الانتخابات الإيرانية 2024... انطلاق معركة "المشاركة"

الإصلاحيون ينتظرون قرارات "صيانة الدستور" بشأن المرشحين

GETTY IMAGES
GETTY IMAGES
إيرانية تقترع في انتخابات 2020 بطهران

الانتخابات الإيرانية 2024... انطلاق معركة "المشاركة"

لندن- تحظى انتخابات الدورة الثانية عشرة للبرلمان الإيراني التي ستجري في مطلع مارس/آذار 2024 بتغطية واسعة من الصحافة الإيرانية، ونشرت صحيفة "آرمان إمروز" في عددها الصادر يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني تقريرا بعنوان "أربعة خيارات أمام الإصلاحيين للانتخابات". وأشار التقرير إلى أن "معسكر المحافظين منهمك في التحضير للاصطفافات والائتلافات الانتخابية... غير أن الإصلاحيين، على غرار الانتخابات السابقة، ينتظرون قرارات مجلس صيانة الدستور بشأن تأييد أو عدم تأييد مقدمي الطلبات لخوض الانتخابات، وعلى أساس ذلك يقررون موقفهم من الانتخابات".

AFP
إيرانيان يمران بالقرب من صور لمرشحين في انتخابات 2020 بطهران

ولفت التقرير إلى أن لدى الإصلاحيين أربعة خيارات تكتيكية:

الأول، المقاطعة التي تعتبر من الخيارات المطروحة على طاولة الإصلاحيين في الدورات الانتخابية كلها، غير أنهم لم يتبنوها حتى الآن، ولن يتبنوها في الانتخابات المقبلة.

الثاني، المشاركة بقائمة واحدة، وهذا خيار استخدمه الإصلاحيون في الدورة البرلمانية السادسة (عام 2000) عندما خاضوا المعركة الانتخابية بقائمة واحدة ضمت وجوها بارزة وتمكنت من الحصول على غالبية مقاعد البرلمان السادس. غير أن الإصلاحيين اليوم لن ينجحوا في تكرار هذا السيناريو بسبب الظروف السياسية والاجتماعية القائمة والاحتمال الكبير لإقصاء مرشحيهم من قبل مجلس صيانة الدستور.

الثالث، تحالف المصالح، وهو يبدو الاحتمال الأقرب إلى الواقع بسبب معارضي الإصلاحيين.

أما الرابع، فهو دعم قوائم أخرى، فإذا لم يتفق الإصلاحيون على الخيارات الثلاثة المطروحة فإنهم سيتجهون إلى دعم تيارات قريبة منهم في الانتخابات.

لو كان الإصلاحيون قد قرروا خوض الانتخابات المقبلة بكامل قواهم لتم رفض الشخصيات الإصلاحية البارزة منذ الوهلة الأولى

صحيفة "آرمان إمروز"

ونقلت "آرمان إمروز" عن محلل الشؤون السياسية رسول منتجب نيا قوله: "الإصلاحيون قد لا يقدمون مرشحا بارزا لخوض الانتخابات، وقد لا يدعمون قوائم أو مرشحين آخرين ولكن هذا لا يعني المقاطعة بل إنهم مترددون وينتظرون ليروا هل يؤيد مجلس صيانة الدستور مرشحا إصلاحيا أصلا؟".
وأضاف: "لو كان الإصلاحيون قد قرروا خوض الانتخابات المقبلة بكامل قواهم لتم رفض الشخصيات الإصلاحية البارزة منذ الوهلة الأولى. وبالتالي فإن التيار الإصلاحي ينتظر ليرى كيف يواجه مجلس صيانة الدستور مقدمي الطلبات".
وتساءل محمد مهاجري في مقالة كتبها يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني في صحيفة "اعتماد" بعنوان: "هل نقدم البلاد لأصحاب مشروع التصفية على طبق من ذهب؟"، مضيفا: "هل رفضت الهيئات التنفيذية التابعة لمحافظي المحافظات عددا كبيرا من مقدمي الطلبات لخوض الانتخابات؟ هل يقوم مجلس صيانة الدستور برفض عدد أكبر من مقدمي الطلبات في المرحلة المقبلة؟ ألا ترغب الحكومة في مشاركة واسعة في الانتخابات؟ هل يسعى التيار المهيمن إلى أن يكون البرلمان المقبل منسجما مع حكومة (الرئيس الإيراني إبراهيم) رئيسي؟ هل يسعى هذا التيار الشمولي إلى هندسة الانتخابات بنتيجة يريدها؟ الأجوبة على هذه الأسئلة هي "نعم". بالتالي ما الداعي  للمشاركة في الانتخابات إذن؟".

