إيران و"حماس"... هل بدأت رحلة الافتراق؟

فك الارتباط بين طهران وسائر الأذرع العسكرية غير الدولتية

AFP
AFP
قوات إسرائيلية على الحدود مع غزة في جنوب إسرائيل في 5 نوفمبر 2023

إيران و"حماس"... هل بدأت رحلة الافتراق؟

في السابع من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم اجتاز المقاتلون الفلسطينيون جدار غزة محققين مفاجأة ميدانية غير مسبوقة، بالرغم من الإجراءات والتدابير الأمنية التي اعتقدت إسرائيل أنها كافية لإفشال أو استيعاب أي محاولة من حركة "حماس" لفك الطوق المزمن عن القطاع.

المفاجأة لم تقتصر مفاعيلها الميدانية على الجانب الإسرائيلي حكومة وقيادات أمنية وعسكرية، بل تلقفها وبكل شغف قطاعات كبيرة في الجمهور العربي والإسلامي بالرغم من الموقف العقائدي من الحركة التي تجاهر بعلاقتها بطهران وأذرعها العسكرية المنتشرة في أكثر من بلد عربي.

هذا الشغف العربي بما يجرى في غزة راهنا بعد حرب مدمرة إسرائيلية انطلق يعكس رأيا عاما ما فتئ متمسكا بحق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه وبناء دولته، وما لبث أن انتقل إلى مواقع القرار العربي كرد على المقترحات الإسرائيلية بنقل سكان غزة إلى صحراء سيناء، بما يعني القفز فوق كل اتفاقات السلام المعقودة وإنهاء عملية السلام برمتها، وعلى همجية الحرب التي شنتها إسرائيل على القطاع، حيث لم تستثنِ المستشفيات والمدارس والأحياء السكنية وأدت إلى سقوط أكثر من عشرة آلاف من المدنيين ثلثهم من الأطفال.

اقرأ أيضا: من هو "ابن الموت" الذي تريد اسرائيل اغتياله؟

يستند الموقف العربي الموحد حيال ما يجري في غزة إلى استياء مزمن من التمرد الإسرائيلي على القرارات الدولية، وأن ما يجري في غزة ليس سوى نتيجة منطقية لاستمرار رفض إسرائيل الالتزام باتفاق أوسلو، مع التأكيد أن البحث في مستقبل غزة غير ممكن قبل إلزام إسرائيل بوقف شامل لإطلاق النار.

في هذا السياق يندرج التباين مع الموقف الأميركي الذي أظهرته اللقاءات المتعددة مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وآخرها الاجتماع في العاصمة الأردنية عمان الذي شارك فيه وزراء خارجية كل من السعودية وقطر والإمارات ومصر والأردن وممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية.

إن استمرار الإصرار الأميركي على التوصل إلى "هدنات إنسانية" ورفض الدعوات العربية لـ"وقف إطلاق النار" دونه مسألتان:

الأولى: العجز الإسرائيلي عن تحقيق انتصار نوعي في الميدان قادر على تغيير ظروف التفاوض.

والثانية: تطور ردود الفعل وحملات الاستنكار المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني التي لن تغامر الحكومات العربية بمواجهتها، مما سيفضي من جهة إلى عودة الموضوع الفلسطيني تدريجيا إلى الحاضنة العربية، ومن جهة أخرى إلى تهديد الاستقرار الاجتماعي في الدول الغربية التي تضم جاليات كبيرة من أصول عربية، حيث لا يجد المواطنون مبررات للاستمرار في دعم إسرائيل، وبما يطرح السؤال حيال القيم التي تقوم عليها الديمقراطية في هذه الجمهوريات.

يستند الموقف العربي الموحد حيال ما يجري في غزة إلى استياء مزمن من التمرد الإسرائيلي على القرارات الدولية

يبدو تطور الموقف الأميركي المواكب للحرب على غزة- كما التسويات المترتبة عليه- محكوما بجملة من الثوابت التي لم تعد الإدارة الأميركية قادرة على تجاوزها:

أولا: اقتناع الولايات المتحدة بأن إسرائيل كيان لا يستطيع الدفاع عن حدوده مهما بلغت قدراته العسكرية، وأن قوة الردع التي طالما اعتبرتها الولايات المتحدة إحدى سمات هذا الكيان قد أصبحت خارج الصلاحية. هذا يفضي إلى أن الرهان على العملية العسكرية لتحرير الأسرى الإسرائيليين أو من جنسيات أخرى هو رهان غير واقعي، وأن التعويل على الدبلوماسية هو الخيار المتبقي. بالإضافة إلى أن نجاح الدبلوماسية في التوصل لوقف دائم لإطلاق النار وإطلاق الرهائن سيحرج بنيامين نتنياهو وسيسقط أي مبرر للاستمرار في العملية العسكرية وسيؤدي إلى عودة الخلافات مع قادة الأجهزة العسكرية والأمنية الذين سبق لنتنياهو أن اتهمهم بالتقصير والمسؤولية عن الفشل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

