"محور فيلادلفي"... بؤرة توتر بين مصر وإسرائيل

وراء رفض مصر لتجديد إسرائيل سيطرتها على محور "فيلادلفي"، تكمن اعتبارات سياسية وأمنية

AP
AP
أطفال فلسطينيون نزحوا مع أسرهم إلى جنوب قطاع غزة ينظرون إلى جنديين مصريين عبر السياج الحدودي

"محور فيلادلفي"... بؤرة توتر بين مصر وإسرائيل

من المرجح أن تستمر مصر في التمسك برفضها استيلاء إسرائيل على محور أو ممر "فيلادلفي"، وفي عمق الموقف المصري جملة من الاعتبارات الأمنية والجيوستراتيجية والسياسية ذات الأهمية القصوى للقاهرة.

بدأ الإشراف المصري على الممر، وهو امتداد يبلغ طوله 14 كيلومترا بين قطاع غزة وسيناء، على الحدود الشمالية الشرقية لمصر، في أعقاب انسحاب إسرائيل الأحادي الجانب من غزة عام 2005. وفي أعقاب فك الارتباط هذا، أقامت تل أبيب والقاهرة اتفاقا يمنح مصر سلطة الإشراف على هذه المنطقة الحدودية الضيقة.

سمح هذا الاتفاق، الذي أطلق عليه اسم "اتفاق فيلادلفي"، لمصر بوضع 750 فردا من حرس الحدود على جانبها من حدود غزة، مع التركيز على الممر. وكان أحد الجوانب الحاسمة في هذا الاتفاق هو إصرار إسرائيل على بند يضمن أن الاتفاق لا يغير شروط معاهدة السلام مع مصر عام 1979، والتي تتطلب إنشاء منطقة منزوعة السلاح في سيناء.

وقد حصر الاتفاق الدور الأساسي لحرس الحدود المصري البالغ عددهم 750 فردا في ردع الإرهاب ومنع المعابر غير الشرعية، وليس أداء أي مهام عسكرية. علاوة على ذلك، عهد الاتفاق إلى السلطة الفلسطينية بإدارة الممر، وبالتالي حدود غزة مع مصر على الجانب الفلسطيني. غير أن إدارة هذا الجزء من حدود غزة مع مصر انتقلت إلى "حماس" بعد أن اجتاح هذا الفصيل الإسلامي غزة عام 2007.

كانت إسرائيل قد اقترحت في وقت سابق نشر أفراد أمن على الجانب المصري من الحدود مع غزة للقيام بدوريات مشتركة مع مصر، ولكن مصر رفضت قائلة إن هذا الاقتراح ينتهك سيادتها

انفتاح على التساؤلات

ويبرز الممر الآن كقضية خلافية في العلاقات بين مصر وإسرائيل، حيث تتحرك الأخيرة لتنفيذ المرحلة الجديدة من عمليتها العسكرية في غزة، وهي السيطرة على الحدود الجنوبية للأراضي الفلسطينية مع مصر.

وفي 11 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام لجنة في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) إن بلاده ستسيطر على ممر فيلادلفي. وقال إن إسرائيل ستفرض منطقة عازلة داخل قطاع غزة.

وفي 13 يناير/كانون الثاني، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي للصحافيين إن إسرائيل لن تنهي الحرب على غزة دون إغلاق الحدود الجنوبية للأراضي الفلسطينية مع مصر، ووصف هذه الحدود بأنها "ثغرة".

وأضاف: "سوف نقوم بتجريد غزة من السلاح، ولكن بعد ذلك سيدخل عناصر آخرون وتجهيزات عسكرية أخرى ومعدات قاتلة أخرى من خلال هذه الثغرة، لذلك من الواضح أنه ينبغي علينا أن نغلقها".

وتعتقد إسرائيل أن أي انتصار عسكري في غزة لن يكون مكتملا دون السيطرة على هذا الممر، حيث تعتبر المنطقة مركزا لتهريب الأسلحة لـ"حماس".

وكانت إسرائيل قد اقترحت في وقت سابق نشر أفراد أمن على الجانب المصري من الحدود مع غزة للقيام بدوريات مشتركة مع مصر، ولكن مصر رفضت قائلة إن هذا الاقتراح ينتهك سيادتها.

