عام على خراب تويتر/"أكس"

إيلون ماسك عاث بالتطبيق تلاعبا وتجارب... والعصفور الأزرق طار ولم يعد

Dave Murray
Dave Murray

عام على خراب تويتر/"أكس"

لم يفهم أحد حتى اللحظة ما الذي دفع إيلون ماسك للاستحواذ على تطبيق "تويتر" ("أكس" حاليا) في أكتوبر/تشرين الأول 2022، بصفقة بلغت 44 مليار دولار، ليعيث فيه خرابا بعد ذلك على مدى عام كامل ويفقده أكثر من نصف قيمته، على الرغم من كل الجهود التي بذلها لإنقاذ "العصفور الأزرق" في لحظات وعي استثماري نادرة.

ربما من الأجدى أولا فهم شخصية ماسك، لتفسير التقلبات والتحولات التي مر بها تطبيق "تويتر"، فخلال سنة كان ماسك مالئ وسائل التواصل وشاغل الإعلام، وكانت له صولات وجولات، لا تزال مستمرة، فيما خسر التطبيق سمعته المعنوية والمالية التي بناها خلال العقدين المنصرمين.

في معرض كتابته لسيرة إيلون ماسك الذاتية، لاحظ الرئيس السابق لشبكة "سي. إن. إن." الأميركية والتر إيزاكسون، أن ماسك لا يتعامل مع النجاح بالطريقة التقليدية. فبدلا من الشعور بالرضا الذي يلي تحقيق النجاح، هو يجد حافزا أقوى في مواجهة التحديات، بل ويُظهر نزعة نحو الأزمات، حتى أنه قد يخلقها بنفسه، مثل وضع مواعيد نهائية غير واقعية لإنجاز المشاريع. هذا الأسلوب قد يولد دفعا في الانتاجية، لكنه أيضا يعرض ماسك وفريق عمله للضغوط والتوتر المستمرين.

من الأمور اللافتة في شخصية ماسك، تفكيره المستقبلي وتركيزه على مصلحة الإنسانية، فهو يضع الأهداف الطويلة المدى أولا قبل مصالحه الشخصية. ويمتلك قدرة على فصل المشاعر عن القرارات المهنية، وذلك يفسر إلى حد كبير صلابته في اتخاذ القرارات في شأن "تويتر" بغض النظر عن عدالتها من وجهة نظر كثيرين. ولا شك أن شغفه بالابتكار، واستعداده للمخاطرة تلبية لطموحه، وتحديه للقواعد القائمة، ساهمت كلها في نجاحه الكبير.

أما الكاتب الأميركي بن مزريش، الذي ألف كتابا آخر عن ماسك تحت عنوان "تحطيم تويتر" (Breaking Twitter)، يعادل كتاب إيزاكسون شهرة، فقد لخص قصة ماسك مع "تويتر" في جملة واحدة مقتضبة: "إيلون ماسك حطم تويتر، وتويتر حطم إيلون ماسك". فهل هو مصيب في رأيه هذا؟

تعرض ماسك إلى وابل من الانتقادات خلال مسيرته القصيرة في إدارة شؤون "تويتر" نظرا إلى سلوكه الاعتباطي في التعامل مع مستخدمي التطبيق وموظفيه

من فسحة حرية إلى تطبيق ديكتاتوري؟

عانى "تويتر" منذ انضمامه إلى عائلة استثمارات ماسك، وأبرزها شركتا "تيسلا" و"سبايس أكس"، من "خضات" عديدة نتيجة تقلباته المزاجية وأسلوبه غير التقليدي في الإدارة ومقاربة الأمور، على عكس الصورة التي انطبعت في أذهان كثيرين وأظهرته رجل أعمال ناجحا وعظيما، قاد شركاته واستثماراته الأخرى إلى مستويات مليارية. لكن يبدو أن ماسك أخطأ في تقدير ماهية "تويتر" وأن مسؤولية الإشراف على المحتوى أمر صعب جدا، وكذلك ما يحتاجه تشغيل هذه المنصات في حد ذاتها، وفي سياق الديموقراطيات تحديدا. وهو ما وصفه لورانس ليسيج، أستاذ القانون في جامعة هارفرد، بـ"وجهة نظر ساذجة للغاية" لحرية التعبير.