نيويورك تايمز
رئيسي يتحدث أمام البرلمان الإيراني خلال حفل تنصيبه في 5 أغسطس/ آب 2021

وأضاف: "لا يذهب أي عاقل للإدلاء بصوته في انتخابات يعلم أن نتيجتها محسومة سلفا. لماذا على الأحزاب السياسية المنتقدة للحكومة التي تعلم أنها لن يكون لها أي ممثل في البرلمان القادم بسبب حملة الإقصاءات الإدلاء بصوتها في الانتخابات؟ لماذا علينا أن نضيع وقتنا وسمعتنا؟ هل بقي مجال أصلا للنشاط السياسي والانتخابي بعد نتائج استطلاعات الرأي التي كشفت أن نسبة التصويت والمشاركة ستكون متدنية؟ الإجابة على كل هذه الأسئلة لن تزيدنا إلا يأسا وتدفع النشطاء والمحللين السياسيين إلى ملازمة البيت والعزلة والصمت والانفعال... ماذا بعد؟ هذه الظروف ستكون في مصلحة من؟ يمهد هذا اليأس والصمت والانفعال الطريق لأصحاب مشاريع التصفية من أجل الوصول إلى أهدافهم وتجاهل مطالب غالبية الشعب من دون أية مقاومة... يجب الوقوف في وجه الذين يدعون بكل وقاحة أنهم أصحاب البلاد فقط ويخططون للهيمنة المطلقة على البلاد". 
وقال: "يجب أن نكافح من أجل الانتصار عليهم ومنع محتكري السلطة من هزيمتنا حتى لو كانت نسبة الانتصار عليهم ضئيلة للغاية. يجب أن لا نقدم لهم البلاد على طبق من ذهب... إذا وصلت القوى الفاعلة والنخبة إلى قناعة مفادها عدم الاستسلام بسهولة فعندئذ يمكنها إقناع المواطنين بالمشاركة في الانتخابات...".

الناخبون لا يرغبون في الاقتراع لأسباب عديدة منها غياب الاستقرار الاقتصادي والنظام الديمقراطي وفقدان سياسات حكومية صائبة

صحيفة "اعتماد"

إلى ذلك انتقد رئيس تحرير صحيفة "جوان" المقربة من "الحرس الثوري" غلام رضا صادقيان، مقالة نشرتها صحيفة "اعتماد" بقلم عباس عبدي حول المشاركة الشعبية في الانتخابات. وكان عبدي قد كتب أن "الناخبين لا يرغبون في الاقتراع لأسباب عديدة منها غياب الاستقرار الاقتصادي وغياب نظام ديمقراطي يتكفل بإجراء انتخابات نزيهة وفقدان سياسات حكومية صائبة تشجع الجماهير على المشاركة في الانتخابات". 
وقال صادقيان في رده على عبدي: "هناك أسباب أخرى تجعل من الانتخابات مسارا ذا قيمة ومعنى، غير أن عبدي وبقية الإصلاحيين يتبنون موقفا غير بناء ومتعنت بشأن مصير البلاد والانتخابات". وأضاف: "العملية الانتخابية بحد ذاتها تحظى بأهمية ولو كانت تعاني من نواقص وتحديات. ولا يمكن تبني موقف مقاطعة الانتخابات تحت مزاعم غياب النزاهة. هناك كثير من أصحاب النظرة الراديكالية الذين لا يوافقون النظام غير أنهم يشاركون في الانتخابات لأنهم يعتقدون أن المسار الانتخابي هو الخيار الأفضل لطريق الإصلاح، ولو كان هذا المسار يواجه نقصا ومشاكل".

EPA
إيرانية ترفع شارة النصر خلال مرورها قرب صور لمرشحين إلى انتخابات 2020

وتابع: "يرى محللو التيار الإصلاحي أن المشاركة الواسعة في الانتخابات تؤدي إلى فوز الإصلاحيين مما يمهد للتغيير، وأن مجلس صيانة الدستور عمل على إقصاء المرشحين الإصلاحيين البارزين ليخلق حالة من الفتور في المشاركة مما يؤدي إلى فوز التيار غير الإصلاحي... هنا يجب التذكير بأنه لو كان مجلس صيانة الدستور يتبنى هذه الاستراتيجية لما تسلم الإصلاحيون رئاسات حكومات لمدة 30 عاما بعد قيام الثورة... وإذا كان المقصود أن الشعب فقد ثقته بالإصلاحيين لأنهم لم يتمكنوا من إجراء تغيير، فإن الإصلاحيين الذين كانوا في أركان السلطة بعد قيام الثورة وفي فترة الحرب (بين العراق وإيران) وكانوا في الرئاسة لمدة 30 عاما لم يعد لديهم شيء يذكر".
وختم: "الخلاصة هي أن السيد عبدي يبدو كأنه يستنتج أن الجميع عاجزون وفاسدون وعديمو الجدوى وأن الشعب لم يعد لديه أي خيار. ولكن يجدر بمن يزعم بأنه مصلح اجتماعي وحريص على مصير الشعب أن يحرص على فتح الآفاق وليس بث اليأس والتحذير من الآفاق المسدودة".

