قبل حوالي عقد من الزمن، وبينما كنت في زيارة لإحدى السفارات في إسرائيل، لإطلاع بعض الدبلوماسيين على الوضع الأمني في الشرق الأوسط، وجّه أحدهم إليّ، أنا وزميلي، سؤالا بدا لنا في حينه بالغ الغرابة: ماذا عن الحوثيين؟ هل يُحتمل أن يشكّلوا تهديدا لإسرائيل؟ باغتنا السؤال لوهلة، رغم أن الجماعة كانت قد هدّدت بالفعل بشنّ هجمات على إسرائيل- وهو أمر غير مستغرب، نظرا إلى أن شعارها هو: "الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود"- غير أن تلك التهديدات، بدت في ذلك الوقت، مجرد تبجّح صاخب من جماعة معزولة، تقاتل في حرب بعيدة جنوبي الجزيرة العربية.
لكن الأمور تغيّرت كثيرا. في يوم الأحد الموافق 4 مايو/أيار 2025، أطلقت الجماعة اليمنية، المدعومة من إيران صاروخا باليستيا بعيد المدى، سقط في محيط مطار بن غوريون الدولي الإسرائيلي قرب تل أبيب، مسببا انفجارا، وأدى إلى إطلاق صفارات الإنذار في أنحاء وسط إسرائيل. وقد مثّلت هذه الحادثة، لحظة فارقة في مسار التصعيد بين الحوثيين وإسرائيل، وأفضت إلى تعليق مؤقت لرحلات عدد من شركات الطيران الدولية. ورغم أن الصاروخ لم يصب أي طائرة بشكل مباشر، وأدى فقط إلى أضرار مادية طفيفة، وإصابة عدد محدود من الأشخاص، فإن مجرد وصوله إلى حرم المطار الرئيس في إسرائيل يُعد مكسبا رمزيا بالغ الدلالة للحوثيين. وردا على ذلك، شنت إسرائيل سلسلة غارات استهدفت ميناء الحديدة، ومطار صنعاء الدولي، وتعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لاحقا بتصعيد الرد الإسرائيلي.
وللتوضيح، لم تكن هذه أول محاولة حوثية لضرب مطار بن غوريون، إذ سبق للجماعة أن زعمت في مناسبات عدة أنها استهدفته. ففي مارس/آذار الماضي، أعلنت أنها نفذت ثلاث هجمات منفصلة ضد المطار، وتباهت بأن أحد الصواريخ أصابه بالفعل. أما في الرابع من مايو، فقد نجح الصاروخ بالفعل في اختراق المجال المحيط بالمطار، مسببا أضرارا محدودة بشرية ومادية، لكنه أربك حركة الملاحة الجوية في البلاد.
ورصدت أنظمة الإنذار المبكر الإسرائيلية الصاروخ أثناء اقترابه، وتم إطلاق صاروخي اعتراض: أحدهما من منظومة "آرو" (Arrow) الإسرائيلية، والآخر من منظومة "ثاد" (THAAD) الأميركية المنتشرة في إسرائيل، وهي نظام دفاعي مخصص، لاعتراض الصواريخ الباليستية على ارتفاعات شاهقة. لكن كلا النظامين فشلا في اعتراض الصاروخ.
وهذه هي المرة الثالثة التي تخفق فيها الدفاعات الجوية الإسرائيلية، رغم دعم بطاريات "ثاد" الأميركية، في التصدي لصاروخ أُطلق من اليمن، من بين عشرات المحاولات الأخرى. وعلى الرغم من أن السجل العام يشير إلى فعالية عالية في التنسيق الدفاعي بين إسرائيل والولايات المتحدة، فإن هذه المنظومات لا تزال عاجزة عن توفير حماية كاملة، خصوصا ضد الهجمات التي تطال منشآت استراتيجية كمطار بن غوريون، والتي تخلّف آثارا رمزية وعملياتية تتجاوز حجم الخسائر المادية.
ولا تزال التحقيقات جارية لتحديد أسباب الإخفاق. ويبدو أن الحوثيين يعكفون على اختبار معايير مختلفة، لتحسين فرص إصابة أهدافهم داخل إسرائيل بأكبر تأثير ممكن. وقد أشار مسؤولون إسرائيليون إلى أن الحوثيين زعموا عقب الهجوم أنهم استخدموا صاروخا جديدا، لكن التقديرات الإسرائيلية ترجّح أنه من الطراز نفسه الذي سبق وأن تم اعتراضه. ومن بين الفرضيات المطروحة أن جزءا من الصاروخ ربما أُصيب، بينما لم تُصب الرأس الحربية المتفجّرة، ما أدى إلى سقوطه وانفجاره داخل محيط المطار.