وضوح صيني بالتضامن... وإحجام هندي عن الانتقاد

في ضوء تبني كثير من القادة الغربيين ووسائل الإعلام الغربية موقفا متعاطفا مع اسرائيل وانتقاديا تجاه "حماس"، من المهم دراسة كيفية استجابة الدولتين الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم، الهند والصين، لأحداث العنف الأخيرة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي أعقاب اندلاع الأزمة الأخيرة، والتي بدأت مع قيام "حماس" بشن عمليات مسلحة ضد أهداف إسرائيلية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، سارعت الصين إلى التعبير عن موقفها من سياستها الخارجية، مركزة على معالجة المسائل الملحة مثل الدعوة إلى وقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، والتأكيد على حماية المدنيين في غزة. كما شاركت الصين في مناقشات حول القضية التاريخية للدولة الفلسطينية.

وأثارت وحشية الغارات الجوية الإسرائيلية الغضب في معظم أنحاء العالم، حيث رأى الناس أحياء ومستشفيات ومدارس وبنية تحتية مدنية بأكملها في قطاع غزة المحاصر وهي تتعرض للتدمير على يد الجيش الإسرائيلي.

وفي العالم العربي والإسلامي، حيث تتم مراقبة هذا الصراع عن كثب، ستتم ملاحظة ردود أفعال الدول المختلفة أيضا.

لقد دعمت الصين تاريخيا النضال الفلسطيني من أجل إقامة الدولة، ولكن تجدر الإشارة إلى أن علاقاتها مع إسرائيل توسعت أيضا بشكل كبير على مر السنين، لتغطي قطاعات مختلفة مثل التجارة والتكنولوجيا والاستثمار والسياحة منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية عام 1992. كما أنشأت الهند سفارتها في تل أبيب خلال العام نفسه.

يتأثر النهج الذي تتبناه الصين في التعامل مع الشرق الأوسط بعدة عوامل، بما في ذلك تأمين موارد الطاقة، والوصول إلى الأسواق، وبناء الشراكات لتعزيز مكانتها العالمية، وخاصة في سياق علاقاتها التنافسية مع الولايات المتحدة. لقد كانت إيران شريكا مهما للصين لفترة طويلة، كما تلعب معارضة إيران القوية لإسرائيل ودعمها للفلسطينيين أيضا دورا في تشكيل المنظور الإقليمي للصين.

دعمت الصين تاريخيا النضال الفلسطيني لإقامة الدولة، ولكنعلاقاتها مع إسرائيل توسعت أيضا بشكل كبير منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية عام 1992

وفي العالم العربي والإسلامي، حيث تتم مراقبة الصراع عن كثب ومتابعته، سوف يلاحظ الناس كيف استجابت الدول والأفراد المختلفون للوضع وسيتذكرون ردود الفعل هذه.

كانت الصين تاريخيا داعما رئيسا للنضال الفلسطيني من أجل إقامة دولتهم. لكن علاقاتها مع إسرائيل نمت أيضا بشكل كبير لتشمل مجموعة من القطاعات مثل التجارة والتكنولوجيا والاستثمار والسياحة منذ إقامة العلاقات الرسمية عام 1992. كما افتتحت الهند سفارتها في تل أبيب في العام نفسه.

وتتشكل سياسة الصين في الشرق الأوسط من خلال عدد من العوامل، بدءا من تأمين الطاقة إلى الوصول للأسواق وبناء الشراكات التي من شأنها تعزيز دورها العالمي في سياق علاقات الخصومة مع الولايات المتحدة. وفي هذا المجال، كانت إيران شريكا مهما للصين لفترة طويلة، ومن المنطقي أن تؤثر السياسات الإيرانية المعارضة بشدة لإسرائيل والداعمة للفلسطينيين على النظرة الإقليمية الصينية.

ولا شك في أن دور إسرائيل كمشروع مدعوم من الولايات المتحدة، فضلا عن كونها غير مقبولة جدا في المنطقة وموقفها الدائم في الصراع ضد الدول العربية والإسلامية، كل ذلك لا يجعلها شريكا جذابا لمعظم البلدان.

والحق أن لدى الصين رغبة وحاجة حقيقية لبناء شراكات أوثق مع الدول الآسيوية والأفريقية، وطبيعي أن يمر الطريق إلى ذلك عبر علاقات قوية مع دول مثل المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا وباكستان وغيرها من اللاعبين الإقليميين المؤثرين.

Reuters
أحد الأحياء المدمرة في قطاع غزة جراء القصف الإسرائيلي

وبينما تحاول الولايات المتحدة فرض عملية "تطبيع" مفتعلة بين إسرائيل والدول الإسلامية، فإن الصين راضية بالتعامل مع مجموعة واسعة من الدول دون أن تحمل عبء القضية الإسرائيلية الفلسطينية.