الحصار الإسرائيلي على غزة أعطى لمصر نفوذا على القطاع الساحلي وعلى حركة "حماس" التي تحكمه وسمح هذا النفوذ للقاهرة بلعب دور الوسيط المؤثر

فصل غزة

ومن المرجح أن تستمر الحكومة المصرية في رفض المقترحات الإسرائيلية للسيطرة على الممر من جانب غزة، حتى وإن فتح هذا الرفض الباب أمام كل الاحتمالات في المستقبل، لا سيما مع إصرار إسرائيل على السيطرة الكاملة على حدود غزة مع سيناء.

ومن خلال تأسيس وجود دائم في الممر، ستقوم إسرائيل بفصل غزة عن مصر. ولكن فصل هذه الأرض الفلسطينية عن مصر سيشكل تغييرا جغرافيا كبيرا ستكون له آثار أمنية وسياسية وجيوستراتيجية كبيرة على مصر.

لسنوات عديدة خلت، وخصوصا بعد أن فرضت إسرائيل حصارا شاملا على غزة، اكتسبت مصر جزءا من أهميتها السياسية وثقلها الإقليمي بسبب ارتباطها بغزة، كونها المنفذ الوظيفي الوحيد للأراضي الفلسطينية إلى العالم الخارجي.

AFP
شاحنة تحمل مساعدات إنسانية مقدمة من جمعية الهلال الأحمر المصري تمر أمام جنود إسرائيليين على الجانب الإسرائيلي من معبر كرم أبو سالم الحدودي مع جنوب قطاع غزة

تغلق إسرائيل نقاط العبور الأربعة مع غزة منذ عام 2007 كجزء من حصارها الشامل على القطاع الساحلي، على خلفية سيطرة "حماس".

وهناك معبران آخران على الحدود بين سيناء وغزة، أحدهما لمرور الأفراد من وإلى الأراضي الفلسطينية، وهو معبر رفح، وآخر لمرور البضائع، بما في ذلك المواد الغذائية والإمدادات الأساسية من مصر، وهو معبر كرم أبو سالم.

إن هذا الحصار الإسرائيلي على غزة أعطى لمصر نفوذا على القطاع الساحلي وعلى حركة "حماس" التي تحكمه. وسمح هذا النفوذ للقاهرة بلعب دور الوسيط المؤثر بين الفصائل العاملة في غزة، بما في ذلك "حماس" من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى. كما سمح لها بالتوسط بين فصائل غزة وفصائل أخرى ناشطة في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك حركة "فتح" الحاكمة.

تركز الحرب المحتدمة الآن في غزة وبشكل حاد على النفوذ المصري في غزة. فمصر هي نقطة الدخول الوحيدة للبضائع إلى الأراضي التي مزقتها الحرب. كما أنها نقطة الخروج الوحيدة لأهلها ولآلاف الأجانب الذين حوصروا فيها بعد اندلاع الحرب.

وفي الواقع، دفع هذا الأمر المسؤولين الأجانب إلى الاندفاع واحدا تلو الآخر إلى القاهرة بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل لطلب المساعدة في إخراج مواطنيهم من غزة هربا من الجحيم الذي حولت إسرائيل الأراضي الفلسطينية إليه.

وقد قال محمد العرابي، وزير الخارجية المصري الأسبق، لـ"المجلة" إن "مصر تتعامل مع كافة الأطراف بطريقة متوازنة، وتضع مصلحة الشعب الفلسطيني في مقدمة أولوياتها"؛ مضيفا: "هذه سياسة مصرية واضحة على مر السنين".

بعض المراقبين المصريين يعربون عن مخاوفهم من أن تؤدي الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في غزة إلى ظهور موجة جديدة من الأصولية الدينية

انعدام الثقة

وبحسب ما ورد، فقد أبلغت إسرائيل مصر بخططها للسيطرة على الممر. لكن القاهرة رفضت تلك الخطة الإسرائيلية، مؤكدة سيطرتها على المنطقة.

ويعود الرفض المصري أيضا إلى انعدام الثقة بين الجانبين. ويذكر أنه في العقد الماضي، استثمرت مصر بكثافة في أمن سيناء ماليا وبشريا.