أبلغ رد فعل على ذلك، كان الضربة الموجعة التي تلقاها التطبيق حين خفض أكبر عشرة معلنين على المنصة إنفاقهم بنسبة 89 في المئة، من 71 مليون دولار إلى 7,6 ملايين دولار خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول من العام المنصرم بعد استحواذ ماسك على المنصة، بحسب تقديرات شركة "سانسور تاور" للأبحاث، فقد كانت كثيرة الأسباب التي تدفع إلى القلق في شأن سلامة العلامة التجارية للمنصة واستقرارها.

كما عكس التطبيق حالة من الإحباط الكبير لدى المستخدمين والمتابعين على حد سواء، بسبب قرارات ماسك المتتالية، التي حجبت أصوات كثيرين وفقا لمعايير جديدة كان قد فرضها، واعتبرت مجحفة وغير منطقية، من حظره للعديد من الصحافيين، إلى طرد مديري المحتوى الساهرين على التعامل مع خطاب الكراهية، والمهندسين والمشرفين، مما أثار سخط موظفيه وصنّاع المحتوى وعشاق التغريد.

ما إن تسلم ماسك دفة القيادة حتى جرد الشركة من أبرز مديريها التنفيذيين، ثم سرح نحو 5000 موظف، أي نحو ثلثي فريق الشركة، خلال الأسابيع التالية، ليتحول هذا الفريق إلى شبه هيكل عظمي موكل بتحقيق رؤية ماسك.

هذا عدا بعض السلوكيات العنصرية التي أبداها، والتغريدات المثيرة للجدال التي أطلقها في مناسبات عدة، مما دفع بالرئيس التنفيذي السابق لـ "تويتر"، جاك دورسي، إلى انتقاده بسبب التغيير السلبي لوجه المنصة والخسائر التي منيت بها على الصعيدين المعنوي والمالي. 

فكيف انقلبت حال "تويتر" من شعبية عارمة وفسحة حرية نموذجية إلى نفور وحكم "ديكتاتوري" بمغريات لا تغني ولا تسمن من جوع؟

2023 عام حافل بكل المقاييس شهد فيها "تويتر" تغيرات كبيرة في الصميم، أكان من الناحية التقنية، وتغييرات الوصول إلى واجهة برمجة التطبيقات (API)، وإلغاء الحظر، وإتاحة العلامة الزرقاء لمن يدفع بعد أن كانت دلالة على إمكان الوثوق بالمعلومات الواردة في الحسابات، وغيرها من التعديلات الفوضوية، أم من الجهة الاستراتيجية التي أدت في النتيجة إلى اندثار التطبيق وتغيير قيادته وظهور منافس له، لتتوج أبرز تحولات التطبيق العريق بتغيير اسمه وهويته المؤسساتية.

يمكن ايجاز المراحل التي مر بها التطبيق بأربع محطات رئيسة حتى الآن:

المحطة الأولى، وداعا "تويتر"

أولى محطات التحول، كانت إعلان ماسك في أبريل/نيسان المنصرم دمجه شركة التواصل الاجتماعي العملاقة مع شركة "أكس كورب" (X Corp) اللتين يملكهما، في توجه إلى تحويل "تويتر" إلى تطبيق "فينتك" الواسع النطاق، أو ما سيعرف بتطبيق "أفريثينغ"، أي "كل شيء"، الذي لا يزال موعودا ولم يعرف مصيره بعد، والذي يعتمد على البيانات القائمة في الدرجة الأولى، طامحا إلى أن يكون أقوى شركة تكنولوجيا مالية على الإطلاق، من قاعدة تحوي أكثر من 250 مليون مستخدم، يضاهي بها تطبيق "وي تشات" الصيني الرائد، صاحب المليار و300 مليون مستخدم في الصين وحدها. ولم يكن شراء "تويتر" في أكتوبر/تشرين الأول المنصرم إلا محفزا لتسريع إنشاء هذا التطبيق، على حد قول ماسك. وكانت تلك الخطوة الأولى نحو اندثار علامة "تويتر" واستبدالها بأخرى، والمعركة الوجودية الأولى التي خاضها التطبيق.