السلطة الحاكمة اتخذت خطوة كبيرة باتجاه تصفية كل المنتقدين واحتكار البلاد لصالح أقلية بسيطة من المجتمع

صحيفة "هم ميهن"

من جهتها، نشرت صحيفة "هم ميهن" في 22 نوفمبر/تشرين الثاني افتتاحية بعنوان "ما الحل؟"، أشارت فيها إلى تصريحات الجنرال رسول سنايي راد، مساعد الشؤون السياسية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، حول الانتخابات التشريعية المقبلة، إذ قال إن "العدو يتمنى تدني المشاركة في الانتخابات بسبب الاستياء الشعبي الناتج عن المشاكل الاقتصادية وتقصير بعض المسؤولين. لكننا سنتجاوز هذه المرحلة، والتصويت في الانتخابات سيكون مفعوله كمفعول المقاومة في غزة، والانتخابات رمز من رموز قوتنا... إن قوتنا هي الوحيدة التي ستردع الصهاينة". 
وأضاف: "إذا شعرت الولايات المتحدة والغرب بأننا أقوياء سيقومون بالتفاوض وتقديم الامتيازات، لكن إذا شعرت الولايات المتحدة والغرب بأننا في موقف ضعف فسيلحقون بنا الأذى...".
وقالت الافتتاحية: "تصريحات سنايي راد تمثل تدخل المؤسسات العسكرية في الشؤون السياسية. ولكن إذا تجاوزنا هذه الملاحظة فالحقيقة هي أن هذه التصريحات تؤكد على قوة الشعب في الحفاظ على النظام السياسي. ومسألة سلطة الشعب تم تجاهلها خلال السنوات الأخيرة، وها نحن الآن نرى تجاهل سلطة الشعب من خلال سياسات أصحاب نظرية التصفية والهيئات التنفيذية في رفض كثير من مقدمي طلبات الترشيح للانتخابات. إن نسبة المشاركة في الانتخابات تعكس سلامة المجتمع سياسيا واجتماعيا وغياب الفجوة بين الحكومة والشعب".
وأضافت: "تدني المشاركة في الانتخابات سيكون لها تبعات وخيمة، وهذا ما شهدناه خلال جولتي الانتخابات الماضيتين. ولكن التحذير وحده لا يكفي ولا يحل المشكلة لأن موجة الإقصاءات الواسعة بحق مقدمي طلبات الترشح من قبل الهيئات التنفيذية والسياسات المعروفة لمجلس صيانة الدستور تفيد بأن الوضع لم يتغير بتاتا بل إن السلطة الحاكمة اتخذت خطوة كبيرة باتجاه تصفية كل المنتقدين واحتكار البلاد لصالح أقلية بسيطة من المجتمع".

 AFP
خلال الاحتجاجات التي انطلقت داخل إيران عقب مقتل الفتاة مهسا أميني في سبتمبر 2022

وتابعت "هم ميهن" في افتتاحيتها: "لذا إذا أردنا أن نتمتع بدعم الشعب- وهو أهم عوامل القوة- فلا خيار أمامنا غير القبول بمطالب غالبية الشعب. ومما لا شك فيه أن رغبة الناخبين بالمشاركة في الانتخابات والذهاب إلى صناديق الاقتراع ضئيلة للغاية كما هي نسبة الرغبة الجماهيرية في الاقتراع التي ستواصل الانخفاض أكثر فأكثر كلما اقتربنا من موعد الانتخابات. وبالتالي فإن السلطة الحاكمة ستفقد إحدى دعائمها الرئيسة وهي الدعم الشعبي... الكرة الآن في ملعب السلطة ومجلس صيانة الدستور والبرلمان... إن زيادة الرواتب بنسبة 20 في المئة فيما تبلغ نسبة التضخم 35 في المئة في أقل تقدير لا تحل أي مشكلة... إن إقرار مشروع زيادة سن التقاعد بشكل غير علمي وغيرها من الأمور، منها المواجهة النارية مع النساء والشباب وطلبة الجامعات لا تبشر بزيادة نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات بل تؤدي بالتأكيد إلى فتور في الإقبال الشعبي على الانتخابات".

font change

مقالات ذات صلة