إن قتال مصر ضد فرع تنظيم "داعش" في سيناء، الذي عمل على تأسيس إمارة إسلامية في الجزء الشمالي من سيناء، كلفها الكثير من الأرواح والأموال.

وكان بعض المسلحين الذين يقاتلون في صفوف تنظيم "داعش" في سيناء قد تسللوا إلى الأراضي المصرية من غزة عبر شبكة ضخمة من أنفاق التهريب على الحدود بين سيناء وقطاع غزة.

وتعتبر غزة معقلا إسلاميا إلى حد ما، وتحتوي على تعامل معقد مع الحركات الإسلامية، التي يدعم بعضها "داعش"، بما في ذلك الحركات الجهادية السلفية.

وينظر مقاتلو هذه الحركات إلى الجيش المصري على أنه عدو صريح. وكذلك لا تتمتع علاقات مصر مع "حماس" نفسها بدرجة عالية من الاستقرار، حيث يعتبر بعض الأشخاص في دوائر صنع القرار في القاهرة حركة "حماس" الفلسطينية فرعا أيديولوجيا لجماعة "الإخوان المسلمين"، الحركة الإسلامية التي تولت حكم مصر عام 2012، قبل أن تطيح بها انتفاضة شعبية تلاها دعم من الجيش المصري بعد عام.

AFP
جنود مصريون أثناء دورية على طريق موازي لممر فيلادلفي

وفي العقد الماضي، دمرت مصر العشرات من أنفاق التهريب بين سيناء وغزة، بشتى الطرق بما في ذلك إغراق تلك الأنفاق. وتعاونت مصر وإسرائيل في مكافحة التشدد بسيناء، خاصة على المستوى الاستخباراتي. كما وافقت إسرائيل على الطلبات المصرية بزيادة انتشار القوات والمعدات العسكرية في بعض أجزاء سيناء، ما أدخل بعض التعديلات على معاهدة السلام بينهما والتي تحد من وجود القوات المصرية في هذه الأراضي الواقعة شمال شرقي مصر.

ومع ذلك، فإن بعض المراقبين المصريين يعربون عن مخاوفهم من أن تؤدي الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في غزة إلى ظهور موجة جديدة من الأصولية الدينية. وقال سامح عيد، الخبير المستقل في الشؤون الإسلامية، لـ"المجلة": "هذا يشكل خطرا على الأمن في سيناء". وأضاف أن "هذه الموجة ستؤدي إلى هجمات إرهابية في كل مكان، بما في ذلك في الدول الغربية".

قد تختار إسرائيل أيضا تجاهل تحذيرات القاهرة من تغيير وضع محور فيلادلفيا وفرض وجودها العسكري في المنطقة، الأمر الذي قد يتسبب في انهيار معاهدة السلام مع مصر

كل شيء ممكن

الحرب في غزة ما زالت مستمرة دون تحقيق أي إنجاز عسكري إسرائيلي كبير. كما أن "حماس" أبعد ما تكون عن الضعف، ناهيك عن الهزيمة. ويواصل الفصيل الحاكم في غزة والفصائل الأخرى المتحالفة معه إطلاق الهجمات الصاروخية على المدن الإسرائيلية، حتى من شمال ووسط غزة، وهي المناطق نفسها التي يقول الجيش الإسرائيلي إنه سيطر عليها بالفعل.

إن الخسائر البشرية والمادية التي ألحقتها الحرب بغزة كارثية، بل وفاضحة، ما يثبت صحة وجهة النظر القائلة بأن إسرائيل تقاتل المدنيين، وليس "حماس".

وقد تشجع هذه الإخفاقات الحكومة الإسرائيلية على ممارسة لعبة تبادل اللوم مع مصر، خصوصا من خلال اتهام مصر بالفشل في إحكام السيطرة على حدودها مع غزة وغض الطرف عن تدفق الأسلحة التي تنتهي في أيدي مقاتلي "حماس".

كما قد تختار إسرائيل أيضا تجاهل تحذيرات القاهرة من تغيير وضع محور فيلادلفيا وفرض وجودها العسكري في المنطقة. الأمر الذي قد يتسبب في انهيار معاهدة السلام مع مصر، ما يمنح الجيش المصري عذرا كافيا لزيادة وجود قواته في جميع أنحاء سيناء.

font change

مقالات ذات صلة