المحطة الثانية: ليندا يكارينو

تعرض ماسك إلى وابل من الانتقادات خلال مسيرته القصيرة في إدارة شؤون "تويتر" نظرا إلى سلوكه الاعتباطي في التعامل مع مستخدمي التطبيق وموظفيه، ليدرك على إثرها أنه على رأس الأسباب التي أدت إلى زعزعة أسس التطبيق، إن لم يكن السبب الأوحد لذلك. فباعتباره أحد أكثر مستخدمي المنصة شهرة ونشاطا حتى قبل أن يستحوذ على الشركة، كانت لدى ماسك تجربة فريدة على "تويتر" تختلف في أسلوبها وبشكل ملحوظ عن المستخدمين العاديين. وكان العديد من التغييرات التي أدخلها على "أكس" مبنيا على انطباعاته الشخصية عن الموقع، وحين قام باستطلاع آراء الملايين من متابعيه للحصول على المشورة في شأن كيفية تشغيله، كان الجواب الأبرز أنه يجب عليه التنحي!

AFP
أيلون ماسك وشعار "X" الجديد

لم يتردد، لجأ ماسك تاليا إلى الاستقالة من منصبه كرئيس تنفيذي لـ "تويتر" محتفظا لنفسه بدور بارز في الشركة كرئيس مجلس إدارة تنفيذي ورئيس قسم التكنولوجيا، وعيّن  مكانه مديرة تنفيذية جديدة في مايو/أيار 2023، هي ليندا يكارينو، الرائدة في حقل الإعلانات، في مهمة إنقاذية لـ "تويتر"، وذلك بعد صرف نحو نصف الموظفين وتراجع العائدات الإعلانية إلى نحو النصف ودعاوى قضائية جلها يتعلق بتعويضات الصرف التعسفي لكثير من موظفي "تويتر"، وآخر هذه الدعاوى تلك التي وجهتها ضد ماسك هيئة الأوراق المالية والبورصة في الولايات المتحدة مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي في محاولة لإجباره على الإدلاء بشهادته في شأن شرائه "تويتر" العام المنصرم واحتمال ارتكاب عمليات احتيال في الأوراق المالية عند شراء أسهم الشركة وانتهاك القوانين الفيديرالية.

"ثريدز" لم يقدم جديدا سوى أنه صار بديلا متاحا للمستخدمين "اللاجئين" من "X"، والفارين من التحولات التي طرأت على سياسات التطبيق والتي لا تزال تثير جدالا واسعا

وراهن ماسك يومذاك على جهود يكارينو، وهي التي عرفت من خلال منصبها السابق كمديرة تنفيذية في "إن. بي. سي. يونيفرسال"، لـ "تحسين العلاقات مع العلامات التجارية"، منها "جنرال موتورز" و"يونايتد إيرلاينز"، وجهات أخرى من مشاهير وشخصيات سياسية وغيرهم من أطراف مؤثرين، عمدوا إلى هجر "تويتر" كمشاركين أو معلنين إلى منصات أخرى بديلة، أبرزها "بلوسكاي" و"ماستودون" و"بوست". إلا أن التطبيق لا يزال حتى الساعة، في تراجع وانحدار، ولم تعد تساوي قيمة الشركة في نظر ماسك نفسه أكثر من 19 مليار دولار، هي عبارة عن أسهم تقتصر على الموظفين ويقدر سعر الواحد منها من قبل الشركة بــ 45 دولارا، أي بانخفاض نسبته 55 في المئة عما كانت عليه قيمة الشركة يوم استحوذ عليها ماسك بــ 44 مليار دولار على أساس مزيج من الديون والاستثمار.

AP
خلال ازالة لافتة تويتر من على مبنى مقره الرئيسي في سان فرانسيسكو، 24 يوليو/تموز 2023.

وقدرت قيمة الشركة السوقية عند اتمام صفقة البيع في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022 بنحو 41 مليار دولار قبل أن يتم وقف التداول في أسهمها. وألمح ماسك إلى رغبته في طرح "أكس" مجددا للاكتتاب العام، لكن الانخفاض الحاد في قيمة الشركة سيجعل ذلك أمرا صعبا حتما.

وكان ماسك قد وضع خطة للاستغناء عن الإعلانات والتحول إلى الاشتراكات المدفوعة، إلا أنه حتى الآن، لم تتمكن الشركة من إقناع أكثر من 1 في المئة من المستخدمين بالاشتراك في خدمتها الشهرية المميزة، وهو ما يوازي أقل من 120 مليون دولار سنويا، وفقا لتقديرات "بلومبيرغ".

وفي حين سجل التطبيق عودة "90 في المئة من أفضل 100 معلن" على حد قول يكارينو، إلا أن ذلك لا يعني عودتهم إلى الإنفاق الإعلاني بالحجم نفسه كما كانوا في الماضي، على الرغم من الانتعاش الذي شهدته سوق الإعلان عبر الإنترنت، والذي عزز الأرباح ربع السنوية الأخيرة لـ "ميتا"، و "ألفابيت".