AFP
متظاهرون إسرائيليون يحملون لافتات ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال مسيرة مناهضة للحكومة في القدس الغربية، في 4 نوفمبر 2023

ثانيا: ضرورة إنقاذ نظام المصالح العربية الأميركية الذي حاولت الولايات المتحدة خلال العام المنصرم استعادته والبناء عليه وتوجته بمشروع طريق الهند نحو أوروبا لمواجهة صعود الصين الاقتصادي وعودة روسيا إلى المنافسة ليس كقوة عسكرية بل أيضا كقوة اقتصادية أثبتت قدرتها على تجاوز العقوبات الأميركية والغربية خلال الحرب الدائرة في أوكرانيا. هذا النظام أصيب بانتكاسة كبيرة نتيجة الحرب على غزة بما يهدد بتعليق الاتفاق الإبراهيمي إلى أجل غير مسمى، وبما يقوض الآمال الأميركية المعقودة على مشروع الشرق الأوسط الجديد وعلى موقع إسرائيل في العالم العربي.

اقرأ أيضا: "مترو غزة"... شريان حياة أم مقبرة المدنيين؟

ثالثا: ثبوت عدم جدوى التقاء المصالح الإيرانية والإسرائيلية في استخدام "حماس" لتكريس واقع انقسامي داخل السلطة الفلسطينية. وهذا ما تجلى بإصرار طهران على التنصل من أي علاقة لها بكل ما جرى في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وبما أضافه أمين عام "حزب الله"، حسن نصرالله، في كلمته الأخيرة، لجهة نفي أي وصاية لطهران على القرارات التي تتخذها الفصائل ومنها "حزب الله".

إن أقل ما يمكن أن يوصف به تصريح نصرالله الذي يختلف عما دأب على المجاهرة به مرارا بأن سلاحه وتمويله وعتاده إنما يأتي من إيران وأن "حزب الله" هو جزء لا يتجزأ من الجمهورية الإسلامية وأن هدفه النهائي جعل لبنان جزءا من هذه الجمهورية، هو عدم الواقعية. وهو يناقض ما سبق لقادة "حماس"، لا سيما خالد مشعل وإسماعيل هنية، أن اعترفوا به مرارا حول صلاتهم الوثيقة بطهران وبالدعم المالي والعسكري الذي تتلقاه الحركة، كما درج القادة في فيلق القدس على تناول حركتي "حماس"، و"الجهاد الإسلامي" كفصيلين في صلب "محور الممانعة".

AFP
مقاتلو حزب الله يقفون بجوار نعش زميلهم قاسم إبراهيم أبو طعام، الذي قُتل في جنوب لبنان بنيران عبر الحدود مع القوات الإسرائيلية، خلال جنازته في إحدى ضواحي بيروت الجنوبية، في 6 نوفمبر، 2023

لا شك أن ما أدلى به نصرالله قد جاء بطلب من طهران، وربما بناء على ضغوط من واشنطن. لقد أفضى الترحيب الإسرائيلي بالدعم الإيراني إلى مزيد من الإمعان في إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية، لكنه لم يحل دون امتلاك "حماس" القدرة على تهديد أمن إسرائيل التي أصبح إخراجها من القطاع هدفا إسرائيليا، حيث انتفت الحاجة إلى الالتزامات الإيرانية بدعمها.

قد تكون واشنطن ومعها العواصم العربية المعنية ملزمة في الأسابيع المقبلة بالتمييز بين حركة "حماس" الموجودة في القطاع التي يخوض جناحها العسكري المعارك في غزة بقيادة محمد الضيف والمنفصلة تماما عن طهران، وبين قادة "حماس" المقيمين في الضاحية الجنوبية تحت مظلة "حزب الله" والذين يشكلون الجناح الإيراني في الحركة بنسختها السابقة.

فهل يعني أن ما صرح به نصرالله حول عدم وجود أي وصاية إيرانية على قرارات فصائل المقاومة هو مقدمة لإعلان فك الارتباط بين طهران وسائر الأذرع العسكرية غير الدولتية بقرار أميركي فرضته حاملات الطائرات الأميركية والحشود العسكرية الغربية في المنطقة؟ وهل بدأت فعلا رحلة الافتراق بين "حماس" وطهران؟

font change

مقالات ذات صلة