ولتعزيز مناخ إقليمي أكثر تعاونا، قامت الصين في مارس/آذار بتيسير التوصل إلى اتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران، القوتين الإقليميتين، لإعادة فتح بعثاتهما الدبلوماسية وتطبيع العلاقات. وقد سلط هذا الاختراق الدبلوماسي الضوء على نفوذ الصين، الذي من المرجح أن يقابل بحسن نية في الشرق الأوسط.

وعموما تهدف استجابة الصين للتطورات في فلسطين إلى خدمة مصالحها الطويلة الأمد، وخاصة في ضوء الانحدار الملحوظ للسلطة الأخلاقية الأميركية في العالم الإسلامي.

وفي ظل التنافس الأميركي الصيني الذي كثيرا ما يتم ذكره، ستكون بكين أكثر قدرة على التأثير في الرأي العام الإسلامي مستقبلا إذا حافظت على سياسة تجاه فلسطين تتماشى مع المبادئ التي عبر عنها وزير الخارجية وانغ يي.

موقف الصين لا يقتصر على موقفها الاستراتيجي بشأن فلسطين، فمن المهم أيضا أن نلاحظ تزايد التعاطف مع معاناة الفلسطينيين بين المواطنين الصينيين.

ولا ريب في أن قضية الدولة الفلسطينية تتجاوز مجرد الصراع بين حماس وإسرائيل. حيث تكرس كثير من منظمات المقاومة جهودها لتأمين الحقوق الفلسطينية، ولو بطرق مختلفة، لكن هدفها المشترك هو إقامة دولة ذات سيادة.

وفي حين أوضحت الصين إدانتها للأعمال التي تلحق الأذى بالمدنيين، فقد أظهرت في الوقت عينه تفهما للسياق الأوسع المحيط بعمليات حماس.

وخلال اجتماع مع منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل في بكين يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول، قال وانغ: "إن جذر هذه المشكلة يكمن في التلكؤ الطويل في تحقيق تطلعات فلسطين لدولة مستقلة والمظالم التاريخية التي عانى منها الشعب الفلسطيني".

جاءت تصريحات وانغ هذه أثناء استضافته المسؤول الكبير من الكتلة الغربية المعروف عنه استخدامه المتكرر لشعار "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها"، مما يمنح إسرائيل حرية كبيرة لانتهاك القانون الدولي، فاكتسبت هذه التصريحات أهمية خاصة.

كما طرح وانغ سؤالا مؤثرا: "لإسرائيل الحق في إقامة دولة، ولفلسطين أيضا الحق في إقامة دولة. الآن وقد حصل الإسرائيليون على ضمانات البقاء، فمن سيضمن بقاء الفلسطينيين؟".

ورغم أن الصين لم تكن تسعى بنشاط إلى الاضطلاع بدور الضامن، ولكن من المؤكد أن تصريحات وانغ الواضحة ستعزز مكانة بلاده العالمية.

كما أوضح وانغ بجلاء أن الظلم الذي تعرضت له أجيال من الفلسطينيين يجب أن ينتهي، في موقف شديد التباين مع التواطؤ الغربي الذي يسمح لإسرائيل بقتل الفلسطينيين مع الإفلات من العقاب باستخدام الأسلحة التي تزودها بها الولايات المتحدة.

واستمرت محادثات وزير الخارجية الصيني مع المسؤولين في الشرق الأوسط على هذا المنوال. وفي مكالمة هاتفية يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، وصف وانغ التصرفات الإسرائيلية في غزة بأنها تجاوزت نطاق الدفاع عن النفس.

ولكن موقف الصين من القضية الفلسطينية لا يقتصر على موقفها الاستراتيجي بشأن فلسطين، فمن المهم أيضا أن نلاحظ تزايد التعاطف مع معاناة الفلسطينيين بين المواطنين الصينيين.

الشعب الصيني ليس مرتهنا للمصالح الإسرائيلية، ما يسهل زيادة التبادلات الثقافية بين سكان الصين والشرق الأوسط. على العكس من ذلك، في الهند، فهناك مشاعر قوية مؤيدة لإسرائيل بسبب صعود القومية الهندوسية، الأمر الذي أدى إلى الابتعاد عن موقف الهند التقليدي بشأن فلسطين، على الرغم من التزام الحكومة المعلن بدعم إقامة دولة فلسطينية.

