فالتضخم آخذ بالارتفاع، وكذلك عجز الموازنة ونقص الاحتياط من العملات وتدني قيمة الجنيه الى مستويات جديدة، وثمة عدم وضوح في الرؤية المستقبلية للاقتصاد، في ظل عدم تلبية متطلبات المستوردين، وبات شبح البطالة يلوح في الأفق، بعد تغيير وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية الى مصر من "مستقرة" إلى "سلبية" في ظل وجود سعرين لصرف الدولار، هذا عدا عن ارتفاع حجم القروض الخارجية إلى 165 مليار دولار، مع زيادة فوائد الديون الخارجية المستحقة خلال عام 2024، والتي باتت تضغط وسط شح الدولار، واتجاه الحكومة المستمر إلى الاقتراض كوسيلة من وسائل التمويل.
في انتظار مآل الدولار، واجهة أحد محلات االصيرفة في القاهرة
يتزامن ذلك كله مع الارتفاعات المتلاحقة في سعر الدولار في السوق الموازية عقب اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، من 40 إلى 57 جنيها، ووسط سعي الحكومة إلى مد آجال تسديد فوائد الديون خلال السنوات المقبلة، واستبعاد مصرف "جاي. بي. مورغان" الأميركي مصر من مؤشر السندات الحكومية للأسواق الناشئة، على خلفية مشكلات تتعلق بقابلية تحويل النقد الأجنبي إلى المستثمرين خارج البلاد، على أن يسري قرار الاستبعاد بدءاً من 31 يناير/كانون الثاني، أي بعد مرور سنتين على انضمام مصر إلى المؤشر.
كذلك، تتعرض البلاد إلى مزيد من الضغوط جراء انخفاض تحويلات المصريين العاملين في الخارج، وباتت نسبة لا يستهان بها خارج منظومة الجهاز المصرفي، فيما يحتفظ بعضهم بجزء من مدخراتهم في الخارج، عند انخفاض سعر العملة بفارق كبير عن قيمتها في السوق السوداء، وارتفاع معدل التضخم. وتاليا، تبحث الحكومة المصرية عن بدائل، مثل الشركة الجاري تأسيسها لتصدير العقار المصري، أي بيعه إلى مستثمرين أجانب، والتدقيق في أعداد اللاجئين إلى مصر ومنحهم الإقامة لمدة خمس سنوات في مقابل أن يسددوا رسومها بالدولار.
وهناك مساعٍ حثيثة ومفاوضات جارية في مصر مع مسؤولي صندوق النقد الدولي لتسلم الشريحتين التي كان يفترض حصول القاهرة عليهما بقيمة 700 مليون دولار، وتأخر ذلك لعدم تنفيذ الحكومة مطالب الصندوق بضرورة رفع الدعم بشكل تام عن المنتجات البترولية وكثير من المواد الغذائية، وخروج الحكومة من النشاط الاقتصادي وطرح شركات للخصخصة. لكن هناك مخاوف سياسية من تأثير هكذا إجراءات سلباً على المصريين، في ظل ارتفاع معدل التضخم الذي تجاوز في الشهور الماضية 40 في المئة وانخفض إلى 33,7 في المئة في ديسمبر/كانون الأول 2023 على الرغم من عدم انخفاض الأسعار التي ترتفع بصورة شبه يومية، ناهيك عن المخاوف من إحداث قلاقل اجتماعية في حال تعويم الجنيه المصري.
أزمة قناة السويس
وأدت التطورات العسكرية في البحر الأحمر الى تحويل الملاحة التجارية بعيداً من قناة السويس إلى زيادة الضغط على الاقتصاد المصري، لتصبح الحاجة أكبر إلى إجراءات إصلاحية والحصول على مساعدات من الخارج. وانخفضت الموارد الرئيسة للعملة الأجنبية بنسبة كبيرة بسبب تراجع السياحة نتيجة الاضطرابات الإقليمية، كما تراجعت تحويلات العاملين في الخارج بنسبة 30,8 في المئة في العام المالي 2022-2023 لتصل إلى 22,1 مليار دولار، في مقابل 31,9 مليار دولار العام المالي السابق، وفق بيانات المصرف المركزي ووزارة التخطيط. واستغل التجار الأزمة فرفعوا الأسعار تبعا لارتفاع تكلفة البضائع نتيجة إبحار السفن عبر طريق رأس الرجاء الصالح.
وإذا ما استمر انخفاض إيرادات السويس، فقد يمثل انتكاسة كبيرة للاقتصاد كونها مصدر مباشر لإيرادات النقد الأجنبي للحكومة. يذكر أن دخل قناة السويس عام 2023 بلغ نحو 10,1 مليارات دولار.
ويؤكد خبراء اقتصاديون أن ارتفاع حصيلة السياحة الأجنبية الى مصر إلى أكثر من 13 مليار دولار قبل أزمة غزة، لم يكن مفيداً جداً، إذ أن جزءاً من حصيلتها يتسرب إلى الخارج، ذلك أن بعض شركات السياحة تحتفظ بجزء من المكاسب في حساباتها في الخارج، وثمة تردد في الاستثمارات العربية والأجنبية المباشرة في الوقت الراهن لضخ الأموال في السوق المصرية. ووجه عدد من الاقتصاديين اللوم إلى حكومة البلاد لتوسعها في مشاريع ضخمة للبنية التحتية، في وقت لم تكثف جهودها للمشاريع الصناعية والزراعية.