أسئلة كثيرة تطرح حول الانتخابات البلدية في لبنان والتي تجري آخر دوراتها في الجنوب السبت المقبل. لعل أبرز هذه الأسئلة هو عن الغاية من إجرائها في هذا الظرف تحديدا ما دام لبنان لم يسلك بعد مسار معالجة التداعيات الكارثية للحرب الأخيرة، خصوصا أن نحو 50 قرية حدودية مدمرة تدميرا كاملا أو جزئيا وأهلها مهجرون.
كذلك فإن إسرائيل لم تتوقف بعد عن قصف الأراضي اللبنانية، وهناك سؤال الآن عما إذا كانت ستترك الجنوبيين ينتخبون بأمان أم إنها ستعكر صفو "العرس الانتخابي"، علما أن الوساطات في هذا الشأن، عبر اللجنة المشرفة على وقف إطلاق النار، يبدو أنها لم تسفر عن نتائج مضمونة. وهنا يدخل منطق "وطني" مفاده أن مجرد إجراء الانتخابات هو تأكيد على الصمود في وجه إسرائيل، لكنّ الوساطات لثني إسرائيل عن التشويش على الانتخابات يضعف هذه الحجة، وهو ما يؤكد أن "الحضور الإسرائيلي" هو الآن جزء من المشهد العام في لبنان ومن الحياة اليومية لاسيما في الجنوب.
ولا شك أن قوى عديدة تقاطعت على إجراء الانتخابات وفي مقدمتها السلطة الجديدة وبالأخص رئيس الجمهورية جوزيف عون الذي استطاع حتى الآن البروز أكثر من رئيس الحكومة نواف سلام، وذلك عائد لأسباب عدة، أهمها أن ثنائي "أمل"-"حزب الله" يميل الآن إلى التعاون مع رئيس الجمهورية الذي يبدي هو الآخر استعدادا لمثل هذا التعاون وبالأخص مع رئيس البرلمان نبيه بري. ذلك بالرغم من أن انتخاب الرئيس عون كان إيذانا ببدء مرحلة جديدة في لبنان على أنقاض "محور حزب الله"، وهي مرحلة مدفوعة أساسا بعجلات أميركية، خصوصا أن واشنطن هي الراعي الرئيس لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" الموقع في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والذي يعتبر المدماك الرئيس للمرحلة الجديدة في لبنان.
ما يجدر التوقف عنده هنا هو أن هذه الانتخابات ما كانت لتحصل لولا موافقة "حزب الله" على إجرائها، لأن رئيس الجمهورية لن يعاكس "الحزب" في مسألة حيوية كهذه، في الوقت الذي يحاول فيه أن يدير المرحلة بشكل لا يؤدي إلى وقوف "الحزب" في وجهه. وربما أن "حزب الله" ماشى إرادة الرئيس بإجراء الانتخابات في محاولة لتمتين العلاقة معه أكثر فأكثر، بالرغم من التوتر الذي سادها غداة انتخابه لكن سرعان ما بدا أن هذا التوتر قد تبدد وأن العلاقة بين الطرفين دخلت مرحلة اختبار جديدة لا يعرف كيف ستنتهي بحسب تطورات الأوضاع، في وقت أن ملف حصر السلاح بيد الدولة والذي يرفع لواءه الرئيس عون تراجع حضوره سياسا وإعلاميا، وقد تقدمت عليه الانتخابات البلدية بكل ما يعنيه حصر السياسة في زواريب المدن والقرى وكأنها مناسبة لتأجيل الملفات الملحة، كمسألة السلاح مثلا والتي لا ينفك الأميركيون يضغطون بشأنها وصولا حتى إلى التلويح بحرب جديدة ضد لبنان في حال لم يفكك "حزب الله" كامل ترسانته كما قالت المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس أخيرا.
بيد أن الموقف الأميركي عالي السقف يتحول تدريجيا إلى مجرد أداة ضغط على الوضع اللبناني من دون أن تكون له مفاعيل مباشرة على قدرة السلطة الجديدة على معالجة مسألة السلاح، وهو ما يدفعها للتأقلم معه ومداراته، إلا أن لا شيء حاسما في موضوع السلاح، سواء الفلسطيني أو اللبناني، ولا في القدرة على الذهاب بعيدا في المسارات الإقليمية الجديدة، لاسيما أن تلك المسارات لم تتضج بعد، وبالأخص مسار التطبيع مع إسرائيل.