"حفلة" معاداة السامية

إلا أن الأمور عادت لتتدهور. فما كان ينقص ماسك في آخر السنة الجارية الحافلة سوى اتهامه بمعاداة السامية بعدما أبدى إعجابه بشكل علني عبر منصة "أكس" بمنشور يؤيد نظرية المؤامرة التي تقول إن المجتمعات اليهودية تدفع إلى "الكراهية ضد البيض"، مما أثار حفيظة كثيرين في مقدمهم البيت الأبيض والمفوضية الأوروبية، وعدد من المستثمرين، ودفع ببعض الشركات إلى تعليق إعلاناتها على المنصة، أبرزها "أبل" و"ديزني" و"كومكاست" و "آي. بي. أم." و "وورنر براذرز"  و"باراماونت غلوبال" الشركة الأم لـ"سي. بي. أس. نيوز".

فـ "خطاب الكراهية" على حد تعبيرهم، سواء أجاء على لسان ماسك شخصيا أم أيده فقط، سيكون له الأثر المضاعف عندما يساهم في نشره أغنى رجل في العالم، إذ كان من المحتمل أن يمر المنشور من دون أن يلاحظه أحد لو لم يُعِد ماسك، الذي لديه أكثر من 160 مليون متابع، مشاركة المنشور مع التعليق: "لقد قلت الحقيقة فعلا".

فهل يدفع ماسك ثمن صراحته هذه المرة أو دفاعه عن حرية التعبير للعنصريين ضد اليهود، على الرغم من تصريحه في منشوراته اللاحقة أنه لا يشمل في تعليقه "جميع الجاليات اليهودية"؟ 

لكن ما لبث أن هرع ماسك الى إسرائيل معتذرا، واجتمع برئيسها اسحق هرتزوغ، ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، واتفق على تشغيل خدمة اتصالات "ستارلينك" في غزة، على أن لا تعمل إلا بموافقة وزارة الاتصالات الإسرائيلية. وصرح  أنه ضد معاداة السامية، وضد أي شيء "يروج للكراهية والصراع". 

المحطة الثالثة: طفرة "ثريدز"

في الأسبوع الأول من يوليو/تموز الماضي، استيقظ العالم على تطبيق محادثة جديد مستنسخ من "تويتر"، أطلقه صاحب شركة "ميتا" مارك زوكربيرغ، غريم ماسك، تحت إسم "ثريدز"، كخاصية جديدة لأصحاب حسابات "إنستغرام" الذي تملكه الشركة، وصف بـ "قاتل تويتر" بعيد إطلاقه، لما أثاره من فورة في تدفق المتابعين عليه بعشرات الملايين في وقت قياسي، هدأت بعد أيام مع استقرار عدد مستخدميه عند أقل من 150 مليونا، وهو ليس بالرقم الضئيل مقارنة بـ"تويتر" ("أكس" حاليا) ذي السبعة عشر عاما الذي انخفض عدد مستخدميه اليوميين النشطين من نحو 255 مليونا، إلى نحو 225 مليون مستخدم، منذ تولي ماسك قيادة التطبيق كما ورد على لسان يكارينو خلال مقابلة لها، أي بنسبة 11,6 في المئة. وترجم هذا التراجع انخفاضا في عائدات "تويتر" الإعلانية في الولايات المتحدة بنسبة 59 في المئة مقارنة بالعام السابق (2022) الذي سجل نحو خمسة مليارات دولار وفقا لـ "نيويورك تايمز"، وهو الذي يعتمد في 90 في المئة من عائداته على الإعلانات.

لكن "ثريدز" عمليا، لم يقدم شيئا جديدا سوى أنه أصبح بديلا متاحا للمستخدمين "اللاجئين" من "تويتر"، والفارين من التحولات التي طرأت على سياسات التطبيق والتي تكاد تكون غير منطقية في بعض الأحيان، وهي لا تزال تثير جدالا واسعا. تاليا، شكل ضعف "تويتر" مدخلا جريئا لـ "ميتا" لإطلاق "ثريدز"، ولكن التوقعات في شأن الأخير تبقى متحفظة باعتراف مالكه الذي عاب على ماسك إضاعة فرصة "المليار مستخدم" لتطبيق كان ناجحا بكل المعايير. 

