يعيش الشرق الأوسط في مرحلة مفصلية من التحول الاجتماعي والثقافي، من شأنها أن ترسم ملامح مستقبل المنطقة لجيل كامل. ومع أن هذه التحولات لا تسير على نسق واحد وبوتيرة واحدة في جميع دول المنطقة، فإنها بمجموعها تمهد الطريق نحو عقد اجتماعي جديد، حيث تعيد المجتمعات تشكيل ذاتها وتتكيف مع المتغيرات السياسية والاقتصادية الجارية.
لقد ارتبطت دول الشرق الأوسط تقليديا طويلا بعقد اجتماعي تتولى فيه الحكومات توفير الرعاية الاجتماعية، وتؤمن الوظائف في القطاع العام، وتقدم الدعم المالي لمواطنيها. ولكننا نرى أن هذا النموذج يتبدل اليوم سريعا وينحو نحو نموذج آخر تقدّم فيه الدولة لمواطنيها فرصا للابتكار وريادة الأعمال. ولعل من بين أبرز ملامح هذا التحول الطفرة اللافتة في الإنتاج الثقافي والتعبير الفني والابتكار التكنولوجي، ما يعكس تحولا أعمق في الصورة الذهنية للشرق الأوسط على المستوى العالمي، والأهم من ذلك، في نظرة مجتمعاته إلى ذاتها.
صعود الابتكار الثقافي في الخليج
اليوم، تنخرط دول الخليج في صياغة عقد اجتماعي جديد طموح. فبدلا من الاعتماد على توزيع الثروة النفطية، توجّه هذه الدول جهودها نحو توفير فرص المشاركة في اقتصادات متنوعة وحيوية. ويُحفَّز الشباب على تصور ذواتهم كرواد أعمال وفنانين ومواطنين عالميين، يسهمون في تحقيق الرؤى الوطنية. ومن ثم، يتبلور الخليج كمركز إقليمي للابتكار الثقافي.
لسنوات طويلة، كانت مصر ولبنان تتصدران المشهد العربي في مجالي الموسيقى والإنتاج السمعي-البصري، ولطالما هيمن الفنانون المصريون واللبنانيون، إلى جانب السينما والمسلسلات المصرية، على ساحة الفن في عموم المنطقة. لكن التحولات الاقتصادية التي شهدها البلدان دفعت مراكز الإنتاج الترفيهي تدريجيا إلى خارج حدودهما، حتى وإن استمر تدفق المواهب منهما. واليوم، وبفضل الرؤى الوطنية الطموحة في دول الخليج، تجد هذه المواهب موئلا جديدا لها في السعودية والإمارات وقطر، حيث تتقاطع مع الطاقات المحلية في توليفة تبشر بنهضة ثقافية عربية جديدة.