بايدن... لإحياء خطط قديمة

كثيرا ما أعرب عن رغبته في إنهاء "حروب أميركا الأبدية" في المنطقة

بايدن... لإحياء خطط قديمة

قد تكون الأزمة الأخيرة في غزة سببا في إجبار الرئيس الأميركي جو بايدن على إعادة النظر في نواياه بشأن سحب القوات الأميركية من سوريا والعراق. ومع ذلك، فإن احتمال قيامه بتنفيذ خطط الانسحاب هذه يظل مرتفعا إذا نجح في تأمين ولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

في بداية العام، بدت إدارة بايدن حازمة في رغبتها تخفيض وجودها العسكري في الشرق الأوسط من خلال تقليص قواتها المتمركزة في كل من العراق وسوريا. وكان أحد الإجراءات الرئاسية الأولية التي اتخذها بايدن بعد جلوسه في المكتب البيضاوي هو إنهاء المهمة القتالية الأميركية في العراق بحلول نهاية عام 2021، ونقل القوات الأميركية المتبقية إلى أدوار استشارية ودعم. وهذا ما تم، فقد انتهت المهمة القتالية الأميركية رسميا في 9 ديسمبر/كانون الأول 2021، مع بقاء 2500 جندي أميركي فقط في البلاد.

لا ينبغي استبعاد احتمال أن تخفض واشنطن بالفعل قواتها بشكل كبير في العراق وسوريا

وكان تصميم بايدن على إنهاء التدخل العسكري لواشنطن في العراق جليا مرة أخرى في يناير/كانون الثاني، عندما عقد المسؤولون الأميركيون الجولة الأولى من المحادثات مع الحكومة العراقية لمناقشة مستقبل القوات الأميركية والقوات المتحالفة الأخرى المتمركزة في البلاد. بل كانت هناك مداولات داخل إدارة بايدن حول سحب 900 جندي أميركي من سوريا، مكلفين بمراقبة الأنشطة المسلحة الإيرانية وتأمين الآلاف من مقاتلي "داعش" المحتجزين بعد سقوط الرقة.
ومع ذلك، تعطلت استراتيجية انسحاب بايدن في أعقاب هجوم شنته ميليشيا مدعومة من إيران على قاعدة عسكرية أميركية شمالي الأردن أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، مما أدى إلى مقتل ثلاثة عسكريين وإصابة الكثيرين. ودفع هذا الحادث الولايات المتحدة إلى شن ضربات انتقامية ضد الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا، واضطر البيت الأبيض لتعليق خططه للانسحاب مؤقتا، على الأقل.
ومع ذلك، لا ينبغي استبعاد احتمال أن تخفض واشنطن بالفعل قواتها بشكل كبير في العراق وسوريا إذا نجح بايدن في حملته للفوز بإعادة انتخابه لولاية ثانية كرئيس.

أحد العوامل الحاسمة التي ستؤثر على الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط هو حل أزمة غزة

وبالفعل، كثيرا ما أعرب بايدن في الماضي عن رغبته في إنهاء "حروب أميركا الأبدية" في الشرق الأوسط، ولا غرابة في أنه سوف يميل بشدة إلى المضي قدما في تحقيق هدفه إذا فاز بإعادة انتخابه. ومع ذلك، فإن جدوى المزيد من الانسحابات العسكرية الأميركية خلال إدارة بايدن الثانية ستتوقف إلى حد كبير على عوامل حاسمة متعددة ستكون لها آثار كبيرة على استقرار المنطقة.
أحد العوامل الحاسمة التي ستؤثر على الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط هو حل أزمة غزة وتأثيرها على الاستقرار الإقليمي، لا سيما فيما يتعلق بأنشطة الفصائل المدعومة من إيران مثل المتمردين الحوثيين في اليمن، والمعروفين بسعيهم لتعطيل التجارة العالمية. فما دامت هذه الميليشيات مستمرة في نشاطها، ستجد الولايات المتحدة أنه من الضروري الحفاظ على وجودها العسكري في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك العراق وسوريا، لإدارة وتحييد التهديدات لكل من الولايات المتحدة وحلفائها.
وستتأثر مدة بقاء الانتشار العسكري الأميركي في دول مثل العراق وسوريا أيضا بنجاح الاستراتيجية الأوسع لإدارة بايدن لإعادة تشكيل علاقات أميركا داخل المنطقة. ويشمل ذلك تحقيق أهداف محورية مثل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة، وتشجيع المملكة العربية السعودية على تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.
فإذا نجحت واشنطن في إحياء تحالفها الطويل الأمد مع المملكة العربية السعودية، وهي إحدى القوى العسكرية الكبرى في المنطقة، فقد تتمكن الولايات المتحدة من تقليص التزاماتها العسكرية في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط.
وفي حين أن مثل هذه الاستراتيجية تحمل مخاطر كامنة، لا سيما مساعي إيران المستمرة للقضاء على النفوذ الأميركي في المنطقة، فإنها تمثل مقامرة قد يكون بايدن على استعداد لخوضها كجزء من هدفه الأوسع لإنهاء "الحروب الأبدية" في الشرق الأوسط.

font change