الإرث الكبير الذي خلفه "تويتر" منذ 2006، والقيمة الثمينة التي لا يزال يحتفظ بها، قد يجنبان "x" مزيدا من الانحدارفي المستقبل، بين مد وجزر إرهاصات إيلون ماسك

المحطة الرابعة: وداع العصفور

تلك محطة مفصلية، ودع فيها مستخدمو "تويتر" على مدى نحو عقدين، اسمه وشعاره إلى الأبد، وسكب حبر كثير في وداع العصفور الأزرق المحبوب. 

ففي نهاية شهر يوليو/تموز، وضع ماسك اللبنة الأساسية لتنفيذ خططه المتعلقة بتطبيق "X" باستبداله إسم وشعار "تويتر"، العصفور الأزرق الشهير، بهذا الحرف اللاتيني الجاف، مع ما يعنيه من غموض ومضي نحو المجهول، وعلى الرغم من الترويج للحلة الجديدة المدعومة بالذكاء الاصطناعي و"المرتكزة على التأثيرات الصوتية والفيديو والرسائل والمدفوعات/الخدمات المصرفية" التي اقترنت بالتطبيق الجديد القديم، وبرؤية أعمال شاملة مختلفة، بعد تفكيك ماسك لميزات وسمت "تويتر" خلال السنوات الماضية، مثل نظام التحقق الخاص به ومجموعته الاستشارية للثقة والسلامة، ناهيك بالإشراف على المحتوى وخطاب الكراهية، وكذلك موقع "تويتر" كمنصة مركزية للأخبار، والعلامة الزرقاء التي كانت تبرز المستخدمين ذوي التأثير مثل مسؤول حكومي أو مؤسسة إعلامية أو شخصية عامة، لتصبح علامة فارقة لا معنى ولا قيمة لها تميز من يدفع ثمن اشتراك شهري بثمانية دولارات فقط.

وتحول "تويتر"، الذي كان يوما الموقع الذي غذى الحركات الاجتماعية والسياسية والتظاهرات في العالم، ومنها في دول عربية، وقضايا ذوي البشرة السوداء في الولايات المتحدة، وغيرها، إلى مرتع للمعلومات المضللة والعنف والإرهاب، على حد قول البعض، من بينهم إيان بريمر، وهو خبير بارز في السياسة الخارجية، الذي اعتبر أن مستوى التضليل عن الحرب بين إسرائيل و"حماس"، و"الذي يتم الترويج له خوارزميا" على المنصة "لا يشبه أي شيء صادفته في حياتي المهنية كخبير في العلوم السياسية". وتبدو هذه التحولات طبيعية في ظل تخلي المنصة عن شروط توثيق الحسابات وتدقيق المعلومات. 

ولم يخف رجال أعمال كبار امتعاضهم من تدمير علامة تجارية ناجحة عالميا، وتساؤلهم عن المغزى، متهمين ماسك بعدم فهم الأسس العميقة التي يقوم عليها تطبيق "تويتر"، وتجاهله إرادة المستخدمين وتجربتهم التي عادة ما تحكم قرارات كهذه تسعى الشركة من خلالها إلى تطوير أعمالها، مما قد يعني مزيدا من خسارة المستخدمين والمعلنين والمساهمين.

اللافت أن علامة "أكس" لا تزال تقترن بـ (تويتر سابقا) عند استخدامها في مختلف وسائل الإعلام كتعبير عن مدى تجذر اسم "العصفور الأزرق" وعدم ثبات "X" كعلامة تجارية فارقة بعد.

Dave Murray

مستقبل "أكس"

لا شك أن الإرث الكبير الذي خلفه "تويتر" منذ إطلاقه عام 2006، والقيمة الثمينة التي لا يزال يحتفظ بها "أكس" وإن تراكمت الأخطاء وتأرجح التطبيق بين مد وجزر إرهاصات إيلون ماسك، قد يجنبان التطبيق مزيدا من الانحدار، لما أثبته معظم المستخدمين وفاء له وتقديرا لتميزه، الأمر الذي عبّر عنه زوكربيرغ، مالك "ثريدز"، بقوله إن الحرب مع "تويتر" ستطول.

فإلى اليوم، لم يتمكن أي من التطبيقات المشابهة، بما فيها "ثريدز"، من أن يحل محل الدور المحوري الذي لعبه "تويتر" ذات يوم في النقاش السياسي والاقتصادي والإعلامي العالمي.

font change

مقالات ذات صلة