سجل حافل للجناح اليميني
وعوضا عن تحقيق الهدف المعلن المتمثل في التحقيق في قضايا "معاداة السامية" أو حرية التعبير في الحرم الجامعي، فإن جدول أعمال جلسة الاستماع، كما مثلته النائبة ستيفانيك، بدا خبيثا، خاصة بالنظر إلى سجلها الحافل. إذ واجهت ستيفانيك، خريجة جامعة هارفرد، والتي كانت عضوا سابقا في مجلس إدارة معهد هارفرد للسياسة، التماسا لإقالتها من منصبها، وذلك بسبب نشرها معلومات مضللة عن الانتخابات لصالح ترامب في عام 2021. وزعمت ستيفانيك، التي طُردت من منصبها في مجلس إدارة المؤسسة، أن جامعة هارفرد رضخت لـ "اليسار الواعي" معتبرة عزلها "وسام شرف" تفتخر به.
وتجلّى العرض السياسي بشكل فاضح أكثر في دعوة ستيفانيك إلى الإطاحة برئيسي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفرد في أعقاب استقالة ماغيل، حيث كتبت على موقع "إكس": "سقط واحد، وما زال أمامنا اثنان آخران".
الممثلة الأمريكية كوري بوش (وسط)، ديمقراطية من ولاية ميسوري، تتحدث خلال مؤتمر صحفي مع قادة النقابات ومؤيدي وقف إطلاق النار في غزة خارج مبنى الكابيتول الأميركي في واشنطن العاصمة، 14 ديسمبر، 2023.
ولكن بالإضافة إلى رغبتها الشخصية بالانتقام، تعد قضية ستيفانيك أيضا بمثابة نموذج مصغر لمشكلة أكبر داخل الحزب الجمهوري الذي يتصارع داخليا مع تصاعد التيار المعادي للسامية والمعادي للمهاجرين بين بعض مؤيديه. فعلى مر السنين، تسربت أيديولوجية تعرف باسم "نظرية الاستبدال العظيم" إلى التيار الرئيسي للحزب الجمهوري. وتسرّبت هذه الأيديولوجية، التي كانت تعتبر في السابق هامشية، من خلال عدد من الشخصيات، كان أبرزها تاكر كارلسون، أحد كبار مقدمي البرامج التلفزيونية السابقين.
وتزعم أكثر نسخ نظرية الاستبدال العظيم تطرفا أن اليهود يجلبون المهاجرين السود والملونين إلى الولايات المتحدة ليحلوا محل البيض. وترتبط هذه النظرية بالعنف المعادي للسامية في اليمين الأمريكي، والذي تجلى في العديد من حوادث إطلاق النار الجماعي الأخيرة والتي أعرب مرتكبوها عن توافقهم مع نفس النظرية. وخضعت ستيفانيك للتدقيق نتيجة نشرها لإعلانات حملة لعبت على هذا الوتر في نوفمبر/تشرين الأول الماضي.
وبعبارة أخرى، كان الجمهوريون - وعلى رأسهم ستيفانيك - حريصين على إعادة توجيه هذه المحادثة حول معاداة السامية بحيث تصبح قضية تخص اليسارأيضا، وليس اليمين فقط. وكانت تلك لحظة مناسبة.
استخدام "معاداة السامية" كسلاح
كان استخدام "معاداة السامية" كسلاح، وخلطها مع معاداة الصهيونية، بمثابة استراتيجية استخدمتها الحكومة الإسرائيلية لمدة نصف قرن على الأقل، إلا أن هذه الاستراتيجية عُززت بشكل أكبر خلال فترة إدارة دونالد ترامب. ففي عام 2019، أصدر ترامب، الذي كان رئيسا آنذاك، أمرا تنفيذيا يأمر مكتب الحقوق المدنية التابع لوزارة التعليم بالرجوع إلى تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة اليهودية لمعاداة السامية عند تقييم الشكاوى بموجب الباب السادس من قانون الحقوق المدنية لعام 1964، والذي يخلط عمدا بين انتقاد سياسات دولة إسرائيل والعنصرية ضد الشعب اليهودي.
وقال مات بيركمان، الأستاذ المساعد للدراسات اليهودية في كلية أوبرلين، لـ"المجلة": "قبل تبني تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة، رفض مكتب الحقوق المدنية جميع هذه الشكاوى على أساس أن إسرائيل والصهيونية كانتا قضيتين سياسيتين لا مسألتين تتعلقان بالهوية اليهودية".
وأضاف بيركمان أنه من خلال تعريف معاداة السامية بشكل يحتوي على تعبيرات محدّدة معادية للصهيونية، فإن تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة اليهودية يهدف إلى تحدّي التفسير السابق لمكتب الحقوق المدنية وتعزيز فرص نجاح الشكاوى المقدّمة بموجب الباب السادس من قبل مجموعات القانون المؤيدة لإسرائيل.
وعلى الرغم من أن مكتب الحقوق المدنية لم يصدر بعد حكما بناء على أحكام معاداة الصهيونية الواردة في تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة، إلا أن العديد من الشكاوى، التي قدمت قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، لا تزال قيد المراجعة.
وفي الأسابيع الأخيرة، قام العديد من الجامعات، بما في ذلك جامعة برانديز، وكولومبيا، وروتغرز، وجورج واشنطن، بحظر فرعي "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" و/أو "الصوت اليهودي من أجل السلام،" وهما ناديان طلابيان مناهضان للصهيونية. وقال بيركمان إنه على الرغم من تنوع الأسباب المحددة للحظر، إلا أن تلك الجامعات تصرفت غالبا "بشكل استباقي لتجنب التعرض للشكاوى بموجب المادة السادسة".
ولا تبشر هذه التوجهات بالخير على صعيد حرية التعبير في الجامعات وقمع الخطاب المؤيد للفلسطينيين في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن استراتيجية الرئيس بايدن لا تتبنى أو تحتضن تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة بشكل حصري. فعلى الرغم من أنه لم يلغ الأمر، إلا أن البيت الأبيض ذكر تعريفات أخرى، مثل وثيقة نيكسوس، إلى جانب تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة.
وتعدالولايات المتحدة أسهل من بعض الدول الأخرى في ما يتعلق بهذه القضية، ولا سيما ألمانيا، التي تشتهر برقابتها الصارمة على التعبير عن الحقوق الفلسطينية، والتي اشتدت بشكل خاص في حملتها القمعية بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول. ولكن بينما حاول اليمين، على عكس إدارة بايدن الليبرالية، الاستفادة بشكل أكبر من الاحتجاجات الجامعية من خلال استخدام معاداة السامية كسلاح، فإن الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل يعتبر قضية مشتركة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي يناصرها السياسيون الأميركيون منذ عقود.