AFP
رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ونظيره الهندي مودي في نيودلهي في يناير 2018

تضامن الهند مع إسرائيل

في الهند، لم يكن هناك سوى قدر ضئيل نسبيا من النقاش حول المدى الكامل للأضرار التي لحقت بغزة خلال الحملة العسكرية الإسرائيلية. وفيما كانت أجزاء أخرى من العالم تشهد احتجاجات وجهودا دبلوماسية نشطة لوقف الغارات الجوية الإسرائيلية، كانت بعض سلطات الدولة الهندية تبذل جهودا لتقييد التعبير عن الدعم لفلسطين.

ورد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسرعة في اليوم الذي نفذت فيه "حماس" عملية داخل إسرائيل. وقال: "نشعر بحزن عميق إزاء أنباء الهجمات الإرهابية في إسرائيل. أفكارنا وصلواتنا مع الضحايا الأبرياء وعائلاتهم. نحن نقف مع إسرائيل خلال هذا الوقت العصيب". وفي اتصال هاتفي تلقاه من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول، أعرب مودي عن مشاعر مماثلة.

وخلال مؤتمر صحافي عقد في 12 أكتوبر/تشرين الأول، سُئل المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية، أريندام باغشي، عن موقف الحكومة الهندية بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحركة حماس، فأعطى إجابة دبلوماسية جدا. ولكن حين سئل عما إذا كانت حماس تعتبر منظمة "إرهابية، أشار باغجي إلى أن هذا "أمر قانوني" ويجب توجيهه إلى السلطات المختصة، في إشارة إلى وزارة الداخلية، وإن كان واضحا في وصف عملية "حماس" بأنها "هجوم إرهابي".

الهند في مأزق في الوقت الحالي لتحقيق التوازن بين مصالحها الاستراتيجية في إسرائيل ومصالحها التجارية الواسعة في المنطقة العربية

الهند في مأزق في الوقت الحالي، وقد تستغرق بعض الوقت حتى تتمكن من تجاوز المواقف القديمة المعلنة التي تحاول تحقيق التوازن بين مصالح الهند الاستراتيجية في إسرائيل، والتي تشمل الروابط العسكرية الوثيقة والتعاون في الفضاء والزراعة والأمن الداخلي. ومصالحها التجارية الواسعة في المنطقة العربية.

وقال باغشي: "لقد دعت الهند دائما إلى استئناف المفاوضات المباشرة نحو إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومستقلة وقابلة للحياة، تعيش داخل حدود آمنة ومعترف بها جنبا إلى جنب في سلام مع إسرائيل. وأعتقد أن هذا الموقف يظل كما هو".

ومع تصاعد المشاعر المعادية لإسرائيل في المنطقة العربية، فإن الموقف نفسه قد لا يجدي نفعا بعد الآن، حيث يُنظر إلى إسرائيل على أنها المعتدي، كما يُنظر إلى أفعالها في غزة على أنها همجية وإبادة جماعية، فيما تتعرض الحكومات العربية لضغوط شعبية متزايدة للتحرك ضد إسرائيل. هذا هو الواقع الجديد.

وتدرك الهند أن الحديث بصوت عالٍ عن الأحداث في الشرق الأوسط قد يثير غضب جانب أو آخر. ولكن في الأوساط غير الرسمية، هناك قدر كبير من الدعم لإسرائيل. وكانت هناك معلومات مضللة واسعة النطاق ضد الفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي من الصحافيين والشخصيات البارزة المرتبطة بالنظام البيئي القومي الهندوسي. وفيما يضخم المدافعون الهنود عن الغارات الإسرائيلية تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، فإن العدد الأكبر من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي في هذه اللعبة الشريرة لم يكن ممكنا التحقق منها.

إن شبكات التلفزيون الهندية البارزة، التي تسيطر عليها تكتلات أعمال مؤثرة، لا تردد فقط التصريحات الصادرة عن الجيش الإسرائيلي والدبلوماسيين والسلطات الحكومية، ولكنها تدعو أيضا المعلقين الذين يساهمون في تعزيز العداء تجاه الفلسطينيين. يُظهر صحافيوهم ومذيعو الأخبار افتقارا مثيرا للقلق للحساسية. وتنجح هذه الاستراتيجية بسبب الافتقار إلى الوعي بالشؤون الدولية على نطاق واسع في الهند، كما أن كراهية الإسلام آخذة في الارتفاع.

بالإضافة إلى ذلك، قامت إسرائيل باستثمارات كبيرة على مر السنين في إنشاء شبكات "هاسبارا" داخل وسائل الإعلام الهندية، والمؤسسات التعليمية، وصناعة الترفيه، ومراكز الفكر للتلاعب بالإدراك العام على نطاق واسع.

font change